إلى متى يتحمل اقتصاد إسرائيل تكاليف استمرار الحرب؟

07 مارس 2024
الحرب تدفع الإسرائيليين لتقليص إنفاقهم الاستهلاكي (فرانس برس)
+ الخط -

تضرب فاتورة الحرب الباهظة على قطاع غزة، دولة الرفاهية التي طالما تغنى بها قادة الاحتلال الإسرائيلي على مدار عقود ماضية، إذ بات الإسرائيليون على موعد مع سنوات مقبلة ليست بالقليلة، عنوانها المزيد من الضرائب وتقليص النفقات الاجتماعية وسداد أعباء الديون التي جري الحصول عليها لتمويل آلة الحرب.

يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الحصول على موافقة الكنيست النهائية خلال الأسابيع القليلة المقبلة على ميزانية عام 2024 المعدلة من جانب حكومته التي تتضمن إنفاقاً إضافياً كبيراً للجيش بسبب الحرب على غزة. إذ رفعت حكومة الاحتلال قيمة الموازنة إلى 582 مليار شيكل (حوالي 161.6 مليار دولار وفق سعر صرف أمس الأربعاء)، بزيادة 70 مليار شيكل عن الميزانية الأصلية.

وبجانب تخصيص عشرات مليارات الشواكل الإضافية للجيش، من المقرر أن يتم خفض الإنفاق على بنود الرعاية الاجتماعية، الذي كان سخياً لفترة طويلة في إسرائيل، ما يهدد العقد الاجتماعي غير المكتوب، الذي وعد منذ أكثر من سبعين عاماً بدولة رفاهية سخية وجيش مخيف، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية.

وعلى الرغم من المناقشات المستمرة حول وقف إطلاق النار، كان نتنياهو واضحاً في أن أي توقف سيكون مؤقتاً. وحتى إذا انتهى الأمر بتمديد وقف إطلاق النار أو ترك منصبه، فهناك دعم سياسي واسع النطاق لجيش أقوى، ما يتطلب استمرار الإنفاق على ميزانيات الدفاع، حيث أثبتت الحرب على غزة أنها أكثر تكلفة مما كان متوقعاً.

بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2023، انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 20% على أساس سنوي، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، أي أكثر من ضعف الانكماش الذي توقعه بنك إسرائيل المركزي.

وفي الفترة نفسها، كان أكثر من 750 ألف شخص، أو سدس القوة العاملة، عاطلين من العمل، وكثير منهم من جنود الاحتياط أو الذين تم إجلاؤهم من المستوطنات والمناطق القريبة من قطاع غزة الواقعة في مرمى المقاومة الفلسطينية جنوباً أو المناطق الشمالية مع الحدود اللبنانية التي تشهد اشتباكات مع حزب الله.

وفي فبراير/شباط الماضي، خفضت وكالة "موديز" العالمية التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الأولى على الإطلاق. كل هذا يثير التساؤل: هل تستطيع إسرائيل تحمل تكاليف استمرار الحرب لفترة أطول؟

إسرائيل بحاجة إلى سنوات للتعافي

على مدار 153 يوماً دخلت العديد من القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية في طريق مسدود وتزايدت معدلات الاقتراض وارتفعت نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي المحلي، والخروج من هذه التداعيات سيستغرق سنوات، ما يجعل الإسرائيليين أكثر عرضة للضغوط المعيشية.

عشية عملية "طوفان الأقصى"، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل 60%، وهو أقل بكثير من المتوسط في مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم في معظمها الدول الغنية.

لكن في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول 2023، أنفق جيش الاحتلال 30 مليار شيكل (8 مليارات دولار) فوق إنفاقه المعتاد، وهو مبلغ يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولا يقتصر الأمر على مجرد ميزانية أكبر للجيش، إذ تقوم الحكومة أيضاً بإنفاق مبالغ كبيرة على أماكن إقامة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، ودعم جنود الاحتياط، وفق مجلة "إيكونوميست" البريطانية.

وحتى الذين تم إجلاؤهم لن يستمر دعمهم طويلاً، إذ يطاول خفض مخصصات الوزارات الحكومية المختلفة باستثناء الدفاع، وفق موازنة 2024 التي تنتظر موافقة الكنيست النهائية، وزارة الرعاية الاجتماعية، المسؤولة أيضاً عن رعاية الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، حيث سيتم تقليص الأموال المخصصة لها بنسبة 8%.

بينما تعرضت الوزارة بالفعل لانتقادات بسبب دعمها الضعيف لـ 135 ألف إسرائيلي تم إجلاؤهم من المناطق الجنوبية مع قطاع غزة والشمالية عند الحدود مع لبنان، حيث لم تفعل شيئًا سوى دفع فواتير الفنادق الخاصة بهم، والآن يقال إن المسؤولين يضغطون على العائلات للعودة إلى مناطقهم، بحسب تقرير المجلة البريطانية.

وتستهدف ميزانية نتنياهو عجزاً مالياً سنوياً يبلغ 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيؤدي إلى زيادة نسبة الدين إلى حوالي 75% من الناتج الإجمالي. وبالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة الأميركية أو اليابان فإن زيادة معدلات الاقتراض وارتفاع الدين ليست مشكلة كبيرة.

ولكن في إسرائيل، فإن الأمر مختلف فهناك دائما خطر قاب قوسين أو أدنى في ظل الموارد التي تعتمد كثيرا على الضرائب والتصدير من قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا التي باتت مهددة بسبب استمرار الحرب واحتمال اتساع نطاقها، ما يهدد ما يصل إلى ربع ضريبة الدخل في الكيان المحتل.

