إسرائيل ليست أرض اللبن والعسل وهذا هو الدليل

02 اغسطس 2024
مستقبل ضبابي لإسرائيل،23مارس 2024،(جاك قويز/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الدعاية الإسرائيلية والبحث العلمي**: تدعي إسرائيل أنها تنفق 4% من ناتجها القومي على البحث العلمي، لكن مخرجاتها المتواضعة تثير الشكوك، خاصة مع إهمال العرب للبحث العلمي بإنفاق 0.3% فقط.

- **الاقتصاد الإسرائيلي الهش**: يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على القروض والدعم الخارجي، حيث بلغ الاقتراض 43 مليار دولار في 2023 بسبب الحرب على غزة، مع تراجع الصادرات بنسبة 25% وتوقعات تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6%.

- **الاستيراد والادعاءات الكاذبة**: تدعي إسرائيل الريادة في إنتاج اللحوم والألبان، لكنها تستورد 90% من اللحوم و36% من الحليب، مما يكشف زيف ادعاءاتها بأنها "أرض اللبن والعسل".

أرض اللبن والعسل، هو وصف إسرائيل في التوراة، وهو الشعار الذي ترفعه آلة الإعلام الصهيونية للدعاية لدولة الاحتلال باعتبارها واحة الرفاهية الوحيدة في المنطقة، وصاحبة الريادة في البحث العلمي والتكنولوجيا الزراعية. وكثُرت الإحصائيات التي تدعي بأن إسرائيل تنفق في مجال البحث العلمي 4% من ناتجها القومي، وهو ما يساوي 1% من إنفاق العالم في هذا المجال، وأنها أعلى دولة في العالم من حيث نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي، متقدمة على الولايات المتحدة واليابان.

كثيراً ما تنشر الدعاية الإسرائيلية أخباراً عن تفوق إسرائيل على العرب المتخلفين في مجال البحث العلمي والإنتاج الزراعي وتكنولوجيا الري، وعن كرم دولة الاحتلال في تسخير تكنولوجيتها لخدمة تلك الدول، وأن ما تنفقه في هذه المجالات يفوق ما تنفقه الدول العربية مجتمعة بعدة أضعاف.

ورغم الاعتراف باقتراف الحكومات العربية جرائم الإهمال المتعمد للبحث العلمي، حيث لا يزيد الإنفاق عليه عن 0.3% من الناتج القومي، إلى حد إصابة الباحثين العرب بالإحباط، ودفعهم للهجرة الدائمة إلى دول الغرب الأكثر اهتماماً بالبحث العلمي والعلماء، لكن بالنظر لمخرجات الإنتاج العلمي والزراعي الإسرائيلي المتواضع، يتأكد أن المعلومات التي تنشرها ماكينة الدعاية الإسرائيلية عن تقدمها العلمي عامة، والزراعي خاصة، تفتقد المصداقية الكاملة.

اقتصاد هش

ما يدل على هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي، اعتماده على القروض والدعم الأميركي والأوروبي، الذي لولاه ما أصبحت أرض اللبن والعسل، ولشاركت جيرانها العرب في البؤس والفقر. ورغم أن عدد السكان يساوي عدد سكان مدينة الجيزة المصرية (9.5 ملايين نسمة) فقد بلغ معدل الاقتراض السنوي لإسرائيل في سنة 2022 نحو 17 مليار دولار، ما يفسر لماذا إسرائيل أرض اللبن والعسل.

وبسبب الحرب المجنونة على غزة والاستخدام المحموم للأسلحة والمتفجرات، تضاعف الاقتراض إلى ما يعادل 43 مليار دولار في عام 2023. وخلال شهرين فقط من بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اقترضت دولة الاحتلال 22 مليار دولار، وفق بيانات وزارة المالية الإسرائيلية.

وفي شهر مارس/ آذار الماضي، اقترضت إسرائيل ثمانية مليارات دولار دفعة واحدة من الداعمين الدوليين. ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الدين العام من 60.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، إلى 303 مليارات دولار في عام 2024، ما يعادل 67% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الإنفاق الحربي المجنون.

