عادت إيران بقوة إلى سورية من بوابة الاقتصاد، وسط محاولة تفعيل الاتفاقات التي وجدت لأسباب سياسية خلال الفترة السابقة، وبمقدمتها مشروعات الطاقة والمصرف الإسلامي ومشروع إنتاج الجرارات والسيارات عبر معمل "سيامكو" والشركتين الإيرانيتين المرخصتين في سورية.
وتكشف مصادر من العاصمة السورية دمشق في حديث مع "العربي الجديد" أنّ إيران أبدت استعداداً لتقديم ميزات وتسهيلات لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 1.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذا كان المحور الأهم المعلن بالملتقى الاقتصادي السوري الإيراني الذي اختتم أعماله أخيراً في دمشق.
وخلص الملتقى الذي استضافته دمشق في فندق "داما روز" إلى تذليل صعوبات المطابقة لحل مشاكل النقل والمواصفات التي تؤثر على حجم التبادل التجاري وتفعيل دور القطاع الخاص لإقامة استثمارات مشتركة بالقطاعين الصناعي والزراعي، إضافة إلى إحياء الاتفاقات السابقة، وبمقدمتها تأسيس مصرف مشترك له فروع بالمحافظات السورية وشركات إعادة الإعمار وتنشيط السياحة غير الدينية بين البلدين.
إيران أبدت استعداداً لتقديم ميزات وتسهيلات لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 1.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة
وفي حين أنّ المعلن بالنتائج، يركز على تفعيل دور شركة "إنكا" الإيرانية والمؤسسة السورية للتجارة ومؤسسة التجارة الخارجية وإقامة معارض لبيع المنتجات السورية في الأسواق الإيرانية، إلّا أنّ المصادر الخاصة تؤكد أنّ وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، محمد إسلامي، بحث مع وزير الاقتصاد بحكومة الأسد، سامر خليل، كيفية تعزيز الدور الإيراني في إعادة إعمار سورية وتأسيس "شركات مشتركة للعمل في مجال إعادة الإعمار والبناء، خصوصاً أنّ هناك دائماً أفكاراً خلاقة تبتعد عن صعوبات التمويل التي تقف عائقاً أمام كثير من المشاريع".
ويخشى الاقتصادي السوري، محمود حسين "أن تستفيد إيران من الإدارة الأميركية الحالية وتزيد توسعها في سورية عبر الاقتصاد".
ويشرح أنّه بعد افتتاح قنصليتها في عاصمة الاقتصاد السوري، حلب، الشهر الماضي، بدأت طهران تكثف من اللقاءات والزيارات لتعزيز وجودها الاقتصادي، بالتوازي مع مفاوضاتها النووية مع واشنطن وتراخي إدارة جو بايدن بتطبيق قانون قيصر الذي تم فرضه بمثل هذه الفترة من العام الماضي.
ويضيف حسين لـ"العربي الجديد" أنّ طهران تسعى الآن إلى تفعيل الخط البحري مع سورية وتزيد الديون على نظام بشار الأسد عبر نقل النفط الخام، ومقايضة ذلك بالمشروعات والاتفاقات لتسديد الديون.
وحول التبادل التجاري بين البلدين، يقول الاقتصادي السوري إنّ حجم التجارة بين طهران ودمشق وصل إلى نحو مليار دولار عام 2009 قبل أن يتراجع إلى نحو 550 مليون دولار مطلع الثورة عام 2011 ويستمر بالتراجع بأكثر من 600 في المائة حتى العام الماضي، حين لم يتجاوز 85 مليون دولار "لكنّه تحسن كثيراً خلال 2021 وسط تفرّد طهران بسورية".
وكانت منظمة التنمية التجارية الإيرانية، قد أعلنت عن ارتفاع قيمة الصادرات من إيران إلى سورية بنسبة 73 في المائة، خلال الشهرين الماضيين. وقالت المسؤولة في المنظمة سهيلا رسولي نجاد، بحسب مصادر سورية، إنّ قيمة الصادرات الإيرانية إلى سورية بلغت 49 مليون دولار.
وبينت رسولي أنّ أهم السلع الإيرانية المُصدّرة إلى سورية هي قطع غيار وموصلات الكهرباء وقضبان الحديد أو الصلب وحليب الأطفال. في حين لم تزد الصادرات السورية إلى إيران، خلال الفترة نفسها، عن مليوني دولار.
وسبق لمدير مكتب الشؤون العربية والأفريقية بمنظمة التنمية التجارية الإيرانية فرزاد بيلتن، أن قال إنّ بلاده تخطط لرفع التبادل التجاري مع سورية إلى 1.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وحول تراجع التبادل التجاري، شرح بيلتن أنّ انخفاض الصادرات الإيرانية إلى سورية خلال العام الماضي (من مارس/آذار 2020 حتى فبراير/شباط 2021) بنسبة 34 في المائة يعود لسببين، الأول انقطاع التبادل التجاري بسبب فيروس كورونا، والثاني عدم إقامة المعارض في سورية بسبب الجائحة.
حجم التجارة بين طهران ودمشق وصل إلى مليار دولار عام 2009 قبل أن يتراجع إلى 550 مليون دولار في 2011 ويستمر بالتراجع بأكثر من 600% حتى 2020، حين لم يتجاوز 85 مليون دولار
وحول إطلاق الخطوط التجارية مع سورية، أكد المسؤول الإيراني أن طهران تعمل على إطلاق خط ترانزيت نقل بري عبر العراق إلى سورية، وتدشين خط ملاحي منظم وغير منظم بين إيران والموانئ السورية والذي بات "مهيأ للإطلاق إلى حد ما" وفق تعبيره.
يذكر أنّ طهران ودمشق كانتا قد أعلنتا عن موعد لتدشين خط بحري مباشر باتجاه واحد من ميناء بندر عباس، جنوبي إيران، إلى مرفأ اللاذقية على الساحل السوري، في العاشر من مارس/ آذار الماضي، لكنّ تدشين الخط أرجئ من دون تحديد موعد لاحق بعد.