مع مرور موجة طقس حار غير مسبوقة على منطقة الخليج، خلال صيف العام الجاري، سجلت دول مجلس التعاون الست درجات حرارة قياسية في العديد من المناطق، ما تسبب في مخاطر الصحية، على رأسها تكرار الإصابات الخطيرة بالإجهاد الحراري، والتي بلغ بعضها حد الوفاة.
ولكن في المقابل تتخذ حكومات هذه الدول إجراءات مشدّدة للحد من الإصابات وتعويض المتضررين وتوقيع غرامات كبيرة على الشركات المخالفة.
والإجهاد الحراري هو حالة مرضية تحدث عندما لا يستطيع الجسم الحفاظ على درجة حرارته الطبيعية.
وتحدث عادةً عندما يتعرض الشخص لدرجات حرارة عالية لفترات طويلة من الزمن، أو عندما يبذل مجهودًا بدنيًا كبيرًا في الطقس الحار، حسبما أورد موقع "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" الأميركي.
إصابات وتعويضات
خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، سجلت وزارات الصحة في بعض دول الخليج العديد من حالات الإصابة بضربات الشمس والإجهاد الحراري، خاصة السعودية، إذ سجلت الوزارة 11 ألف إصابة بالإجهاد الحراري في موسم الحج وحده.
ويأتي ذلك وسط تشديد التشريعات والإجراءات التي تستهدف حماية العمال في مثل هذه الظروف. أما حالات الإصابة الخاصة بالعمال، فترتبط بمواقع إنشاء لشركات مقاولات بعد أن تعرض العمال لدرجات حرارة مرتفعة للغاية.
ولذا وجهت عديد المؤسسات الخليجية، من يعملون في المناطق المفتوحة بضرورة مراعاة الإكثار من شرب المياه والسوائل لتعويض زيادة التعرّق، مع الحرص على تجنّب التعرّض المباشر للشمس وقت الظهيرة، وارتداء الملابس القطنية، حسبما أوردت بيانات رسمية.
وتنظم قوانين العمل في السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعُمان وقطر العمل في الطقس الحار، وتنص على وجوب توفير صاحب بيئة آمنة وصحية للعمال، بما في ذلك توفير المياه الباردة والظل والتهوية المناسبة، إضافة إلى تدريب العمال على كيفية الوقاية من الإجهاد الحراري.
وتحظر الدول الست تأدية الأعمال تحت أشعة الشمس في المناطق المفتوحة خلال فترة الظهيرة، خاصة من الساعة 12 إلى 3 عصرا.
وتوفر الدول الأربع تعويضات للعمال الذين يصابون بالإجهاد الحراري أثناء العمل، وتختلف هذه التعويضات من دولة إلى أخرى، لكنها تتضمن، بوجه عام: راتب الموظف خلال فترة المرض، وتكلفة العلاج الطبي، وإعادة التأهيل.
اشتراطات حقوقية
يشير الخبير الاقتصادي العُماني، خلفان الطوقي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن دول الخليج تولي اهتماما بتطبيق القرارات الخاصة بحماية العمالة من خطر الإجهاد الحراري، لاسيما عمالة الإنشاءات، خاصة أن عديد المنظمات الدولية تراقب هذا الأمر، وسبق لها انتقاد أوضاع عمالة الإنشاءات في بعض هذه الدول.
ويضيف الطوقي أن النظام الذي يتم العمل به في دولة خليجية يمتد صداه إلى باقي دول مجلس التعاون، خاصة في حال ارتباطه بانتقادات أو اشتراطات دولية، في ظل تشابه دول الخليج كلها في ظروفها المناخية، وتسجيلها لدرجة الحرارة متشابهة، تتعدى الـ 40 درجة مئوية في فصل الصيف.
وفي السياق، يلفت الطوقي إلى أن دول الخليج أنشأت لجانا وطنية تهتم بقضايا العمال وحمايتهم منذ عام 2011، فضلا عن جهود مؤسسات المجتمع المدني والنقابات من جانب، ووزارات العمل والموارد البشرية من جانب آخر.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن منح الضبطية للجان مراقبة تنفيذ القرارات الخاصة بحظر العمل تحت أشعة الشمس الحارقة يؤشر إلى أن كل دول الخليج تأخذ ملاحظات المنظمات الحقوقية الدولية بعين الجدية؛ لأنها لا تريد أي ثغرات تسمح بـ "اختراقات" من تلك المنظمات، بما يؤدي إلى إحراجات دولية لتلك الدول، حسب تعبيره.
عمالة الإنشاءات
يلفت الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الإشكال الخليجي يتركز بالأساس حول أعمال الإنشاء في الأماكن المفتوحة، إذ إن درجات الحرارة لمن يعمل داخل المكاتب أو المؤسسات تكون مناسبة، بسبب وجود المكيفات، ولكن في خارجها يكون الأمر قاسيا.
ويؤكد رمضان أن القانون في الكويت، على سبيل المثال، يمنع العمل تحت أشعة الشمس صيفا في الأماكن المفتوحة، لكن بعض شركات المقاولات الخاصة تخالف ذلك، مشيرا إلى أن الحكومة لا تتستر على حالات المخالفة حال ضبطها أو الإبلاغ عنها.
غير أن رمضان يلفت إلى أن كثرا من عمال الإنشاءات "الأجانب" يضطرون إلى العمل تحت أشعة الشمس صيفا في ظروف صعبة نظرا لحاجتهم الشديدة إلى المال، وتمسكهم بالاستمرار في العمل، ولذا لا يتقدمون بشكاوى ضد الشركات التي يعملون فيها.
يلفت الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الإشكال الخليجي يتركز بالأساس حول أعمال الإنشاء في الأماكن المفتوحة
فالواقع في عديد الدول الخليجية، هو أن بعض شركات المقاولات تخالف القانون دون اعتراض من العمالة، مع ضعف الرقابة الحكومية أحيانا، لكن لا أحد يمكنه إجبار العامل على العمل في ظروف الحر الحارق في الخليج، خاصة أن القانون يمنع ذلك، حسب رمضان.
توقعات متشائمة
يشار إلى أن توقعات مراكز دولية، بينها "فايتل ساينز"، وهو تحالف يضم مجموعات حقوقية تعمل على رصد ظاهرة وفيات العمال المهاجرين في الخليج، ترجح ارتفاع عدد الأيام التي تزيد فيها الحرارة في دول الخليج عن 40 درجة مئوية بنسبة 98% بحلول العام 2100.
وحددت توقعات التحالف ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية خلال العقود القادمة، حال استمرار معطيات الوضع المناخي الحالي، وهو ما من شأنه أن يجعل دول الخليج تشهد 180 يوما في السنة من المناخ الذي يتسم بدرجات حرارة تزيد على 40 مئوية بحلول نهاية القرن.