اتساع السوق السوداء للعملة يؤرق حكومة الجزائر

28 مايو 2023
الطلب على النقد الأجنبي يزداد وسط إقبال الشباب على العملات الرقمية (فرانس برس)
+ الخط -

لا تكاد تخلو أي محافظة من محافظات الجزائر الثماني والخمسين من ساحة يجري فيها بيع وشراء العملات الأجنبية بداية من الدولار والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو" والجنيه الإسترليني وحتى "اليوان" الصيني الذي أصبح يتداول في السوق السوداء لصرف العملات التي فرضت نفسها كبديل لمكاتب الصرف في البلاد.

وبينما تغيب الأرقام الرسمية حول حجم الأموال المتداولة في شريان سوق صرف العملات السوداء أو "دوفيز" كما يطلق عليها الجزائريون، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى مليارات الدولار يتم تداولها سنوياً.

وتعد ساحة "بور سعيد" أو "السكوار" كما يحلو للجزائريين تسميتها أكبر سوق موازية يتم فيها تداول العملات الأجنبية، وتعتبر الساحة الواقعة وسط العاصمة الجزائرية أمام مجلس الأمة الجزائري، بورصة موازية تُحدد فيها أسعار صرف مختلف العملات الأجنبية أمام الدينار.

وبالرغم من الخطاب الرسمي المُندد بالسوق الموازية للعملة، إلا أن نوابا في البرلمان وخبراء اقتصاد يرون أن جهات نافذة ومقربة من دائرة اتخاذ القرار في البلاد، تقف وراء هذه السوق.

وتحاول الحكومة الجزائرية الحالية إبداء مقاومة للوبي المسيطر على الأسواق الموازية للعملة، من خلال بعث نشاط مكاتب الصرف، في القانون المصرفي والنقدي الذي صادق عليه البرلمان قبل شهرٍ، بالرغم من وجود تشاؤمٍ من نجاح هذه المكاتب في امتصاص الكتل النقدية المتداولة في أسواق العملة السوداء.

نافذون وراء السوق السوداء

يقول النائب في البرلمان الجزائري عن حزب جبهة التحرير الوطني، زهير ناصري، في تصريح لـ" العربي الجديد": "أعيد وأكرر أسواق العملة السوداء هي دولة موازية تقارع الدولة الرسمية، من يسيرها هم أناس أغنياء وذوو نفوذٍ يفضلون الاستثمار في سوق العملة الموازية عوض بناء المصانع، حتى الرسميون أصبحوا يقصدونها عوض محاربتها، لأنهم يدركون من يقف وراءها".

وأعطى القانون الجديد المُنظم لنشاط مكاتب الصرف، تعريفا لمكاتب الصرف على أنها "كيان أنشأه شخص طبيعي أو معنوي مقيم وفقا للقوانين المنصوص عنها في القانون التجاري، ومرخص به من طرف البنك المركزي".

وبالتالي يكون نص القانون قد وسع دائرة من يُخول له النشاط في صرف وبيع العملات الأجنبية بالجزائر، والذي ظل مقتصراً على بنك الجزائر، ووسطائه التجاريين فقط، دون ذكر مكاتب الصرف المعتمدة.

ويرى الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في وزارة المالية محمد مقران صديقي أن "مكاتب الصرف لن تغير الكثير، ولن تقضي على السوق السوداء للعملة، والحكومة الجزائرية تعي ذلك جيدا". ويقول صديقي لـ"العربي الجديد" إنه "لو كان للدولة نية في القضاء على هذه الأسواق لكانت اتخذت قراراً اقتصادياً بالسماح بتحويل الدينار في العمليات الخارجية، ومن غير ذلك لا يمكن القضاء على هذه الأسواق التي تمنح هامش ربح أكبر من الهامش الذي تمنحه البنوك والمصارف".

ملاذ الجزائريين لشراء وبيع العملات

وبالرغم من ظهورها نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن السوق السوداء للعملات الأجنبية توسعت كثيراً في السنوات الأخيرة.

