جعلت سياسة حافة الهاوية الحزبية في الكونغرس الأميركي عملية إغلاق الحكومة تبدو جزءاً روتينياً من الحكم في العقد الماضي، لكن المواجهة الحالية في واشنطن بشأن رفع سقف الدين الفيدرالي البالغ 31.4 تريليون دولار أمر أكثر خطورة.
الصينُ تدخلُ على الخطّ
واستغلّتِ الصينُ، أكبر مشترٍ للسندات الأميركية في العالم، السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة في أزمة سقف الدين الأميركي، للرد على انتقادات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين فيما يخص معالجة بكين لقضايا الديون في البلدان النامية.
وجاء الرد من السفارة الصينية في لوساكا، زامبيا، يوم الإثنين، التي انتقدت الولايات المتحدة بشأن "مشكلة الديون الكارثية" واتهمتها بـ "تخريب" جهود الدول الأخرى لحل مشاكل الديون.
وفي إشارة إلى أن وزارة الخزانة قد بدأت في اتخاذ إجراءات استثنائية للوفاء بالتزاماتها بعد أن وصلت الحكومة الأميركية إلى حد الاقتراض، قالت السفارة: "إن أكبر مساهمة يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة لقضايا الديون الخارجية هي العمل على اتباع سياسات نقدية مسؤولة، ومواجهة أزمة ديونها الخاصة، والتوقف عن تخريب الجهود النشطة للدول ذات السيادة الأخرى لحل مشاكل ديونها".
ما المقصودُ بإغلاق الحكومة
من المفترض أن يمرر الكونغرس تشريع إنفاق مفصل لكل سنة مالية، تبدأ في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أو تشريعاً يسمح بإضافات مؤقتة لإبقاء الحكومة تعمل.
إذا لم يتم تمرير هذه الفواتير، فإن وزارات مثل وزارة الدفاع ودائرة الإيرادات الداخلية لا تحصل على الأموال التي تحتاجها للعمل، ويتعين عليها وقتها إغلاق أو تقليص عملها.
وحدث ذلك ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية، حيث أدت معركة الإنفاق على الرعاية الصحية إلى إغلاق لمدة 16 يومًا في أكتوبر/تشرين الأول 2013 ، بينما أدت الخلافات حول الهجرة إلى إغلاق لمدة ثلاثة أيام في يناير/كانون الثاني 2018 وإغلاق لمدة 35 يومًا بين ديسمبر/كانون الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019.
ووفقًا لمكتب الموازنة التابع للكونغرس الأميركي، أدى إغلاق 2018-2019 إلى خفض النشاط الاقتصادي بنحو 11 مليار دولار، ولكن تم استرداد الكثير من هذا النمو المفقود عندما استؤنف النشاط الحكومي.
وبشكل عام، كلف الإغلاق الاقتصاد حوالي 3 مليارات دولار ، أي ما يعادل 0.02% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات مكتب الموازنة.
ما هو سقف الدين
للكونغرس وظيفة مالية مهمة أخرى، وهي ضمان قدرة الحكومة على سداد فواتيرها، بما في ذلك الإنفاق الذي وافق عليه المشرعون بالفعل.
وعلى عكس أغلب البلدان، تضع الولايات المتحدة حدًا صارمًا لمقدار الأموال التي يمكنها اقتراضها. ونتيجة لذلك، يجب على الكونغرس أن يرفع هذا الحد بشكل دوري لأن الحكومة تنفق عادةً أموالاً أكثر مما تجمعها كل عام، مما يضيف إلى الدين العام.
هذه ليست مهمة سهلة للمشرعين الذين لا يرغبون في الموافقة على المزيد من الاقتراض، ولكنهم أيضًا لا يريدون التسبب في التخلف عن السداد. أحيانًا يرفع الكونغرس سقف الديون ببساطة، كما فعل في أغسطس/آب 2019، أثناء إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وفي بعض الأحيان يستغل الفرصة للدخول في نقاش صاخب حول السياسة المالية قبل رفع السقف في آخر لحظة ممكنة، كما حدث في عام 2011، أثناء إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.
