أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اليوم السبت، أنّ قيمة مخصصات العام 2023-2024 من أجل بناء المباني الخاصة لكل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والمجالس التخصصية ودواوين عموم المحافظات والجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية ومصالحها ووزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة، تعادل مخصصات العام الحالي للتعليم.
وأقر الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمرة الأولى، بأنّ الحكومة لا تلتزم بالحد الأدنى الدستوري للإنفاق العام على التعليم والصحة، عقب يومين فقط من تأكيد وزير المالية محمد معيط عكس ذلك أمام مجلس النواب.
وقال السيسي، في 14 يونيو/ حزيران الجاري، خلال فعاليات المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية: "معاك المبلغ ده؟ هتعمل استحقاق دستوري إزاي للتعليم؟ مش بتقولوا كدة؟ أنتم عاوزين أضحك عليكم؟ تقول لي استحقاق دستوري للصحة والتعليم؟ هل الدولة المصرية معاها هذه الأموال للـ100 مليون، تعلمهم(..) الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة، ولازم كلنا نبقى موجودين على أرض الواقع".
وقبل اعتراف السيسي بنحو ثمان وأربعين ساعة فقط، وقف وزير المالية محمد معيط أمام مجلس النواب، ليؤكد أنّ الحكومة ملتزمة بالنسب الدستورية الدنيا للتعليم والصحة، قائلاً: "نحن ملتزمون بنسب الاستحقاقات الدستورية، وتم مراعاة عدم الازدواج في حساب النفقات. الموازنة العامة للدولة لا تستوفي فقط المعايير المحلية، وإنما المعايير الدولية في إعداد الموازنات".
وفي اليوم اللاحق لخطاب الوزير، صوّت البرلمان بالموافقة على الموازنة العامة غير الدستورية المقدمة إليه.
بعدها، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تعليقًا على إقرار السيسي، بقولها: "إن هذا الاعتراف الأول من نوعه والصادر عن رأس الدولة جاء لينهي ثمانية أعوام من التفاف الحكومة حول الدستور، ويؤكد ضرورة إعادة النظر في السياسات المالية الحكومية وأولويات الإنفاق وأبجديات العدالة الضريبية".
يقضي الدستور بإلزام الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 3% للصحة و4% للتعليم قبل الجامعي (المدرسي) و2% للجامعي و1% للبحث العلمي
وأكدت المبادرة أن هذا التصريح، يستلزم مساءلة كل من الحكومة والبرلمان عن سنوات تجاهل أحكام الدستور.
وإذ يقضي الدستور المصري الصادر عام 2014 في المواد (18، و19، و20 و21) بإلزام الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 3% للصحة و4% للتعليم قبل الجامعي (المدرسي) و2% للجامعي و1% للبحث العلمي (النسب كلها من إجمالي الدخل القومي/الناتج المحلي).
وكانت مادة انتقالية من الدستور (رقم 238) قد أعطت الحكومة مهلة ثلاثة سنوات كي تتوافق مع تلك النسب الدنيا من الإنفاق الحكومي، وانتهت المهلة مع بداية العام المالي 2016-2017، بحسب النص الدستوري.
لكن على مدار السنوات السبع الماضية، رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عدم التزام الحكومة بهذه المواد الدستورية، وقالت إن هذا الوضع غير الدستوري يستمر في موازنة العام المالي المقبل التي قدمتها الحكومة وأقرها البرلمان قبل بضعة أيام.
وكشفت حسابات المبادرة استنادًا لبيانات وزارة المالية عن انخفاض نسبة الإنفاق على التعليم إلى 1.94% (أقل من ثلث الاستحقاق الدستوري) مقابل 1.97% خلال العام الجاري الذي ينتهي آخر يونيو/ حزيران، ومقابل 4.9% في عام 2014-2015.