بيانات وزارة المالية الإسرائيلية لا تأخذ في الاعتبار تراجع الصادرات بنسبة 25% بسبب الحرب على غزة، وتوقعات تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6%. وهي وإن كانت نسباً كبيرة وغير مسبوقة، لكن تقديرها متواضع بالنسبة لعدد الشركات التي أغلقت أبوابها بسبب ضم موظفيها للجيش، ومن المتوقع أن يصل عددها بنهاية العام الجاري إلى 60 ألف شركة، وكذلك خروج الأراضي الزراعية في الشمال وفي غلاف غزة عن الإنتاج الزراعي بعد طوفان الأقصى، وهي تنتج أكثر من ثلثي الإنتاج الغذائي في إسرائيل.

ودون الأخذ في الاعتبار حزمة المساعدات الأميركية في شهر إبريل/ نيسان الماضي بقيمة 26.4 مليار دولار، التي طلبتها الحكومة الإسرائيلية، وأقرها الكونغرس مباشرة ودون نقاش، سوف يرتفع الدين العام لإسرائيل إلى ما يعادل 303 مليارات دولار، وهو معدل كبير لا يتناسب مع حجم اقتصاد دولة تصف نفسها بأرض اللبن والعسل.

ابتزاز المنتجين الجادين

كشفت منظمة السلام الأخضر عن أن إسرائيل تستورد 90% من احتياجاتها من اللحوم، وتنتج 10% منها فقط محلياً. وأن الجزء الأكبر من هذه اللحوم يستورَد من أميركا الجنوبية. وتشكل لحوم البقر الأرجنتينية نحو 33% من إجمالي لحوم البقر المباعة في إسرائيل. وتحتل دولة الاحتلال المرتبة الخامسة من حيث الأهمية بالنسبة لصادرات الأرجنتين من لحوم البقر.

وفي سبتمبر/ أيلول سنة 2019، كشف تقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن حملة شنتها منظمة السلام الأخضر في إسرائيل ضد شركة من الأرجنتين تصدّر اللحوم لإسرائيل، وادعت أنها اكتشفت أن لحوم البقر المباعة في إسرائيل تحت علامة أنغوس جاءت من ماشية تُربَّى في مناطق مقتطعة من غابة غران تشاكو في الأرجنتين، وهي ثاني أكبر غابة في أميركا الجنوبية بعد الأمازون، وقد تضررت بشدة بسبب التنمية الزراعية وإنتاج لحوم البقر وأعلاف فول الصويا، على حساب الغطاء النباتي في الغابة.

وحشدت المنظمة 14 ألف إسرائيلي للتوقيع على عريضة تطالب شركة اللحوم الأرجنتينية بتبني سياسة عدم الإضرار بالغابات. وكما يدعي الجيش الإسرائيلي أنه أكثر الجيوش أخلاقاً في العالم، وهو الذي قصف مستشفى الرنتيسي للأطفال، بما فيه من خدج، وقتل 20 ألف طفل، شنت صحيفة هآرتس العبرية في يناير/ كانون الثاني الماضي حملة لابتزاز شركات نقل الماشية لإسرائيل، بزعم أن الماشية تُشحَن في ظروف غير إنسانية قبل الذبح. والحملة في حقيقتها ابتزاز للشركات من أجل تخفيض أسعار اللحوم التي تصدرها إلى إسرائيل.

وتروّج إسرائيل أن تل أبيب عاصمة نباتية، للدعاية لمنتجات الخضراوات والفاكهة التي تصدرها من الأراضي المحتلة بعد حرب 1967. ولكن، وعلى عكس ما تدعيه آلة الإعلام الإسرائيلية، فإن إسرائيل أعلى دولة في العالم في استهلاك الفرد من الدجاج، وتحتل المركز السادس في استهلاك الفرد من لحوم البقر، حسب منظمة السلام الأخضر الإسرائيلية، حيث يستهلك الفرد الإسرائيلي أكثر من 81 كيلوغراماً من لحم البقر والدجاج سنوياً، 72 كيلوغراماً منها مستوردة، وهو ما يزيد بنحو 40% عن المتوسط العالمي.

