"إريكسون" رشت مسؤولين مصريين وعرباً لتمرير عقود

14 مارس 2023
الشركة قدمت رشاوى في عدة دول بينها مصر والكويت وجيبوتي والعراق (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت تحقيقات أميركية مع شركة "إريكسون" العالمية، بشأن اتهامات بالفساد، عن تلقي مسؤولين مصريين وعرب رشاوى على مدار سنوات، مقابل تمرير عقود مع شركة الاتصالات في دولهم، ما أفضى إلى فرض غرامة مالية عليها بقيمة 206 ملايين دولار.

وأقرت الشركة بالذنب في اعتراف موثق سجلته وزارة العدل الأميركية عبر تحقيق موسع أجرته خلال العامين الأخيرين، وأفصحت عن تفاصيله في الثاني من مارس/آذار الجاري، وفق وثائق اطلعت عليها "العربي الجديد"، حيث اعترفت إريكسون متعددة الجنسيات، ومقرها الرئيسي في العاصمة السويدية استوكهولم، بتقديمها رشى لمسؤولين مصريين خلال الفترة بين عامي 2000 و2016.

وتتولى إريكسون إنشاء معظم مراكز الاتصالات الحكومية الرئيسية منذ دخلت مصر قبل 100 عام، وهي شريك فني لشركات اتصالات عدة في مصر لتنفيذ مشروعات تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، لتأهيل الشبكات السلكية واللاسلكية، وتمكين وزارة الاتصالات من إدارة شبكات الإنترنت والجيل الخامس 5G..

ووفق وزارة العدل الأميركية، "اعترفت إريكسون بالسلوك الإجرامي، وأنها أذنبت على مدى سنوات في انتهاك قانون الممارسات الفاسدة الأجنبية (FCPA) بدفع رشاوى وتزوير الدفاتر والسجلات وعدم الضبط المحاسبي الداخلي في عدة دول حول العالم، من بينها مصر والكويت وجيبوتي والعراق والصين وفيتنام وإندونيسيا".

وأشارت وثائق المحاكم الأميركية التي تداولت القضية بطلب من وزارة العدل، بعد تقديم شركات أميركية منافسة للشركة السويدية على مناقصات أجريت في الدول التي شهدت وقائع فساد مالي، إلى سداد غريكسون مدفوعات الرشى عبر كتابة عقود للمسؤولين الحكوميين في تلك الدول، وإدارة الأموال خارج الدفاتر الرسمية، لتسهيل خروج الأموال عبر طرف ثالث، لمسؤولين ادعت في عقود زائفة أنهم يعملون وكلاء لشركة الاتصالات السويدية.

وبينت وثائق وزارة العدل الأميركية، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن شركة "إريكسون مصر المحدودة" مذنبة في معلومات جنائية تتعلق بالتآمر بانتهاك أحكام مكافحة الرشوة وفقا لقانون حماية بيئة الأعمال، وعدم تمكين أجهزة التحقيق من ملاحقة الأفراد المتهمين.

واعتبر المسؤولون الأميركيون أن انخراط إريكسون في الفساد، وعدم الإبلاغ الطوعي عن وقائعه لوزارة العدل، جعلاها تواجه ثمنا باهظا للأخطاء المستمرة التي ارتكبتها، وموافقتها بموجب شروط اتفاق الإقرار بالذنب على التهم الأصلية المؤجل الحكم فيها منذ عام 2019، على دفع الغرامة للمحكمة، والتي تتعلق بارتكاب تهمة التآمر بانتهاك أحكام مكافحة الرشوة خارج الحدود، والتآمر بانتهاك الضوابط الداخلية ومقررات وأحكام السجلات الخاصة بجرام الرشوة.

وأجرت "العربي الجديد" اتصالا بمسؤولي شركة إريكسون - مصر في القاهرة للتعليق على التحقيقات الأميركية وعلى فرض غرامة كبيرة على الشركة العالمية.

