إصلاح سوق المال البريطاني لتعزيز منافسته للبورصات الكبرى

29 يناير 2021
لندن تواجه تحديات "بريكست" عبر إصلاح البورصة (Getty)
+ الخط -

تتجه البورصة البريطانية نحو إجراء إصلاحات واسعة لكسب اكتتابات شركات الديجتال والتقنية للمحافظة على تنافسيتها مع البورصات العالمية الكبرى بعد خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي تصريحات نقلتها أمس الخميس، صحيفة "فاينانشيال تايمز"،دعا رئيس مجموعة بورصة لندن ديفيد شويمر الحكومة البريطانية إلى إجراء إصلاحات سريعة في قوانين التسجيل والاكتتاب حتى تتمكن البورصة من كسب موجة الاكتتابات الجديدة التي تنعش بورصات هونغ كونغ و"وول ستريت" وشنغهاي.

وتستفيد البورصات الآسيوية والأميركية منذ بداية العام الماضي من انتعاش اكتتابات الشركات الرقمية وشركات التقنية التي باتت تتحول بسرعة من شركات خاصة إلى شركات عامة.

وقال شويمر، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية: "أعتقد أن من المهم إجراء إصلاحات جذرية في قوانين الاكتتاب والتسجيل بالبورصة". وتستهدف بورصة لندن التوسع في أعقاب خسائرها لبعض الأسهم الأوروبية المهمة التي هاجرت إلى بورصات أوروبا بسبب الترتيبات التجارية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخيرة، التي لم تشمل الخدمات المالية. وكانت شركات الوساطة والتسويات والمصارف البريطانية تحظى بـ"جواز مرور تجاري" يتيح لها تسوية الصفقات الأوروبية وتنفيذ تجارة الخدمات المالية، ولكنها فقدت هذا الجواز التلقائي بعد الانفصال.

وتتجه البورصة البريطانية لتعويض ما خسرته من الأسهم الأوروبية عبر فتح الباب للاكتتابات الجديدة وتعزيز مركز البيانات المالية. وتتفاوض البورصة البريطانية حالياً لشراء شركة "ريفينيتف" المتخصصة في البيانات المالية في صفقة قيمتها 27 مليار دولار ربما يعلن عنها اليوم الجمعة.

ومن بين القوانين التي ستجري مناقشتها وطرحها للإصلاح قانون السهم الذهبي. وقانون السهم الذهبي من القوانين التي أدخلت على البورصة في الثمانينيات حينما شرعت حكومة مارغريت تاتشر وقتها في تخصيص الشركات البريطانية عبر بيع حصص منها للمستثمرين الأجانب ضمن خطوة كسر شوكة النقابات العمالية وكسب استثمارات أجنبية.

وكانت الحكومة البريطانية تتخوف وقتها من سيطرة الأجانب على شركاتها الاستراتيجية، وبالتالي استحدثت هذا القانون الذي يمنحها القوة التصويتية في مجالس الإدارة لمنع المشترين الأجانب من الهيمنة  عبر حيازة الأسهم على القرارات الإدارية بالشركات.

وهو قانون يمنح مؤسس الشركة أو الحكومة حق رفض صفقات شراء الشركات التي تتم بواسطة صفقات "الحيازة الهجومية"، أي تلك غير المرغوب بها. ويتفاوض رئيس بورصة لندن حالياً حول هذه الإصلاحات مع وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، وقيادات حي المال البريطاني.

ورغم الانقسام بشأنها بين المسؤولين الماليين، إلا أنه من المتوقع إجازتها في القريب العاجل بسبب أهميتها لنمو وانتعاش أعمال البورصة البريطانية في فترة ما بعد بريكست.

ورغم الصعوبات التي تواجهها البورصة، قال محللون إن بورصة لندن تتجه نحو الانتعاش خلال العام الجاري، وربما تتمكن من كسب العديد من الاكتتابات الجديدة.

ولا يستبعد محللون أن تتجه شركات آسيوية للبورصة البريطانية في حال استمرار التوتر التجاري والمالي بين الولايات المتحدة والصين وتواصل حظر الشركات الصينية من التسجيل في بورصة نيويورك في عهد الرئيس جو بايدن.

وحتى الآن أعربت العديد من الشركات العالمية عن رغبتها في الاكتتاب في بورصة لندن، من بين هذه الشركات التي وضعت خططاً للاكتتاب في البورصة البريطانية "دكتور مارتنز" لصناعة الأحدذية، وشركة "ديليفرو" لتوصيل الوجبات السريعة، وشركة "مون بيغ".

ويرى الخبير المالي البريطاني بشركة "إيرنست آند يونغ" لتدقيق الحسابات في لندن سكوت ماك كابين، أن العام الجاري سيكون من الأعوام القوية للاكتتاب ببورصة لندن. وتستفيد سوق المال البريطانية من اتفاقات الشراكة التجارية التي وقعتها الحكومة البريطانية مع نحو 70 دولة ضمن استراتيجية بناء الفضاء التجاري المستقل لبريطانيا، حسب بيانات وزارة التجارة الخارجية.

وتتجه الحكومة البريطانية لإكمال الفضاء التجاري عبر توقيع اتفاقية شراكة تجارية مع الولايات المتحدة ربما تكتمل عناصرها في بداية العام المقبل، كما تتفاوض مع الحكومة الهندية على اتفاقية تجارية واسعة. ومن المتوقع أن تستغل الشركات الهندية فرصة إصلاح قوانين البورصة البريطانية وتسهيلها للتسجيل واتخاذها منصة لتوسيع حجم تداولاتها من قبل المستثمرين الأجانب.

ويذكر أن بورصة لندن خسرت جزءاً لا يستهان به من عمليات التداول الأوروبية التي كانت تتم عبر منصات تداول فرعية بحي المال، إذ إن بورصة لندن هي الأكبر في أوروبا من حيث قيمة الأصول المتداولة، وكذلك من حيث عدد الشركات المسجلة في مؤشرات فوتسي. ويقدر حجم الشركات المسجلة في بورصة لندن بقيمة نحو 4.59 ترليونات دولار، وتأتي من حيث الترتيب في المرتبة الثامنة بين أكبر البورصات العالمية.

وبحسب بيانات حي المال، فإن 45% من تجارة الأسهم الأوروبية تتم في بورصة لندن، عبر 9 منصات بديلة للتداول. وكانت هذه المنصات تنافس البورصات الرئيسية في الدول الأوروبية، مثل بورصة باريس وفرانكفورت وأمستردام، وتحظى بأفضلية لدى المستثمرين لأنها تجمع التداول لجميع الأسهم الأوروبية في مكان واحد، كما أنها أرخص للمستثمرين من حيث رسوم التداول مقارنة بالبورصات الأوروبية.

ورغم انتقال تداول الأسهم المقومة باليورو من لندن إلى منصات جديدة في الاتحاد الأوروبي، وتنامي تداول الأسهم المقومة باليورو، إلا أن بورصة لندن لا تزال تسيطر على تسوية المشتقات المالية وصفقات التحوط، ويتوقع محللون أن تواصل دول الاتحاد الأوروبي الاعتماد على شركات الوساطة البريطانية بعمليات التسوية خلال هذا العام.

المساهمون