إنفاق "شعبوي" في ليبيا: سباق بين السلطات لاسترضاء المواطنين قبل الانتخابات

24 أكتوبر 2021
سوق في شارع الرشيد وسط طرابلس (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد ليبيا صراعاً على صرف الأموال بين مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية قبل الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إذ زادت الحكومة في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري رواتب العاملين في التعليم والمتقاعدين بما يصل إلى الضعف، ووعدت برفع رواتب قطاعات أخرى، ليدخل مجلس النواب في سباق معها لجذب قبول المواطنين أيضا بإقراره منحا مالية كبيرة للأسر تبلغ 50 ألف دينار لكل أسرة.

وترفع الزيادات التي أقرتها الحكومة أخيراً بند الأجور في الموازنة العامة للدولة من 23 مليار دينار (5.1 مليارات دولار) إلى 43 ملياراً (9.6 مليارات دولار)، وفق مسؤول بإدارة الميزانية في وزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية، مشيرا في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الرقم مرشح لأن يقفز إلى 73 مليار دينار في حال زيادة رواتب جميع القطاعات الحكومية، إذ يعمل بها 2.3 مليون موظف.

وبخلاف هذه الزيادات، أقرت حكومة الوحدة الوطنية قبل نحو شهرين صرف مليار دينار من خارج الموازنة، كمنحة للمقبلين على الزواج بما يعادل 20 ألف دينار لكل متزوج لعدد 50 ألف شاب وشابة. وفي المقابل قدرت تكلفة المنح التي أقرها مجلس النواب أخيراً للأسر البالغ عددها 133 ألف أسرة بحوالي 6.6 مليارات دينار.

وشهدت الرواتب قفزات كبيرة خلال السنوات الماضية، إذ كانت لا تتعدى 8 مليارات دينار في 2010، وفق البيانات الرسمية. وأطلق ديوان المحاسبة (أعلى جهة رقابية) تحذيرات متكررة من تهاوي احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي، إذ انخفضت بالأساس إلى 38.37 مليار دولار بنهاية 2020، مقارنة بحوالي 44.9 مليار دولار عام 2019، في حين كانت تقدر بنحو 134 مليار دولار عام 2010.

وحذر محللون اقتصاديون من الزيادات العشوائية التي لا تحقق إضافة للاقتصاد، خاصة مع انخفاض سعر العملة الوطنية بنسبة 70% مطلع العام الحالي وعدم قدرة البنك المركزي على طباعة المزيد من النقود، مشيرين إلى أن ما وصفوه بـ "العناد" بين السلطات التشريعية والتنفيدية سيغرق الاقتصاد بالديون.

ويأمل المواطنون في تحسن الأوضاع المعيشية والوضع الاقتصادي، الذي شهد سنوات عجافا بسبب الاضطربات السياسية والصراعات المسلحة خلال السنوات العشر الماضية. لكن الخبير الاقتصادي، أحمد المبروك، يقول لـ"العربي الجديد" إن "السلطات التشريعية التنفيذية تتحايل على الشعب بالزيادات التي تقرها".

وأضاف أن هناك قلقا حقيقيّا حول توفر السيولة المطلوبة لتغطية الإنفاق مستقبلا، وحول قدرة البنك المركزي على ضخ الأموال التي تطلبها الحكومة، خاصة في حال صرف منح مالية لا جدوى اقتصادية لها.

وفي اتصال هاتفي، قال عضو مجلس النواب، عبد السلام نصية، إن "التسابق على إقرار المنح والهبات للدعاية الانتخابية أو الشعبوية، أو للمناكفة السياسية لا تحل القضية الليبية، بل تزيد من تأزيمها".

ووفق الخبير الاقتصادي، وحيد الجبو، في تصريحات لـ"العربي الجديد" فإن ليبيا تعاني من زيادة المعروض النقدي، فالحكومة تصرف منحا للزواج وتزيد الرواتب وغيرها من المصروفات الاستهلاكية مما يؤثر سلبا على الاقتصاد.

وأضاف الجبو، أنّ ليبيا بحاجة إلى رفع القوة الشرائية للدينار الليبي عبر تعديل سعر الصرف، وتوحيد جدول الرواتب من أجل تقليص الفجوة بين الحدين الأعلى والأدنى للأجور من أجل سلامة المالية العامة وإنقاد العملة من الانهيار.

ورأى وكيل وزارة الاقتصاد الأسبق على المحجوب، أن سعر الصرف الجديد المحدد بـ4.48 دنانير للدولار الواحد، مهدد بسبب زيادة الرواتب وما تلاها من منح الزواج وكذلك المنح المخصصة للأسر، فزيادة الإنفاق الحكومي تضغط على سعر الصرف الحالي لمزيد من تخفيض قيمة الدينار. وأضاف المحجوب: "ليبيا ستواجه أزمة مالية حقيقية في المستقبل، إذا لم تتخلص من فوضى هدر الأموال الطائلة في شكل رواتب وهمية وتسويات احتيالية".

لكن من شأن أي خفض في الإنفاق ألا يلقى قبولا لدى الليبيين في ظل السباق الحالي بين حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب على جذب المواطنين. وفي السياق قال عضو اللجنة الاقتصادية في المجلس محمد الرعيض: "اعتماد مجلس النواب مؤخراً قانونا بمنح 50 ألف دينار لكل أسرة هو بمثابة معاندة موجهة ضد الحكومة من دون مراعاة الوضع الاقتصادي للبلاد".

وشكل الإنفاق الاستهلاكي خلال السنوات العشر الماضية 99% من ميزانيّة البلاد، بينما بلغ الإنفاق على التنمية والاستثمار 1% فقط، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على الخدمات المقدمة للمواطنين وتوفير الاحتياجات الأساسية.

ووفق تقارير صادرة عن ديوان المحاسبة، فإنّ موازنات ليبيا أنفقت 389.6 مليار دينار (277.5 مليار دولار) بما فيها الحكومة الموازية في شرق البلاد خلال السنوات التسع الماضية، مقابل إيرادات نفطية بقيمة 298 مليار دينار.

المساهمون