إدارة بايدن تواجه أزمة جديدة بسبب ارتفاع سعر النفط

21 فبراير 2022
حقل نفط صخري في ولاية تكساس (Getty)
+ الخط -

خلال العام الأخير، ومع عودة النشاط في أغلب الاقتصادات الكبرى إلى مستويات ما قبل ظهور الوباء، ارتفعت أسعار النفط الخام والغاز بصورة واضحة، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار وقود السيارات في الولايات المتحدة بنسبة تقترب من 40%، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بنسبة تجاوزت 60%.

وبينما لجأ الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى إطلاق جزء من احتياطيات بلاده، ودعا الدول الأخرى إلى فعل الشيء نفسه، تطلّع الجميع إلى شركات النفط الأميركية طلباً للدعم من خلال زيادة إنتاجها، أملاً في سد الفجوة بين العرض والطلب التي تسببت في ارتفاع السعر واضطراب الأسواق، قبل أن تأتي التوترات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا، لتتسبب في مزيد من الاشتعال في ارتفاع سعر الذهب السود.

وبينما تتوالى البيانات التي تظهر ارتفاع معدل التضخم الأميركي إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود، واصلت إدارة بايدن مناشدتها للبلدان المنتجة للنفط زيادة إنتاجها منه، أملاً في أن تتسبب زيادة المعروض في وضع حد لارتفاع أسعار الطاقة المستمر في البلاد، والذي ساهم، مع عوامل أخرى، في ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات تقريباً خلال الشهور الأخيرة، وضغط على صانعي السياسة النقدية للإسراع في خططهم لإنقاذ المواطنين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ورداً على سؤال عما ستقوم به الإدارة الأميركية مع اقتراب سعر برميل النفط من 100 دولار، للمرة الأولى منذ عام 2014، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي يوم الأربعاء الماضي "لقد كنا في تواصل دائم مع حلفائنا وشركائنا من منتجي النفط خلال الأسابيع الأخيرة، تحسباً للتطورات الجيوسياسية وما يمكن أن تسفر عنه من تأثير سلبي على إمدادات النفط والغاز في العالم".

تنسيق أميركي مع المنتجين

وأكدت بساكي استمرار جهود إدارة بايدن في التنسيق مع الكونغرس والدول المنتجة للنفط، مشيرةً إلى أن كل البدائل موضوعة على الطاولة، ومذكرةً الصحافيين بأن الرئيس الأميركي أمر باستخدام جزء من احتياطيات النفط الاستراتيجي لبلاده خلال الشهرين الأخيرين لوقف ارتفاع الأسعار.

وخلال العامين الماضيين، ومع وصول فيروس كوفيد-19 وانتشاره في الأراضي الأميركية، ثم انخفاض سعر النفط وصولاً إلى 20 دولاراً للبرميل، أوقفت أغلب شركات النفط الصخري الأميركي إنتاجها، وألغت كل مخططات الإنفاق على البنية التحتية التي استهدفت زيادة الطاقة الإنتاجية لديها.

لكن مع ارتفاع الأسعار مرة أخرى، ترغب تلك الشركات في العودة بطاقاتها الإنتاجية إلى المستويات السابقة، وربما أعلى، إلا أنها تدرك صعوبة تحقيق ذلك في وقت قصير، ومن دون مساعدة واضحة من الإدارة الأميركية.

ويضع الكثير من منتجي النفط الصخري الأميركي نصب أعينهم ضرورة تعويض مستثمريهم، الذين تضرروا من الخسائر الفادحة خلال العامين الماضيين، قبل التوجه نحو زيادة الإنفاق الاستثماري من جديد.

وقبل يومين، نقلت وكالة بلومبيرغ عن شركات "بايونير ناتشيورال ريسورسز" و"ديفون إنرجي" و"هارولد هامز كونتيننتال ريسورسز" تعهدها بعدم زيادة إنتاجها خلال العام الحالي 2022 بأكثر من 5%، أو أقل من ربع الزيادة المعتادة في عصر ما قبل ظهور الفيروس.

وفي لقاء مع قناة بلومبيرغ، قال سكوت شيفلد، الرئيس التنفيذي لشركة بايونير، "حتى لو أراد بايدن منا زيادة الإنتاج، لا أعتقد أننا نستطيع عمل ذلك الآن".

وأكد شيفلد أنه "لو وصل السعر إلى 100 دولار، أو 150 دولارا، أو 200 دولار للبرميل، فلن يكون هناك تغيير في خطط النمو الخاصة بشركاتنا".