وقالت راندا الصاوي، مديرة الاتصال والعلاقات المجتمعية في الشركة، في بيان مقتضب: "نحيطكم علما أنه في عام 2019، دخلت إريكسون في اتفاقية المقاضاة المؤجلة مع وزارة العدل الأميركية لتسوية انتهاكات وقعت قبل عام 2017 بقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، تتعلق بسلوك في جيبوتي والصين وفيتنام وإندونيسيا والكويت".

وتجاهلت الصاوي ذكر ما تطرق إليه التقرير حول إريكسون مصر على وجه التحديد، رغم شمول الغرامة والحكم ما حدث من وقائع فساد ورشوة لمسؤولين حكوميين، أسوة بما ارتكبته إريكسون في الدول الأخرى خلال الفترة من عام 2000 إلى 2016، وفق التحقيقات الأميركية.

وتدير إريكسون السويدية مشروعاتها عبر مكاتب فاخرة مجاورة لمكتب وزير الاتصالات وشركات الاتصالات والإنترنت الحكومية، في القرية الذكية بمدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة، وتتولى تدريب قادة قطاع الاتصالات الحكوميين على إدارة خدمات الاتصالات والبرامج السحابية وتقنيات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي والحوسبة المتطورة، وفقا للموقع الرسمي للشركة العالمية باللغة العربية.

ويعتبر فرع القاهرة مكتباً إقليمياً لإريكسون في الشرق الأوسط، بعد تعيين هاكان سارفيل، في سبتمبر/أيلول الماضي، نائبا لرئيس إريكسون في مصر والسعودية، بعد شغله عدة مناصب على مدار 19 عاماً في الشركة في كل من كوريا الجنوبية وماليزيا والصين واليابان وتايوان وهونغ كونغ.

وقال ضياء الدين داود، عضو مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إنه وفقا للمادة 127 من الدستور، تحق للبرلمان مراجعة العقود والاتفاقات الحكومية التي تجريها الجهات الرسمية، لكنه أشار إلى عدم معرفة النواب بتفاصيل صفقات الفساد التي ترتكبها أي جهة حكومية، أو اتفاقات تجريها الشركات لشراء مستلزمات إنتاج أو تطوير المعدات. وأكد داود التزامه بمراجعة تقرير وزارة العدل الأميركية للتعرف على تفاصيل الاتهام، لمناقشته في البرلمان.

وتحظى إريكسون برعاية حكومية كبيرة، دفعت وزارة الاتصالات إلى تكريم مسؤوليها عدة مرات، ومنحها وزير الاتصالات عمرو طلعت جائزتين على مدار العامين الماضيين، وحرص على لقاء فادي فرعون، النائب الأول لرئيس إريكسون ورئيسها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعدد من قيادات الشركة، خلال مشاركة الوزير في المعرض والمؤتمر الدولي للهواتف المحمولة 2023، الذي نظمته الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول GSMA في مدينة برشلونة في 28 فبراير/شباط الماضي.

وأوقفت إريكسون إنتاج الهواتف المحمولة نهاية القرن الماضي، وركزت في إنتاج معدات مراكز الاتصالات الأرضية وشبكات الإنترنت التي تبنيها الحكومات وشركات الاتصالات الكبرى، بمليارات الدولارات شهرياً. وتعد منافساً للعديد من الشركات الكبرى في هذا المجال، على غرار جنرال إلكتريك الأميركية وباناسونيك وسوني اليابانيتين وألكاتيل الفرنسية، وسيمنز الألمانية، وسامسونغ الكورية الجنوبية وهواوي الصينية.

تؤكد إريكسون، في البيان التعريفي للشركة عبر موقعها الإلكتروني، انحيازها للقيم الأخلاقية ومحاربة الفساد باعتباره عقبة كبيرة أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، ومعوق للتنمية المستدامة، ما يؤثر على المجتمعات الأكثر فقراً.

وتعتبر إريكسون أن الفساد يقوض المنافسة العادلة ويعيق الابتكار ويرفع التكاليف ويشكل عواقب قانونية وسمعة خطيرة، بما يدفعها إلى الالتزام بكسب الأعمال التجارية على أساس الجدارة والقدرة والإنصاف والعمل بقوة لتصحيح أية مخالفات تواجهها.

المساهمون