أجّل القرار الجزائري بالغلق النهائي للمعابر البرية مع تونس آمال آلاف التونسيين الذين يترقبون عودة الحياة إلى طبيعتها بين تونس وجارتها الغربية، بعد نحو 11 شهرا من غلق الحدود والاكتفاء بعبور الحالات الإنسانية وبعض السلع.
وكان آلاف من التونسيين ممن يعملون في التجارة البينية بفرعيها الرسمي وغير الرسمي ينتظرون انفراجة قريبة بعودة الحياة بين البلدين إلى نسقها العادي مع تقدم حملات التلقيح ضد فيروس كورونا في الجزائر، غير أن قرارا مفاجئا اتخذ، الإثنين الماضي، من الجانب الجزائري بالغلق النهائي للمعابر الحدودية أجّل الآمال المعلّقة على المعابر إلى أجل غير مسمى.
ويلقى تواصل غلق المعابر الحدودية بين تونس والجزائر بظلاله على مناطق الغرب التونسي الذي يتكسّب جزء من سكانها من عائدات تجارة البنزين والمواد الغذائية المهربة التي كانت تمرّ عبر البوابات الجمركية ما قبل مارس/آذار 2020، قبل أن تتخذ من المسالك الجبلية ممرا لها بعد الغلق الرسمي للحدود بين البلدين.
استبعاد فتح الحدود مجددا في المدة القادمة، وتشديد إجراءات العبور على الأشخاص والسلع، جاء صادما لقطاعات واسعة ممن يعملون في التجارة البينية، حسب مراد العرفاوي (46 عاما) الذي كان يعبر بمعدل 4 أيام أسبوعيا بعربته من البوابة الحدودية بملولة (شمال غرب تونس) نحو مدن عنابة والقالة وسوق هراس، من أجل جلب كميات من البنزين في خزان السيارة ومواد غذائية وتنظيف.
يؤكد العرفاوي لـ"العربي الجديد" أن نشاطه التجاري كان يوفر له ما يكفيه من الدخل لإعالة أسرة تتكون من 5 أفراد، غير أن تواصل غلق المعابر عكّر وضعه الاجتماعي، بسبب فقدان الدخل واضطراره للعمل في حظيرة بناء بمعدل يومي عمل في الأسبوع.
وأفاد بأن آلافا من التونسيين ممن يعملون في التجارة غير النظامية بالمناطق الحدودية يتابعون ساعة بساعة أخبار المعابر، وكانوا يعلّقون أمالا كبيرة على إعادة فتح الحدود، معتبرا أن تأجيل هذا القرار إلى أجل غير معلوم أمر محبط.
وأكد العرفاوي استمرار التجارة الموازية عبر المسالك الجبلية الوعرة، حيث يجازف تجار من البلدين في العبور نحو المناطق الحدودية القريبة، إذ يتولّى مختصون تهريب السلع للتجار التونسيين باتفاق مسبق بين الطرفين، غير أن هذا النشاط محفوف بكثير من المخاطر، وفق قوله.
ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد الهدار، لـ"العربي الجديد"، أن التجارة الموازية من أكثر المهن تأقلما مع الظروف الاقتصادية والصحية والأمنية، مشيرا إلى أن الناشطين في هذه التجارة عندهم القدرة على تجاوز كل العوائق، بما فيها غلق المعابر.
وأضاف الهدار: "هم محكومون بتدبير لقمة العيش، لذلك يبتكرون الحلول حتى لا تتوقف عجلة الكسب لديهم".
تربط تونس والجزائر علاقات وثيقة ومبادلات تجارية كبيرة، بفضل اتفاقيات التجارة الثنائية الموقعة في عام 2008.
وتونس تأثرت كثيرا بقرار غلق المعابر، وانعكس ذلك على المناطق الحدودية التي تعيش من التجارة، ولكن أيضًا قطاع السياحة تأثر، إذ كانت النزل التونسية تستقبل سنويا ما يزيد عن مليوني جزائري.
وبالرغم من توقيع أكثر من 115 اتفاقية بين تونس وجارتها الغربية الجزائر، لا يزال تطوير مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين ليس على المستوى المأمول.
حجم المبادلات التجارية الجزائرية التونسية 1.7 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية لتونس، أغلبها من المحروقات ومشتقاتها، و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر عبارة عن تجهيزات الكهرباء ومواد ميكانيكية، وفقاً لأرقام كشفت عنها السفارة التونسية بالجزائر في يوليو/تموز الماضي.
وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" إن السلطات الجزائرية كانت ترتّب لإعادة فتح حدودها مع تونس يوم 7 مارس/آذار القادم، في إطار استعدادات اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، غير أن إعلان تونس عن رصد حالات لمصابين بالسلالة المتحورة لفيروس كورونا، غيّر مسار القرارات الرسمية الجزائرية التي اختارت التريث وإغلاق حدودها مع كل الدول التي يمكن أن تمثل مصدر خطر صحي للبلاد.
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الهدار، لـ"العربي الجديد"، أن التجارة الموازية من أكثر المهن تأقلما مع الظروف الاقتصادية والصحية والأمنية
وأضاف ذات المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن التنسيق الرسمي بين البلدين جار من أجل إنجاح مرحلة ما بعد كورونا، وتدارك الخسائر الكبيرة التي خلفتها الجائحة على البلدين.
ويجمع خبراء اقتصاد ورجال أعمال تونسيون، على أن السوق الجزائرية يمكن أن تحمل الكثير للاقتصاد التونسي، إذا ما تم تفعيل الاتفاقيات المبرمة والقضاء على التهريب، عبر إحداث منطقة تبادل حر على الحدود.