إدارة الأزمات في مصر: البطاطس نموذجاً

28 أكتوبر 2018
طوابير لشراء البطاطس بعد اختفاءها من الأسواق(فرانس برس)
+ الخط -



تفاقمت أزمة البطاطس في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، وارتفعت أسعارها بمعدلات قياسية لم تصل إليها من قبل حتى أن سعر الكيلو الواحد بلغ 14 جنيهاً.

وبعد أن اختفت السلعة من الأسواق، رأينا طوابير طويلة من المصريين تقف لشراء البطاطس من منافذ المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية وغيرها من المنافذ الحكومية، بل ورأينا تسابقاً على شراء آلاف الأطنان التي صادرتها أجهزة الدولة من التجار والمصدرين الذين وصفتهم بالمحتكرين.

أزمة اختفاء البطاطس لا تكمن فقط في نقص سلعة غذائية واستراتيجية تحتل مساحة دائمة على موائد كل المصريين، أو أنها تدخل في صناعة عشرات المنتجات الغذائية، وتحتل بنداً مهماً في الصادرات المصرية، لكنها تكشف عن أسلوب الحكومة في إدارة الملفات والأزمات الاقتصادية والمعيشية في البلاد.

نحن أمام مشكلة اقتصادية بحتة تمثلت في نقص المعروض من البطاطس داخل الأسواق والمتاجر ومنافذ البيع، وبدلاً من أن تبحث الحكومة عن الأسباب الحقيقية للأزمة وتعالجها، وما إذا كان السبب هو نقص المعروض داخل الأسواق أم احتكار تجار، راحت تستخدم الأساليب التقليدية في إدارتها، وأبرز هذه الأساليب البحث عن كبش فداء.  

فالإعلامي توفيق عكاشة، المقرب من السلطة، اتهم "الإخوان" بأنهم السبب المباشر وراء ارتفاع سعر البطاطس من دون أن يقدم دليلاً واحداً على زعمه، وسار على النهج عدد من مذيعي التوك شو.


وما لم تتم معالجته من أزمات معيشية واقتصادية بإلقاء التهمة على الإخوان، تتم معالجته بالأسلوب الأمني البحت، فقبل عام 2016 تمت إدارة أزمة ارتفاع سعر الدولار واضطرابات سوق الصرف الخطيرة بهذا الأسلوب، إذ تم اعتقال أصحاب شركات صرافة وإغلاق العديد منها بحجة تعاملها في السوق السوداء ومضاربتها في العملة.

ومع زيادة القمع الأمني زادت فداحة الأزمة، إلى أن انتهت المعالجة بقرار خطير هو تعويم الجنيه المصري، والذي أدى إلى تهاوي قيمة العملة المحلية ومعها تآكل مدخرات المصريين، وحدوث قفزة في سعر الدولار من 8.8 جنيهات إلى ما يقرب من 18 جنيهاً، ومعها قفز معدل التضخم وأسعار كل السلع بمعدلات قياسية. 

وفي أزمة البطاطس الأخيرة تم استخدام نفس الأسلوب، وهو مصادرة آلاف الأطنان من البطاطس لدى التجار بحجة مواجهة الممارسات الاحتكارية، وكذلك جرى اعتقال عدد من رجال الأعمال والمصدرين وأصحاب الشركات بحجة الاكتناز، رغم أن التخزين يتم لأغراض التصنيع والتصدير والوفاء بالتعاقدات المبرمة مع مستوردين خارجيين.

والملفت أنه خلال إدارة الأزمة لم يتحدث أحد عن أهمية تطوير قطاع الزراعة وزيادة المساحات المزروعة بالبطاطس والطاطم والخضروات وغيرها من السلع التي شهدت ارتفاعا مؤخرا، ولم يتحدث أحد من المسؤولين عن ضرورة زيادة العرض من السلعة في الأسواق، وإزالة الاختناقات داخل منافذ البيع.

وتكرر استخدام الأسلوب الأمني مع أزمات أخرى شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، منها اختفاء ألبان الأطفال والسكر وغيرها من السلع.



بل أحياناً يتم التعامل مع الأزمات بأسلوب استفزازي للرأي العام، "فمن لا تعجبه الأسعار عليه أن يرحل للخارج ويبحث عن دولة أخرى"، "واحمدوا ربنا لأننا نعاني فقط من ارتفاع الأسعار واختفاء بعضها، في حين تعم الحروب والصراعات والفوضى دولاً مجاورة مثل العراق وسورية واليمن وليبيا"، " مش أحسن ما نكون زي سورية والعراق"، "وفي ظل المراحل الانتقالية لابد من أن يتحمل المواطن زيادة الأسعار، "وبلاها 3 وجبات.. كفاية وجبة واحدة". 

وفي بعض الأحيان يتم ليً الحقائق، فأزمة التوسع الكبير في الاقتراض الخارجي هي شهادة ثقة من صندوق النقد الدولي بقوة الاقتصاد القومي، وحسب البعض، فإن المؤسسات المالية لا تمنح قروضا للدول ذات الاقتصاديات الضعيفة.

ومن قال إن هناك خطورة من أزمة الدين العام رغم قفزاته المتواصلة حيث ارتفع من 1.7 تريليون في العام 2013 إلى ما يزيد عن 5.5 تريليون جنيه بنهاية شهر يونيو الماضي حسب أحدث أرقام للبنك المركزي؟ نحن لا نزال في المستوى الآمن.

والغريب أن بعض المسؤولين، وبدلاً من الاعتراف بالمشكلة وحلها، يخرج علينا متبجحاً قائلاً إن المواطن يستطيع أن يعيش بخمسة جنيهات فقط في اليوم، رغم أن المبلغ لا يشتري ثلث كيلو بطاطس.

المساهمون