منتجو النفط الصخري خائفون

وتعكس التوجهات السابقة وعيا واضحا لمنتجي النفط الصخري الأميركي بعد خسائر العامين الماضيين، وهو ما يدفعهم إلى رفض "إغراق العالم بالنفط الرخيص" مرة أخرى، وسعيهم لتعويض مستثمريهم، سواء من خلال توزيع نسب من الأرباح المحققة لهم، أو عن طريق عمليات شراء لأسهم الخزينة في شركاتهم، ليعود ذلك بالنفع على حاملي الأسهم في صورة ارتفاع أسعار أسهمهم.

ويقول ريك مونكريف، الرئيس التنفيذي لشركة ديفون إنرجي، "تعرضنا للكثير من عمليات الخداع خلال العامين الماضيين، وبالتالي فإننا سنكون أكثر حذراً قبل اتخاذ أي قرار بزيادة الإنتاج".

وعلى نحو متصل، يرى المحللون أن أسعار النفط خلال الفترة القادمة ستكون تحت رحمة أي عقوبات اقتصادية يتم فرضها على روسيا، نظراً للاعتماد الأوروبي الشديد على نفطها.

ولو اضطرت الاقتصادات الكبرى في القارة العجوز إلى البحث عن بديل للنفط الروسي، فمن المؤكد ألا تعثر عليه قبل تجاوز سعر البرميل علامة المائة دولار الهامة، وربما يكون ذلك مجرد محطة في الطريق إلى سعر 120 دولارا للبرميل.

لكن البعض يرى أنه حتى مع تجنب حدوث مواجهات عسكرية مباشرة بين روسيا والدول الغربية، فإن أسعار النفط مرشحة بقوة للاستمرار في الارتفاع.

خسائر العامين الأخيرين

واعتبر مايكل تران، المحلل لدى شركة أسواق رأس المال RBC لتحليل بيانات الأسواق، أن زيادة أسعار النفط "ترجع بالأساس إلى عجز منظمة الدول المصدرة للنفط OPEC، أو عدم رغبتها في زيادة الإنتاج"، مؤكداً أن "العديد من الدول الأعضاء في المنظمة لم يزيدوا إنتاجهم كما كان متوقعاً وفقاً للظروف والمحددات الحالية"، مشيراً إلى أن الشركات الأميركية بدورها أبطأت من إنتاجها للحفاظ على ما تبقى لديها من نقدية، بعد خسائر العامين الأخيرين.

وخلال العام الماضي، نما الطلب على النفط بشكل أسرع مما كان متوقعاً، ولا تظهر في الأفق حتى الآن أية بوادر لتباطئه، حتى مع اقتراب سعره من مائة دولار للبرميل.

وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ورغم ظهور موجة جديدة لمتحور أوميكرون وانتشارها في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وصل الطلب على النفط إلى أعلى مستوياته في أي شهر منذ أن بدأ معهد البترول الأميركي في الاحتفاظ بسجلات الطلب في عام 1963.

ورغم تأخر انتعاش الطلب عليه مقارنة بالمنتجات الأخرى، شهد وقود الطائرات مرتفع الجودة ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب عليه خلال الشهور الأخيرة، التي شهدت تخفيفاً لقيود السفر بعد ارتفاع أعداد الحاصلين على جرعتي اللقاح، ليبقى على بعد 10% فقط من مستويات طلب ما قبل الجائحة، بينما لم يقترب الإنتاج من مستويات نفس الفترة.

وتوقع تران من RBC استمرار دورة ارتفاع أسعار النفط "حتى نصل إلى نقطة يتم عندها تدمير الطلب عليه"، مذكراً بفترة الأزمة المالية الكبرى خلال عامي 2008 و2009، والتي شهدت وصول سعر النفط الأميركي إلى 147 دولاراً للبرميل، وارتفاع متوسط سعر الجالون من وقود السيارات من الدرجة المتوسطة، وهي الأقل كفاءة / نقاء في السوق الأميركية، إلى 4.09 دولارات، والتي تعادل، وفقاً لحسابات تران، 5.21 دولارات، لو أخذنا معدل التضخم في الاعتبار.

واعتبر المحلل الاقتصادي أن ذلك يعني أن هناك مجالاً كبيراً لارتفاع أسعار النفط خلال الفترة القادمة، وبدون أخذ احتمالات غزو روسيا لأوكرانيا في الاعتبار.

ولو صدقت توقعات المحللين، فيما يخص استمرار ارتفاع أسعار النفط ووقود السيارات في أميركا، فإن ذلك يمثل تحدياً كبيراً للرئيس بايدن، في ضوء انخفاض شعبيته بصورة ملحوظة خلال العام الذي قضاه في البيت الأبيض، وهو ما قد يؤثر على نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

المساهمون