ويقول إسماعيل بوكريطا خبير مصرفي لـ "العربي الجديد" إن " السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية لم تكن تعرف إقبالاً قبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لكون أن البنوك كانت تجري عمليات الصرف، والدينار الجزائري كان في أعلى مستوياته مقابل الفرنك الفرنسي والدولار آنذاك" إلا أن الأمر تغير بداية من 1990 حينما بدأت المعطيات تتغير، إذ تعرض الدينار للسقوط بالإضافة إلى انكماش الاقتصاد جراء أزمة تهاوي أسعار النفط عام 1986، و ما زاد الطين بلة هو الإرهاب الذي عزل البلاد اقتصاديا، وبالتالي كان الميلاد الرسمي لأسواق صرف العملات الموازية".

كما زاد تعديل قانون الصرف والنقد سنة 1997 من الإقبال على السوق السوداء للعملة في الجزائر، بعدما أكد القانون المُنظم لتداول العملة في البلاد أن " الدينار غير قابل للتحويل إلا في العمليات التجارية الجارية مع الخارج، أي استيراد سلع أو خدمات أو تحويل أرباحٍ "، وبالتالي أصبح من شبه المستحيل أن يشتري الجزائريون أو يبيعون العملات الأجنبية في البنوك دون سجل تجاري أو ترخيص خاص يمنح من طرف البنك المركزي الذي عدل القانون بعد ذلك وحدد نسبة ما يعادل 15 ألف دينار من العملات كمنحة سفر يحق لأي مواطن أن يحولها في البنوك مرة واحدة في السنة.

وأمام هذه الوضعية، يقول لوناس محمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة قسنطينة إن "الجزائريين لم يجدوا من بديل سوى بشراء وبيع العملات الأجنبية في السوق الموازية التي كانت ولا تزال تمنح فارقاً كبيراً في سعر الصرف، سواء للسفر أو لشراء سيارات أو منازل في الخارج".

ويضيف محمد لـ "العربي الجديد" أن "حوالي 4 مليارات دولار يضخها الجزائريون القاطنون في الخارج سنوياً في السوق الموازية للعملة عوض إرسالها عبر القنوات البنكية بسبب الإجراءات المعقدة من جهة وارتفاع هامش الربح في السوق الموازية".

منصات رقمية للسوق السوداء

ومع فرضها نفسها ملاذا للجزائريين في ظل تعقد المنظومة البنكية الجزائرية، دخلت سوق الصرف الموازية مرحلة جديدة، تقدم فيها خدمات رقمية، سبقت بها البنوك الرسمية، حيث باتت تتعامل بالعملات الرقمية عبر منصات "بيسيرا"،" باي بال" و"وايز" وغيرها من الوسائل الرقمية. وما زاد من الإقبال على شراء العملة خاصة لدى الشباب الباحث عن طرق لاستفادة من التجارة الإلكترونية والتسوق من المواقع العالمية على غرار "علي بابا" و"أمازون".

وفي السياق يكشف محمود رياحي المختص في التجارة الإلكترونية لـ"العربي الجديد" أن "الأسواق الموازية للعملة الصعبة باتت تقدم خدمات مثل فتح الحسابات البنكية في البنوك الإلكترونية الليتوانية التي تلقى رواجاً في الجزائر، والتي يتم من خلالها تحويل المال بالعملة الجزائرية مباشرة من تطبيق بريد الجزائر على أن يرسل بائع العملة، المبلغ بالعملة الأجنبية المطلوبة من حسابه في أحد تطبيقات بايسيرا أو باي بال، وبالتالي تكون هناك عملية صرف للعملة الوطنية وتحويلها للخارج بكبسة زر وبعيدا عن الرقابة".

ويضيف أن "العملية لا يوجد لها سقف، وقد يتم ملء الأرصدة بأموال كبيرة بالعملة الأوروبية الموحدة أو الدولار".

المساهمون