تتزايد التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري بمرور الوقت في ظل توقعات متشائمة أطلقتها مؤسسات مالية دولية منها صندوق النقد الدولي والأونكتاد ومؤسسات تصنيف عالمية كبرى بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية على الاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر من جهة، وارتفاع الديون من جهة أخرى.
مخاطر محتملة
أكدت وكالة " ستاندرد آند بورز" العالمية تصنيف مصر عند "B/B" مع نظرة مستقبلية مستقرة. وهو ما يعني أن هناك احتمالا لسداد مصر للديون، لكن مع وجود مخاطرة.
وقبلها بأيام توقعت الوكالة أن تتخطى مصر تركيا كأكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، بمبيعات للسندات بقيمة 73 مليار دولار خلال العام الجاري 2022.
ولم تحدد المؤسسة العالمية قيمة السندات العالمية التي ستطرحها مصر على المستثمرين الدوليين خلال العام الجاري، وقيمة السندات المحلية
ووفق الوكالة فإن مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بدول مماثلة، أو إذا ما قورنت بالاقتصادات الناشئة.
وتوقعت الوكالة أن يصل إجمالي الديون السيادية لمصر مع نهاية العام الحالي، 2022، إلى 391.8 مليار دولار، بعدما كان 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017.
أما وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني، فقد أكدت الأسبوع الماضي، تصنيف مصر عند "B+" مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو تقريبا نفس تصنيف "ستاندرد آند بورز" .
وأشارت فيتش إلى أن تصنيف مصر مدعوم بسجلها الأخير في الإصلاحات المالية والاقتصادية واقتصادها الكبير ونموه القوي، واحتمالات نجاح مباحثاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
لكن الوكالة أكدت أن التصنيف لا يزال مقيدا بمقاييس السيولة الخارجية الضعيفة وسط اعتماد كبير على استثمارات غير المقيمين في سوق السندات المحلية.
وأشارت إلى أن زيادة أسعار الغذاء العالمية والاضطرابات في واردات القمح من روسيا وأوكرانيا ستضغط على الميزان التجاري في مصر.
تحذير من تدهور مالي
جاء التحذير الاهم لمصر من مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الأسبوع الماضي، والتي أكدت أن اقتصاد مصر في تدهور، واعتبرت أن مصر بحاجة إلى الاستقرار مالياً ومواصلة الإصلاحات مع البرنامج التابع لصندوق النقد الذي يحمي الفئات الضعيفة.
وتجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج دعم يمكن أن يندرج تحت "خط احترازي" وقد يصل إلى 3.5 مليارات دولار.
وقال مستشار مالي ومدير إدارة أسواق النقد ورأس المال في صندوق النقد، توبياس أدريان، إن "ارتفاع احتياجات التمويل الخارجي، وارتفاع التضخم، ومحدودية الحيز المالي تشكل عوامل لها تأثير على مصر، على الرغم من أن البلاد اتخذت إجراءات لتثبيت حساباتها الخارجية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك خفض قيمة الجنيه المصري ورفع 100 نقطة أساس للفائدة، ولكن لا تزال هناك مخاوف كبيرة تحتاج بالتأكيد إلى إدارتها".
بينما أكد رانجيت سينغ مساعد مدير إدارة أسواق النقد ورأس المال في الصندوق، أن ما يفاقم التحديات هو تلك الضغوط التضخمية التي تواجه الأسواق الناشئة، مشيرا إلى أن الاقتصاد المصري معرض بشكل خاص لهذا النوع من الضغوط، ومرة أخرى لديها انكشاف كبير للغاية من حيث واردات القمح.
جوع ونقص الطاقة
أما وكالة بلومبيرغ، فقد حذرت في تقرير منشور لها الجمعة الماضية، تحت عنوان: "الجوع والعتمة مجرد بداية لأزمات الأقتصادات الناشئة"، من تعرض الأسواق الناشئة ومنها مصر، إلى وابل من الصدمات تنذر بسلسلة من الأزمات المتتالية. حيث إن الاضطرابات الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة تجتاح بالفعل دولًا من بينها مصر.
وأضافت الوكالة أن "الأزمة الراهنة تزيد مخاطر التحول إلى كارثة ديون أوسع، وتهدد التعافي الهش للاقتصاد العالمي من الوباء".
ووضعت الوكالة مصر كإحدى الدول الرئيسية المعرضة "للتداعيات الاقتصادية والمالية" من حرب أوكرانيا، كما ان تداعيات كورونا مازالت تلقي بظلالها على اقتصاد مصر حيث إن تكلفة خدمة تلك الديون آخذة في الارتفاع.
أما "ستاندارد بنك غروب" أكبر بنوك أفريقيا من ناحية قيمة الأصول، فيضع مصر ضمن أكثر البلدان تأثرا بالأزمة الأوكرانية، التي ستفاقم تعرض مصر لمخاطر بيع الأجانب لسنداتها.
وقد ارتفعت علاوة المخاطرة على الديون المصرية إلى رقم قياسي مسجلة 1040 نقطة أساس في مارس/ آذار الماضي، وفق مؤشر "جيه بي مورغان تشيس" الأميركي.
خطر متزايد
من جانبها، أكدت منظمة التجارة والتنمية (أونكتاد)، أنّ "الخطر على مصر سيزداد، مع استمرار حالة الحرب في اوكرانيا وتداعياتها، باعتبارها تعتمد على استيراد الغذاء والوقود، بما يزيد من العجز التجاري، وخفض قيمة العملة، ويجعل خدمة الديون غير مستدامة، ومع دوامة الهبوط سيحدث الإعسار والركود وشعور بالضيق الاجتماعي بما قد ينشر الإضرابات".
وتوقع بعض المحللين أن يرتفع التضخم بنسبة أكبر في الأشهر المقبلة، بعد ان بلغ في مارس/آذار نحو 12.1%.
وقالت رضوى السويفي من شركة فاروس لتداول الأوراق المالية في تصريحات سابقة، إن "الارتفاع في اتجاهات التضخم متوقع على نطاق واسع وسيبلغ ذروته بحلول أغسطس/آب 2022 وبعد ذلك سيبدأ في الاستقرار".
كما توقعت سارة سعادة من "سي.آي كابيتال" أن يبلغ التضخم الشهري ذروته في إبريل/نيسان ليسجل تضخما سنويا بين 12.5-13 بالمائة، وهو ما يعكس ارتفاع أسعار المنتجات البترولية".
يأتي ذلك كله في الوقت الذي ارتفع فيه الدين الخارجي إلى مستوى قياسي بنحو 145.529 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، مقابل 137.42 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول من العام نفسه، بزيادة تقدر بنحو 8.109 مليارات دولار خلال 3 أشهر فقط، وبنسبة زيادة بلغت 5.9%.
كما تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بشكل حاد في مارس/آذار الماضي ليصل إلى 37.082 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار الماضي، مقابل 40.99 مليار دولار بنهاية فبراير/ شباط السابق له.
(الدولار=18.6 جنيها تقريبا)