تتوسع الاحتجاجات في عدة ولايات في الجزائر ضد تطبيق قانون المضاربة الذي تسبب في سجن عدد كبير من التجار بتهم احتكار سلع تموينية أو نقلها وتخزينها دون رخصة، حيث تشهد عدة ولايات تجمعات للتجار وعائلات الموقوفين والمدانين من قبل القضاء، لمطالبة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مراجعة القانون والعقوبات المسلطة على الموقوفين في قضايا المضاربة.
وجهت تنسيقية محلية "لعائلات ضحايا التطبيق السيئ لقانون المضاربة غير المشروعة" رسالة إلى الرئيس تبون، تناشده فيها التدخل لصالح الموقوفين بسبب ما تعتبره تشددا في تطبيق هذا القانون، قائلة "أبناؤنا خلف القضبان بتهم ثقيلة قاسية نتيجة تكييفات خاطئة للوقائع أفرزت أحكاما قاسية أضرت بأبنائنا وشردت عائلاتهم وأضرت أكثر مما نفعت".
حيث ألحقت هذه الأحكام الثقيلة - بحسب الرسالة - "الأذى والضرر بقرابة 1400 عائلة وجدت نفسها بين ليلة وضحاها بلا سند ولا معيل حين يكون رب الأسرة بين القضبان وتنقطع موارد الدخل فإن النتيجة هي الفقر والتشرد وما ينجر عنه من مختلف الآفات التي ستنخر النسيج الأسري والإجتماعي وتؤثر سلبا على النظام العام".
وأكدت الرسالة أن هذه العائلات لا تعارض قانون المضاربة، لكنها تعترض على ما تصفه بتطبيقاته السيئة، وأضافت "نحن متفقون مع مسعى الدولة ورئيس الجمهورية في حماية القدرة الشرائية للمواطن والحفاظ على الاقتصاد الوطني وحماية الأمن الغذائي وهذا هو الهدف النبيل الذي قصده المشرع من خلال سن القانون، لكن التطبيق المتسرع للقانون على أرض الواقع أفرز اختلالات وتجاوزات حدثت أدت إلى أضرار غير مقصودة وألحقت الضرر بالكثير من التجار الذين أدينوا بأحكام ثقيلة وخسروا حريتهم وتجارتهم على أخطاء لم تكن فيها نية الإضرار باقتصاد الوطن أو إلحاق الأذى بقوت المواطن من خلال إحداث الندرة في السوق، بل أخطاء بسيطة لم يكن فيها ركن القصد الجنائي متوفرا".
تحركات متعددة في الجزائر
وقالت العائلات إن "الغالبية العظمى للمساجين في إطار هذا القانون ليست لهم سوابق قضائية، والكثير منهم سجنوا خطأ ولحقت بهم أضرار كثيرة، ونحن نناشدكم أن تعيدوا النظر في أحكام القانون والأحكام المطبقة على المخالفين بتخفيفها أو استبدالها، كما نلتمس منكم أن تصدروا عفوا إنسانيا بحقهم".
وتنظم العائلات سلسلة تجمعات في عدة ولايات، كان آخرها تجمع في ولاية تبسة، شرقي الجزائر، السبت الماضي، رفعت خلاله صور التجار الموقوفين ولافتات تطالب بالإفراج عنهم ومراجعة الأحكام الصادرة بحقهم.
وقال الناشط في هذا التحرك محمد بن يوب، لـ"العربي الجديد"، ان "هذا القانون جاء كرد فعل في ظل ظروف عرفتنها البلد لنقص المواد الأساسية، ولكن قانون المضاربة لا يجب تطبيقه على تجار بسطاء ومواطنين بسطاء لا يكمن أن يتسببوا هم أنفسهم في ندرة ومضاربة ضد مواطنين بسطاء مثلهم، وكمثال على سوء التطبيق أن أحد الموقوفين في القضية كان يؤجر مخزنا لصالح تجار اتهموا بالمضاربة، وتم ضمه إلى قضيتهم وحكم عليه بعشر سنوات، وهذا أمر غير معقول".
وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت في ديسمبر/ كانون الأول 2021، قانونا يجرم المضاربة، ويعاقب عليها بالحبس من 3 سنوات إلى 10 سنوات، وإذا وقعت أفعال المضاربة على الحبوب ومشتقاتها أو البقول الجافة أو الحليب أو الخضر أو الفواكه أو الزيت أو السكر أو القهوة أو مواد الوقود أو المواد الصيدلانية، فإن العقوبة تكون الحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة.
وحسب القانون، ترتفع العقوبات في حال ارتكاب المضاربة في المواد المذكورة سابقا في الحالات الاستثنائية أو عند ظهور أزمة صحية طارئة أو تفشي وباء أو وقوع كارثة، إلى السجن من 20 سنة إلى 30 سنة، أما في حالات ارتكاب الأفعال في المواد نفسها من طرف جماعة إجرامية منظمة، فإن العقوبة تكون السجن المؤبد، وتدافع الحكومة برغم حزمة من الانتقادات عما يعتبرها وزير العدل رشيد طبي نتائج إيجابية في الحد من المضاربة وقمع التلاعبات السابقة بقوت المواطنين والسلع التموينية الأساسية.
مطالب برلمانية
وطالب عدد من نواب البرلمان خلال المناقشات الأخيرة لقوانين مختلفة ذات صلة بوزارة العدل، وزير العدل رشيد طبي بمراجعة تطبيق هذا القانون على نحو يجنب إنزال عقوبات قاسية بحق تجار بسطاء بسبب شبهة مضاربة واحتكار أو بسب كمية محدودة جدا من السلع، وخلال المصادقة على تعديلان قانون، الأربعاء الماضي، خاطب النائب أحمد رابحي وزير العدل رشيد طبي لمطالبته بوقف التطبيق الخاطئ لقانون المضاربة.
وقال النائب رابحي "هناك تطبيق سيئ لقانون المضاربة، ونحن كنواب نتحمل جزءا من المسؤولية للمصادقة على هذا القانون، عندما صادقنا على هذا القانون اتفقنا أن يكون متعلقا بمحاربة المضاربة التي يقوم بها التجار الكبار الذين لديهم نية خلق للندرة، وركن النية أساس الجريمة، لكننا وجدنا أن هناك صاحب مقهى مسجون بسبب عشرة أكياس حليب، وبائع علف بسبب كيسين من العلف، وهذا أمر غير معقول، هناك سوء تطبيق للقانون سواء من قبل المصالح الأمنية أو من القضاء، هذا القانون خلف مأساة حقيقية ويجب وقف ذلك".
من جهتها، أكدت رئيسة حزب العمال اليساري، السبت الماضي، خلال مؤتمر شعبي، أنها تحدثت إلى الرئيس تبون حول معضلة سوء تطبيق قانون المضاربة، وقالت في برنامج تلفزيوني: "عند تطبيق قانون المضاربة، حدثت تجاوزات كثيرة في هذا المجال، حيث إن هناك فئات مظلومة ويتعين استدراك الأمر وإصلاح الضرر، والرئيس تبون أقر بذلك".