وقد يشهد هذا العام تكرارًا لعام 2011، حيث يقول الجمهوريون، الذين يسيطرون على مجلس النواب، إنهم لن يرفعوا سقف الدين ما لم يوافق الرئيس الديمقراطي جو بايدن على الحد من الإنفاق.
وقال البيت الأبيض إنه يجب رفع حد الاقتراض دون شروط، حيث يعتبر الديمقراطيون أن الجمهوريين "يأخذون الاقتصاد الأميركي رهينة"، وهناك مبدأ أميركي هام، هو عدم التفاوض مع من يأخذون الرهائن.
ماذا يحدث إنْ لم يُرفع سقف الدين
قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في 19 يناير/كانون الثاني إن الولايات المتحدة وصلت إلى الحد الأقصى الحالي للاقتراض بقيمة 31.4 تريليون دولار، لكنها يمكن أن تستمر في دفع فواتيرها حتى يونيو/حزيران، باللجوء إلى استخدام بعض "التدابير الاستثنائية"، التي تسمح ببعض التغييرات في النظم المحاسبية، مما لا يتأثر به المواطن الأميركي.
لكن بعد استنفاد هذه التدابير، لن يكون لوزارة الخزانة ما يكفي من الأموال من الضرائب المحصلة لتغطية مدفوعات السندات ورواتب العمال وشيكات الضمان الاجتماعي وغيرها من الفواتير.
كيف يؤثر ذلك على الاقتصاد
على عكس إغلاق الحكومة، يقول الخبراء إنه قد يكون كارثيًا إذا كانت الحكومة الأميركية غير قادرة على دفع فواتيرها.
واقترح بعض الجمهوريين قيام وزارة الخزانة بتغطية بعض الالتزامات، مثل رواتب موظفي وزارة الدفاع، ومدفوعات الديون، على أن تؤجل بعض النفقات الأخرى. لكن يلين قالت إن هذا غير ممكن.
ويرسل تخلف الولايات المتحدة عن سداد مدفوعات الدين، للمرة الأولى في تاريخها، موجة صدمة للأسواق المالية العالمية، حيث سيفقد المستثمرون الثقة في قدرة وزارة الخزانة الأميركية، على سداد سنداتها، وهي التي يُنظر إليها على أنها أكثر المقترضين أمانًا في الديون الدولارية في العالم، وأنها تمثل حجر الأساس للنظام المالي العالمي.
وواجهت وزارة الخزانة بعض الصعوبات في سداد مدفوعات الدين في الوقت المناسب لبعض المستثمرين الصغار في عام 1979 بسبب مشاكل في أجهزة الحاسب الآلي، لكن المحللين يقولون إن ذلك لم يكن له تأثير واسع على الأسواق المالية، حيث لم يعده الكثيرون تخلفاً حقيقياً عن السداد.
وأدت معركة الميزانية في عام 2011، التي اقتربت بواشنطن من شفا التخلف عن السداد، إلى بيع الأسهم وتخفيض التصنيف الائتماني الأعلى للولايات المتحدة في واقعة لم تتكرر. وتراجعت أيضاً المؤشرات الاقتصادية الأخرى، مثل ثقة المستهلك وتفاؤل الشركات الصغيرة، خلال تلك الفترة.
وقد يواجه الاقتصاد الأميركي انكماشًا حادًا هذه المرة إذا لم يحصل 69 مليون شخص مسجلين في الضمان الاجتماعي على استحقاقات التقاعد والعجز الشهرية، أو إذا تأخر حصول الأطباء والعاملين في القطاع الصحي على رواتبهم، حال عدم توفر برامج الرعاية الصحية.
وتقول وكالة "رويترز" إن بوادر القلق قد بدأت بالفعل في الظهور في الأسواق المالية، وهو ما ظهر في طلب المستثمرين عوائد أعلى على بعض سندات الخزانة الأميركية.
(رويترز، العربي الجديد)