بحث وفد وُصف بأنه "رفيع المستوى" من النظام السوري مع الجانب الإيراني تفعيل اتفاقيات وُقعت بين الجانبين في مايو/ أيار الفائت، تكرس النفوذ الإيراني على مفاصل الاقتصاد السوري على المستويات كافة، في ظل حاجة هذا النظام إلى دعم طهران.
وجاءت زيارة الوفد السوري إلى إيران، وسط كوارث اقتصادية تضرب المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد، وتهاوي الليرة السورية إلى مستوى متدن أمام العملات الأجنبية، وهو ما يسبب تململاً شعبياً طفا إلى السطح أخيراً في هذه المناطق، حيث تقلص راتب الموظف في مؤسسات النظام إلى ما دون 10 دولارات في الشهر.
أزمة النظام
وفي هذا السياق، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد" أن زيارة الوفد الاقتصادي إلى طهران "تعكس الأزمة التي يمر بها النظام"، مضيفاً: نظام الأسد يمر بمأزق حقيقي، حتى إن الأصوات المستاءة بدأت تتعالى داخل حاضنته الضيقة.
وتابع أبو عدنان أنه (النظام) يريد من إيران ما يحول دون انفجار مناطقه، مقابل زيادة تغلغل طهران في كل مفاصل سورية العسكرية والأمنية والاجتماعية والدينية والاقتصادية. الأسد يبيع سورية بكل ما تمثله للإيرانيين.
وذكرت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، الأسبوع الماضي، أن الوفد الاقتصادي الذي يرأسه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام محمد سامر الخليل عقد "اجتماعات متابعة نتائج التفاهمات والاتفاقيات التي جرى توقيعها بين رئيسي البلدين خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سورية مؤخراً".
وناقش الخليل، الذي يرأس جانب النظام في اللجنة الاقتصادية المشتركة مع إيران، مع وزير الزراعة الإيراني محمد علي نيكبخت "سبل تنمية تبادل المنتجات الزراعية والتعاون لإقامة بعض المشاريع التي من شأنها رفع مردودية الإنتاج الزراعي في سورية"، وفق الصحيفة التي أشارت إلى أن وزير الزراعة الإيراني "عرض إمكانية الاستفادة من نتائج الأبحاث التي تقوم بها المؤسسات العلمية التابعة لوزارته في تنمية وتطوير القطاع الزراعي السوري".
وبحث الخليل أيضاً مع وزير الاقتصاد والمالية الإيراني، إحسان خاندوزي، الإجراءات المتخذة، وتلك التي يجب أن تجري متابعتها لاستكمال تأسيس البنك المشترك وشركة التأمين، والآليات المتعلقة بالتحويلات المالية، بما يساهم في تنمية التعاون الاقتصادي، وتعزيز التبادل التجاري.
كما عقدت اجتماعات مع مجموعات اقتصادية إيرانية منفذة لمشروعات كهربائية في سورية، وهو ما يؤكد أن اقتصاد النظام بات مرتبطاً إلى حد بعيد بالجانب الإيراني الساعي، كما يبدو، إلى تكريس نفوذ طويل الأمد في سورية، وحصد نتائج دعمه لنظام الأسد منذ عام 2011.
ونقلت وسائل إعلام النظام عن الخليل تأكيده أنه "جرى اتخاذ خطوات كثيرة في مجال التعاون المصرفي والسياحة والنقل والتجارة الحرة"، آملاً "تنمية قوية للعلاقات الثنائية". وأكد أنه "جرى إنشاء خطوط ترانزيت برية وبحرية" بين سورية وإيران. من جهته، أعلن وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني مهرداد بذرباش أنه تم الاتفاق مع سورية على إلغاء التعرفة الجمركية بشأن الصادرات والواردات بين البلدين.
تعاون طويل الأمد
وكان رأس النظام السوري بشار الأسد قد وقّع مطلع مايو الفائت مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، مذكرة تفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد بين النظام وإيران. كما جرى توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات: الزراعة والنقل والنفط والمناطق الحرة والاتصالات والسكك الحديدية.
وفي هذا الإطار، أوضح الباحث الاقتصادي يونس الكريّم في حديث مع "العربي الجديد" خطورة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المبرمة بين النظام وإيران، مشيراً إلى أن السعي الإيراني المستمر على تطوير حقول وآبار النفط، الواقعة تحت سيطرة النظام، هدفه إنشاء ما يسمّى "أنبوب الصداقة"، في رد على طرح مشروع أنبوب كركوك- بانياس مؤخراً".