مستورد رئيسي للحوم والألبان

تدعي الحكومة الإسرائيلية أنها حققت نجاحاً عالمياً في مجال إنتاج اللحوم والألبان، وأن لديها أكبر برنامج لاستنباط سلالات أبقار غزيرة الإنتاج من اللحوم والألبان. وادعى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، غير مرة أن حكومته مستعدة لمشاركة التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية المتقدمة في مجال إنتاج الألبان مع دول التطبيع في المنطقة العربية وأفريقيا، ومنها السودان والبحرين والإمارات وإثيوبيا.

وفي عام 2022، كشف تقرير وزارة الزراعة الأميركية زيف الدعاية الإسرائيلية، وأثبت أن إسرائيل تستورد 36% من استهلاكها من الحليب ومنتجاته. وفي العام الماضي، علقت دولة الاحتلال ضريبة الحماية الجمركية على الحليب المحلي للسماح بالاستيراد لعلاج العجز في الإنتاج المحلي. وكانت المفاجأة أن أسعار الحليب المستورد تقل بنسبة 30% مما هي عليه في إسرائيل، ما ينفي أي ميزة نسبية لإسرائيل في مجال إنتاج الألبان، ويقوّض امتلاكها تكنولوجيا فريدة في هذا المجال. وبالتالي يفضح ادعاءات نتنياهو الذي يروج للتطبيع بالأكاذيب دون خجل.

في واقعة طريفة لصحافية إسرائيلية تحمل الجنسية الأميركية، قالت إنها تجولت في عدد من المحلات التجارية في تل أبيب لشراء زبدة البقر، وظلت تبحث عنها على الأرفف الفارغة. وبعد عناء وجدت سوبر ماركت يعرض كمية محدودة من الزبد المستورد بأسعار مبالغ فيها. فكتبت مقالاً تقول فيه إن إسرائيل أرض الزبد والعسل خالية من الزبد.

وبسبب الحقائق التي تكشفت بعد حرب طوفان الأقصى عن حقيقة الدعاية الإسرائيلية المزيفة حول كثير من الصناعات، بحثتُ عن سبب الادعاء بأن إسرائيل أرض اللبن والعسل. ولما اكتشفتُ زيف الادعاءات حول إنتاج الحليب هناك، بحثتُ عن إنتاج العسل في إسرائيل، وما كنت أشك في تقدمها في هذا المجال، لا سيما أنها تبالغ في التأكيد على أنها أرض اللبن والعسل، فاكتشفتُ أنها استوردت عسلاً في سنة 2022 من تركيا وأوكرانيا وإسبانيا واليونان بقيمة 6.63 ملايين دولار، لتصبح في المرتبة الـ39 من بين أكبر مستوردي العسل في العالم، وكان ذلك مفاجأة أخرى بالنسبة لي.

ثم بحثتُ عن إنتاج إسرائيل من القمح المستخدم في صناعة الخبز، فوجدتُ أنها لا تختلف عن الدول العربية التي تستورد معظم القمح من الخارج، رغم انخفاض عدد السكان، حيث تبلغ واردات إسرائيل من القمح 1.74 مليون طن، ويأتي 70% منها من روسيا وأوكرانيا، وفق إحصاءات وزارة الزراعة الأميركية.

جاء السابع من أكتوبر ليكشف أن إسرائيل ليست متقدمة في مجالات كثيرة تدعيها، وأن سياسات التطبيع مع الدول العربية تقوم على دعاية كاذبة، وليفضح الواقع البائس لقطاع الزراعة والأمن الغذائي في إسرائيل، الذي لا يختلف عن واقعه في الدول النامية، وربما يماثل الموجود في الدول العربية المعتمدة على غيرها من الدول المستقلة زراعياً وغذائياً في استيراد معظم احتياجاتها الغذائية، بفارق واحد، وهو أن الحكومة الإسرائيلية تستورد اللبن والعسل والخبز من الخارج لتغري المهاجرين بالعيش في أرض الميعاد.

المساهمون