توصلت السلطات اللبنانية وفريق صندوق النقد الدولي، الخميس، إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن دعمها بترتيب تمويل ممدد مدته 46 شهراً، مع طلب الحصول على 2.1 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يناهز 3 مليارات دولار.
وقال صندوق النقد الدولي، في بيان، إن السلطات اللبنانية صاغت، بدعم من خبراء صندوق النقد الدولي، برنامجاً إصلاحياً اقتصادياً شاملاً، يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الاستدامة المالية وتعزيز الحوكمة والشفافية وإزالة العوائق التي تحول دون نمو فرص العمل وزيادة الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار.
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أوضح أن المفاوضات مع صندوق النقد تتعلق بالمواضيع الإصلاحية اللازمة، التي هي تأشيرة للدول المانحة لإعادة لبنان إلى الخريطة العالمية المالية.
ويخضع البرنامج المتفق عليه لإدارة صندوق النقد الدولي وموافقة المجلس التنفيذي. وقد وافقت السلطات اللبنانية على إجراء العديد من الإصلاحات الهامة قبل اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
وبحسب الصندوق، فإن تمويل الدعم سيكون بشروط ميسرة للغاية من شركاء لبنان الدوليين وضرورياً لدعم جهود السلطات وضمان تمويل البرنامج بشكل كافٍ، ويمكنه بذلك تحقيق أهدافه.
وقد ترأس الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري، بعد ظهر اليوم الخميس، اجتماعاً بحضور رئيس الحكومة ونائبه سعادة الشامي ووزيري المال والاقتصاد، ورئيس بعثة صندوق النقد الدولي، للإعلان عن الاتفاق مع الصندوق على البرنامج الاقتصادي.
ويقول بيان صندوق النقد إن السلطات اللبنانية "تدرك الحاجة الملحة لبدء برنامج إصلاح متعدد الجوانب لمواجهة التحديات وإعادة الثقة وإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو المستدام مع نشاط أقوى للقطاع الخاص وخلق فرص عمل".
وفي هذا الصدد، ترتكز خطتها على خمس ركائز أساسية، الأولى إعادة هيكلة القطاع المالي لاستعادة قدرة البنوك على البقاء وقدرتها على تخصيص الموارد بكفاءة لدعم الانتعاش.
كما أن تنفيذ الإصلاحات المالية التي تقترن بإعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي سيضمن القدرة على تحمل الديون وخلق مسار للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار والبنية التحتية، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وخاصة في قطاع الطاقة، لتقديم خدمات عالية الجودة من دون استنزاف الموارد العامة.
كذلك، تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد وغسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب لتعزيز الشفافية والمساءلة، بما في ذلك عن طريق تحديث الإطار القانون للبنك المركزي وترتيبات الحوكمة والمساءلة، وإنشاء نظام نقدي وشفاف يتسم بالمصداقية والشفافية.
وتبعاً للبيان، فإن السياسات والإصلاحات الحاسمة في هذه المجالات، إلى جانب التمويل الخارجي الكبير، ضرورية لتحقيق أهداف السلطة خلال السنوات المقبلة.
وأعلن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد الاجتماع المالي أن مهمة وفد صندوق النقد الدولي الذي كان في جولة على لبنان تنتهي اليوم.
وإزاء ذلك، صدر بيان جاء فيه أن "لبنان يعاني من تراكمات أدت إلى أزمة اقتصادية ومالية معقدة غير مسبوقة، كما إلى عجز كبير في الميزان الخارجي وزيادة مضطردة في الدين العام، ما تسبّب بإضعاف النظام المالي وتقييد الودائع ووقوع الشعب اللبناني تحت وطأة أزمة غير مسبوقة. وإضافة إلى العوامل الداخلية، أتت جائحة كوفيد 19 ثم انفجار مرفأ بيروت والأزمة الأوكرانية لتضيف أعباء إضافية على الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان".
وأضاف ميقاتي: "تتطلب الأزمة برنامجاً إصلاحياً شاملاً أولاً لمعالجة التحديات المتراكمة، ومن ثم تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي وإرساء قواعد النمو المستدام والقوي، وهذا الأمر يتطلب سياسات وإصلاحات فعّالة لإنعاش الاقتصاد وإعادة بناء الثقة والدعم الواسع من جميع الأطراف، كما يقتضي اعترافاً صريحاً بالخسائر الواقعة في النظام المالي والموافقة على طريقة معالجتها".