وتسود توقعات بتصاعد تكاليف الاقتراض وزيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي. والمرة الأخيرة التي دخلت فيها إسرائيل معركة بهذا الحجم، خلال حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، تجاوزت نسبة ديونها 100%، مما أدى إلى أزمة مالية. ومع قيام البنك المركزي بطباعة النقود بعدها، ارتفع التضخم إلى 450% بحلول عام 1985 وانهار القطاع المصرفي.

وفي الوقت الحالي فإن الحرص على بقاء المقرضين، سيحتاج إلى مساحات من المناورة من قبل صناع السياسات النقدية في إسرائيل وهو ما يترجم في رفع أسعار الفائدة، وبالتالي ارتفاع أعباء الديون ومزيد من الصعوبات المالية مستقبلاً. ونظراً لرغبة إسرائيل في رفع الإنفاق العسكري، فإن الإنفاق العسكري لن يتراجع إلى مستويات ما قبل الحرب في أي وقت قريب.

ووفق صحيفة معاريف الإسرائيلية، أمس، أصدرت الحكومة سندات دولارية (أدوات دين) بقيمة 8 مليارات دولار، موضحة أنها جاءت على ثلاث شرائح لأجل 5 سنوات و10 سنوات و30 سنة.

وأدارت صفقة الاقتراض مصارف" بنك أوف أميركا" و"ميريل لينش" و"بي إن بي باريبا" و"دويتشه بنك" و"غولدمان ساكس غروب إنك".

وهذه هي أول صفقة من نوعها منذ اندلاع الحرب على غزة، وأكبر عملية بيع لسندات دولارية في تاريخ إسرائيل، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.

وقال أوداي باتنايك، رئيس وحدة الدخل الثابت بالأسواق الناشئة في شركة "ليغل أند جنرال إنفستمنت إم جي إم تي": "تحتاج إسرائيل لتمويل كبير العام الحالي نظراً للحرب.. لن أفاجأ إذا احتاجوا إلى إصدار المزيد من السندات".

معدلات اقتراض قياسية

ووفق بلومبيرغ من المنتظر أن تبيع إسرائيل أحجاماً شبه قياسية من السندات السنة الجارية تشمل خليطاً من الأوراق المالية المحلية والعالمية.

وكان يالي روتنبرغ، المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، قد قال في تصريحات لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 26 فبراير/ شباط الماضي، إن الحكومة تخطط لجمع نحو 250 مليار شيكل (69.4 مليار دولار وفق سعر الصرف أمس) من الديون هذا العام، وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب، وسط تضاعف الإنفاق الدفاعي تقريباً بسبب استمرار الحرب على غزة.

ويأتي اللجوء المتزايد إلى الاقتراض في وقت تعاني المالية العامة من انخفاض عائدات الضرائب، حيث بلغت عائدات الضرائب بالأساس في عام 2022 ما يعادل 33% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 34%.

لذا تخطط حكومة نتنياهو لزيادة مواردها عبر المزيد من الضرائب، إذ سترفع ضريبة القيمة المضافة بمقدار نقطة مئوية واحدة لتصل إلى 18% بدلاً من 17%، كما ان هناك مقترح لزيادة الضريبة على أرباح البنوك إلى 26% بدلاً من 17%.

ولا يوجد مفر من زيادة الضرائب، على الرغم من أن صناع السياسات يشعرون بالقلق من ذلك خاصة بالنسبة لتداعيات ذلك على إنفاق الأسر ما من شأنه أن يؤدي إلى ركود في الاستهلاك وجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين يعانون بالفعل بسبب الحرب.

وبينما يحاول مسؤولو شركات التكنولوجيا التقليل من تداعيات الحرب على أنشطتهم على الرغم من أن البيانات الرسمية تظهر مدى الأضرار التي لحقت بصادرات القطاع والاستثمار فيه، فإن الكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى تعاني من ورطة حقيقية.

فقد دخل قطاع البناء في طريق مسدود تقريباً، وفقدت المزارع أكثر من نصف قوتها العاملة، والشركات العاملة في مجال السياحة تعاني. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، هوى عدد السياح الذين زاروا القدس المحتلة بنسبة 77% مقارنة بالعام الماضي.

وقد يكون التعافي بطيئاً، خاصة وأن الحرب أدت إلى تفاقم مشاكل طويلة الأمد، لا سيما اعتماد الاقتصاد على العمال الفلسطينيين ذوي الأجور المنخفضة. فالعمال الفلسطينيون البالغ عددهم 210 آلاف عامل، أي ما يعادل 5% من القوى العاملة في إسرائيل ألغيت تصاريحهم بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وترفض السلطات الإسرائيلية السماح لهم بالعمل في الداخل المحتل.

وتفتقر المزارع والمصانع ومواقع البناء إلى العمال. ومع ذلك فإن العديد من الصناعيين على رأيين مزدوجين. ويقول أحدهم: "نحن بحاجة إلى الفلسطينيين، ولكن لا يمكننا أن نعتمد عليهم"، وفق تقرير إيكونوميست، الذي أشار إلى أن هذه المشكلة تأتي بينما سوق العمل في إسرائيل ضيق للغاية بالفعل، واستقدام العمال الأجانب أمر بطيء ومكلف، كما أن القوى العاملة في البلاد أقل من نصف حجم إجمالي سكانها.

المساهمون