ولفتت المبادرة في تقريرها إلى أنّ الالتفاف بدأ في عام 2016، "حين أقر البرلمان -الرقيب على الحكومة- الخدعة الحكومية التي تضاف بموجبها على الورق نسبة من مدفوعات فوائد الدين إلى مخصصات كل من التعليم والصحة، بحيث ترفع المخصصات شكليًا إلى النسب الدستورية (وتزيد عنها بسبب زيادة عبء الديون الحكومية). بينما في الواقع لا تدخل تلك الأموال خزانات لا التعليم ولا الصحة. بل على العكس، يمكن القول بأن خدمة الدين تحرم الدولة من الإنفاق على تلك القطاعات الداعمة للعدالة الاجتماعية".
ونبهت المبادرة من أن عدم الالتزام بالدستور يترتب عليه اضطرار المواطنين للإنفاق على تعليم أبنائهم من جيوبهم.
ولفتت إلى أن الأسرة المصرية خصصت في المتوسط 10.4% من دخلها للصحة و12.5% للتعليم (للأسر التي لديها من هم في سلك التعليم) أي ما يقرب من ربع دخول الأسر المصرية، بحسب آخر أرقام للدخل والإنفاق أعلنت في 2019/2020، آي قبل أزمة كورونا وموجات التضخم الأخيرة.
وتابعت المبادرة: "يخفي هذا المتوسط تفاوتًا كبيرًا بحسب دخل كل أسرة، حيث لا تحصل أغلبية الأسر المصرية على التعليم اللائق ولا الخدمات الصحية الجيدة بسبب انخفاض دخولها وعدم استقرارها. وهو ما يستلب من حقوق المواطنين الأساسية والتي ألزمت بها مصر نفسها أمام العالم من خلال استراتيجية مصر 2030، والتي تعكس أهداف التنمية المستدامة. وهو أيضا ما يخصم من جودة رأس المال البشري، أحد عوامل قوة الاقتصاد المصري".
وقدر الرئيس المبلغ المطلوب للتعليم في خطابه الأخير بأنه بين 400 و500 مليار جنيه (الجنيه يساوي 0.032 دولار أميركي)، وهو ما يتوافق مع حسابات المبادرة، للمطلوب دستوريًا للتعليم قبل الجامعي فقط (والتي تقدر بـ472 مليار جنيه)، وهو المبلغ المقابل للحد الأدنى الدستوري 4% من الناتج المحلي للتعليم قبل الجامعي. وحيث إن مجمل الاستحقاق الدستوري بما فيه التعليم العالي هو 6% أي بما يساوي إجمالي 708 مليارات جنيه.
وتخصص الحكومة هذا العام 229.9 مليار جنيه للتعليم بأكمله (جامعي وقبل جامعي)- من المفترض أن يتوجه منها إلى التعليم قبل الجامعي الثلثان أي 138 مليار جنيه (البيانات الرسمية لم تنشر بعد)، أي إن المتبقي يبلغ حوالي 334 مليار جنيه للوصول إلى الرقم المستهدف دستوريًا للتعليم قبل الجامعي فقط، بينما تقدر إجمالي فجوة التعليم بقيمة 478 مليارا.
وتفصيليًا، أكدت المبادرة أن فجوة التعليم قبل الجامعي تقترب من قيمة مخصصات العام 2023-2024 من أجل بناء المباني الخاصة بكل من: مجلس النواب - مجلس الشيوخ - رئاسة الجمهورية - رئاسة مجلس الوزراء - المجالس التخصصية - دواوين عموم المحافظات - الجهاز المركزى للمحاسبات - وزارة المالية ومصالحها - ووزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة (تعادل مخصصات العام الحالي للتعليم).
كما أشارت إلى أن هذا المبلغ يمكن توفير بعضه من خلال إعادة النظر في تفاصيل مخصصات التعليم الحكومي: أي من خلال علاج الهدر وسوء التوزيع.
وأخيراً، أكدت المبادرة أن العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن إعادة هيكلة الدين العام حيث كل 1% نقص في سعر الفائدة يؤدي إلى براح مالي يقدر بـ70 مليار جنيه، بحسب البيان المالي الحكومي للعام 2023-2024.