بيان عون وميقاتي
وأعلن عون وميقاتي، وفق البيان، "التزاماً راسخاً بالعمل على حل الأزمة ووضع لبنان على مسار النمو المستدام والمتوازن والشامل، من خلال تطبيق إصلاحات بنيوية توطد الإطار المؤسساتي وتعالج أبرز مواطن اختلال التوازن الاقتصادي والمالي الكلي، وتوسع شبكة الأمان الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة على اللبنانيين، ولا سيما منها الفئات الأكثر حاجة، وتنشيط حركة الاستثمار في البنى التحتية وإعادة الإعمار".
وتابع ميقاتي تلاوة البيان الذي جاء فيه: "لهذه الغاية يدعم رئيسا الجمهورية ومجلس الوزراء بقوة البرنامج الإصلاحي الاقتصادي الذي تقوم اللجنة الوزارية المكلفة من قبل مجلس الوزراء بالتفاوض بشأن مندرجاته مع صندوق النقد الدولي، وسنتعاون بشكل وثيق لضمان التطبيق السريع لكل الإجراءات المتفق عليها مع الصندوق، بما في ذلك إقرار التشريعات الضرورية الهادفة إلى إنجاح هذا البرنامج بالتعاون مع المجلس النيابي، كما نجدد الالتزام الكامل باستمرار التعاون مع صندوق النقد لإخراج لبنان من كبوته ووضعه على سكة التعافي والحل".
وأوضح ميقاتي في معرض ردّه على أسئلة الصحافيين أن مطالب أو شروط صندوق النقد الدولي ستكون على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسات المقبلة قبل الانتخابات النيابية المرتقبة في 15 مايو/أيار المقبل لوضعها في صورة مشاريع قوانين ترسل إلى مجلس النواب، الذي "نتمنى عليه أن ينظر بها بأسرع وقتٍ، والقرار بيده وليس بيدنا".
وشدد على أن الإصلاحات هي لمصلحة لبنان، وبما أنها "كذلك سنلتزم بإجرائها، ولا مانع لدينا من أن تكون تحت المراقبة، وذلك بهدف سلامة تطبيقها، لأننا نريد أن تطبّق بالكامل"، لافتاً إلى أن "مهلة زمنية وضعت ليس لتطبيق الإصلاحات، بل لإقرارها من جانبنا، ومن ثم تقرّ من قبل مجلس إدارة الصندوق، ثم يكون لبنان تحت المراقبة لتنفيذها".
ولفت رئيس الوزراء اللبناني إلى أن "المفاوضات لا تتعلق فقط بالمواضيع المالية، بل أيضاً بتلك الإصلاحية اللازمة التي هي في الواقع تأشيرة للدول المانحة أن تبدأ بالتعاون مع لبنان وإعادته على الخريطة الطبيعية المالية العالمية".
وفي ما خصّ المبلغ المذكور، أوضح ميقاتي أنه "لا يدفع مرّة واحدة، إنما على فترات، وقد لا يقتصر على ذلك، لأننا على ضوء تنفيذ ما نقوم به من إصلاحات سيزداد المبلغ، أما مدة الـ46 شهراً فهي تأتي على ضوء تحسّن الاقتصاد اللبناني".
تفاصيل اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي
من جهته، أصدر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بياناً قال فيه إن الوفد اللبناني المكلف من قبل مجلس الوزراء بالتفاوض مع بعثة صندوق النقد الدولي توصّل إلى اتفاق مبدئي على برنامج تصحيح اقتصادي ومالي تحت اسم "التسهيل الائتماني الممدد" Extended Fund Facility مدته أربع سنوات.
وأضاف: "لقد أُعد هذا البرنامج من قبل الجانب اللبناني بمساعدة صندوق النقد الدولي، وهو يهدف إلى تحفيز النمو وتوفير فرص عمل ووضع لبنان على سكة التعافي والنهوض بعدما انكمش الاقتصاد بأكثر من 60% خلال السنتين الفائتتين، وانهار سعر صرف الليرة، ووصل التضخم إلى مستويات عالية جداً، ووصل مستوى الفقر إلى حد لم يشهد لبنان له مثيلاً في تاريخه الحديث".
وتابع البيان: "يحتاج هذا الاتفاق إلى موافقة إدارة الصندوق، وكذلك الحكومة اللبنانية ومجلس النواب، لا سيما في ما يتعلق بالقوانين الملحة الواجب إقرارها قبل الحصول على موافقة مجلس إدارة الصندوق على البرنامج بشكل نهائي".