وأضاف: إيران ترفض هذا المشروع رغم صعوبة تنفيذه، لأنه يقلص من نفوذها في شرقي سورية وقد يقود إلى تطويق أماكن نفوذها، كما أن تطوير الحقول النفطية يسمح لها بالسيطرة على البادية السورية، حيث توجد الكثير من هذه الحقول ما يؤمّن لها شبكة طرق تمكنها من تطويق التقارب التركي الخليجي.
وبيّن الكريّم أن النظام السوري لا يسيطر حالياً سوى على نحو 20 % من الثروة النفطية في سورية، والباقي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي.
وأوضح خطورة المساعي الإيرانية لتأسيس بنك وشركة تأمين في سورية، مشيراً إلى أن "خطورة هذا الأمر تكمن في عدم القدرة على مراقبة حجم التحويلات المالية الإيرانية الداخلة أو الخارجة من سورية، في حال إنشاء هذا البنك وهذه الشركة".
وتابع: لدى إيران مشروعات عسكرية في سورية لها علاقة بالمشروع النووي، ومن ثم فإن وجود البنك والشركة يؤمن لها وسيلة لتحويل الأموال، ويمكنها من خلق طبقة رجال أعمال تدعم إيران ويكون ولاؤها لها. وأوضح أن الحوزات والمقامات الدينية الشيعية التي خلقتها إيران في سورية "لها بعد اقتصادي مهم، وليس بعد ديني فقط، ففيها يجري التبرع بأموال طائلة".
وأضاف: هذه المقامات لديها سيولة مالية كبيرة تتيح لطهران التوسع في سورية، ودفع رواتب لمسلحي الميليشيات. وحول تصفير التعرفة الجمركية بين الجانبين، بيّن الكريم أن هذا الأمر "فشل قبل سنوات عدة، نتيجة رداءة الصناعة الإيرانية، والتي لا تناسب السوريين".
كعكة إعادة الإعمار
وذكر أن هدف إيران من طرح هذا الأمر مرة أخرى الاستحواذ على حصة كبيرة في مشروعات إعادة الإعمار في سورية في حال حدوثها مستقبلاً. ويعتقد الكريّم أن "الطرح الإيراني حول التعرفة الجمركية والنفط والبنك وشركة التأمين، هدفه قطع الطريق بين الأسد والتطبيع العربي معه"، مضيفاً: "تريد إيران القول إنه لا يمكن للأسد التطبيع مع العرب من دون المرور بها. سيادة طهران على سورية ستكون أعلى من سيادة بشار الأسد إذا طُبقت هذه الاتفاقيات".
بلغت صادرات إيران إلى سورية 218 مليوناً، و260 ألف دولار عام 2021
وأوضح الكريّم أنه "لم يعد هناك اقتصاد في سورية خلال سنوات الحرب"، مضيفاً: الآن تتشكل معالم وضع اقتصادي جديد في البلاد. هناك اليوم اقتصاد حرب مضطرب.
وتابع: طهران تريد الاستحواذ على قطاعات مهمة في سورية، وهناك صراع بين مختلف القوى الفاعلة في سورية حول الفوسفات والبترول ومؤسسات الدولة.
وأشار إلى أن "ما يجري من توقيع اتفاقيات يمكن لأي نظام سياسي قادم مراجعتها وحتى إلغائها"، موضحاً أن هذه الاتفاقيات "تلعب اليوم أدواراً سيئة، أبرزها إعاقة الحل السياسي في سورية، لأن معظمها سرية، ولا نعلم بنودها كاملة".
وأضاف: هذه الاتفاقيات تخلق طبقات وأحزاباً وجهات موالية لإيران يصعب تفكيكها، كما حدث في العراق ولبنان، وهذا أمر بالغ الخطورة.
وفي تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، قال المتحدث الرسمي باسم هيئة تنمية التجارة في وزارة الصناعة الإيرانية روح الله لطيفي، إن صادرات البضائع الإيرانية إلى سورية شهدت تقلبات عديدة في العقدين الأخيرين، جراء الأزمة التي شهدتها سورية في عام 2011.
وبلغت صادرات إيران إلى سورية 218 مليوناً، و260 ألف دولار عام 2021، مسجلة نمواً بنسبة 99% مقارنة بالعام الذي سبقه، وتواصل هذا الاتجاه في العام الماضي، وسجل نمواً بنسبة 10.6% من حيث الوزن، و11.4% من حيث القيمة، وبلغت الصادرات 147 ألف طن من السلع غير النفطية، بقيمة 243 مليوناً و168 ألفاً و533 دولاراً.