ويعتمد هذا البرنامج على الركائز التالية، يقول الشامي في بيانه:
- توفير بيئة مؤاتية للنشاط الاقتصادي عبر إنجاز الإصلاحات الهيكلية الضرورية لاستعادة النمو وتأمين فرص عمل.
- إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليتمكن من استعادة دوره في تمويل الاقتصاد.
- تحسين المالية العامة لتأمين استدامة الدين مع زيادة النفقات على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية.
- إصلاح القطاع العام ومؤسساته، وخاصة قطاع الكهرباء لتأمين تغذية أفضل، ما يساعد في تخفيف الأعباء على المواطنين وإنعاش الحركة الاقتصادية.
- توحيد سعر الصرف لإزالة التشوهات في الاقتصاد.
- تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد بمساعدة فنية من صندوق النقد الدولي.
وأشار الشامي إلى أنه "علينا القيام بورشة عمل حقيقية لتنفيذ الإصلاحات الضرورية التي نحن بأمسّ الحاجة إليها، كما نحن بحاجة إلى دعم الصندوق والمجتمع الدولي، وخاصة إلى تمويل إضافي من أصدقاء لبنان على شكل منح أو قروض ميسرة".
وأضاف: "نحن أيضاً بحاجة إلى تضافر كل الجهود وإلى تعاون وثيق بين مكونات السلطة اللبنانية والتعاون بين مجلس الوزراء ومجلس النواب، والذي له دور أساسي في هذه المرحلة، لكي نتمكن من الخروج من هذه الأزمة التي أدت إلى مآس اجتماعية ومعيشية قاسية أصابت معظم اللبنانيين".
وشدد الشامي على أن "الوقت ثمين جداً، وهناك الكثير من العمل ينتظرنا في الأشهر المقبلة، وكلما تأخرنا في البدء بالإصلاحات المطلوبة، كلما زادت الكلفة على الاقتصاد الوطني، وبالتالي على المواطنين"، مشيراً إلى أن "كلفة الانتظار باهظة جداً، لذا يتوجب على الجميع التعاون لكي يتمكن لبنان من التعافي والنهوض من كبوته وتأمين مستقبل أفضل للأجيال المقبلة".
بدوره، أصدر رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بياناً اعتبر فيه أن الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي "يأتي ليشكل إنجازاً إيجابياً للحكومة على طريق معالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وأرهقت الشعب اللبناني، وجعلت نسبة غير مسبوقة منه تحت خط الفقر".
وثمّن بري هذا "الإنجاز"، وعبّر عن تقديره للجهود "التي بذلت من جانب فريق صندوق النقد الدولي للتوصل إليه، والذي يشكل بداية عودة لبنان إلى سكة التعافي ويكسب لبنان إعادة تصنيف إيجابية من جانب صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية".
وأعرب بري عن جهوزية المجلس النيابي لـ"مواكبة هذا الإنجاز بالعمل وبجدية كبيرة لتأمين التشريعات والإصلاحات المطلوبة الضرورية الهادفة إلى إنجاح البرنامج المدعوم من قبل صندوق النقد وضمان ودائع اللبنانيين والمودعين، كما المواكبة المطلوبة لجعل الحلول مستدامة وحقيقة ملموسة".
ترحيب أوروبي باتفاق لبنان مع صندوق النقد
الاتفاق مع الصندوق لقي صدى أوروبياً طيباً، ففي بيروت، رحبت السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو بإبرام به، معتبرة أنه خطوة مهمّة نحو اعتمادبرنامج المنظمة. وقالت: "لهو أمرٌ لا بدّ منه، إذ يشكّل الوسيلة الوحيدة للخروج من الأزمة. انطلق العمل للتو. ولكن ستواصل فرنسا دعمها للبنان على طريقالإصلاحات والنهوض".
بدورها، رحبت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان اليوم الخميس، بالإعلان عن اتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي، معتبرةً أنه "خطوة رئيسية نحو برنامج تعاف اقتصادي شامل قائم على الإصلاحات". وأضافت في تغريدة "نحن على استعداد لتقديم الدعم".
The #EU welcomes the announcement of a staff-level agreement between #Lebanon and the #IMF. A key step towards an inclusive and reforms-based economic recovery programme. We stand ready to support.
— EU in Lebanon (@EUinLebanon) April 7, 2022