يحبس أنفاسه ويتمسك بالمقود بينما عيناه على المرآة، في حين تلهج شفتاه بجملة واحدة "الله يعمي أبصارهم عنا"... أمتار قليلة مضت ثقيلة على أبو محمد بيرقدار (63 عاما) حتى تجاوز الحاجز العسكري الموجود في مدخل جرمانا الشرقي شرق العاصمة السورية دمشق، بسيارة النقل الصغيرة التي يعمل عليها في نقل الأثاث المنزلي محاولاً تأمين دخل إضافي يساعده مع راتبه التقاعدي في تأمين معيشة أسرته، ليتنفس الصعداء قائلا "والله أرهقونا، إنهم يقاسمونا على رزقنا".
يقول بيرقدار لـ""العربي الجديد": "من النوادر أن أمر على حاجز ومعي بضاعة دون أن يتم أخذ المعلوم، وكل شيء له تسعيرة تتم بحسب قيمة البضاعة، وإلا قد أمضي يومي وأنا جالس بالسيارة عند الحاجز، ولا أحد يمكن أن يشتكي، فهم يحاربون الارهاب والشعب السوري كله إرهابيون في نظرهم، ما يجبرنا على الانصياع في النهاية لهم وأدفع ما يطلبونه دون حتى نقاش".
أما أبو راشد دياب (55 عاما)، سائق سيارة نقل يعمل في دمشق، فتجده يمر في شوارع فرعية متداخلة ليخرج في النهاية من حيث يريد الزبون الوصول. ويقول "بعدما تم تخفيف الحواجز في دمشق أصبح لدينا خبرة في التحايل على بعض الحواجز، عبر المرور في شوارع فرعية، إلا أن هناك مناطق رئيسية لا مفر من المرور عليها ودفع المعلوم".
ويضيف دياب "في سورية نحن معتادون على الدفع، كنت قبل عام 2011 دائما ما يكون لدي في السيارة قطع نقدية من فئة الـ 25 ليرة، فقد كانت حينها هذه تسعيرة شرطي المرور، وفي حالات أخرى قد تصل إلى 100 ليرة، أما اليوم إذا أوقفك شرطي بمجرد أن يمد يده يجب أن تضع له بداخلها 500 ليرة أما الحواجز فعلى الأقل تبدأ من ألفي ليرة وقد تصل إلى عشرات الألاف وذلك بحسب ما يقيّمون البضاعة التي نحملها".
ويتابع "الإتاوات أصبحت ترهق السائقين والزبائن، فتكلفة النقل عبر شاحنة صغيرة داخل دمشق اليوم تبلغ على الأقل خمسة ألاف ليرة، وعلى أطراف دمشق ترتفع الأجرة أكثر بحسب المسافة وعدد الحواجز التي سنمر عليها، بينما غالبية سكان دمشق يعجزون عن تأمين احتياجاتهم المعيشية اليومية".
بدوره، يقول الناشط أسامة الميداني (اسم مستعار لأسباب أمنية)، في حديث مع "العربي الجديد" إن "النظام منذ هيمن على الدولة في سبعينيات القرن الماضي، كان المعيار الأساسي لديهم السكوت عن الفساد مقابل الولاء، وهذه كانت قاعدة تفشي الفساد في البلاد، أما بعد الحرب فأطلق النظام يد مواليه وخاصة من العسكريين في أرزاق الناس، فأصبح يحق لمن يحمل بندقية مع النظام أن ينهب ويعفش المناطق المناهضة للنظام، ويحق لهم أيضا ابتزاز وأخذ الإتاوات حتى ممن يعيشون في مناطق سيطرته".
وتابع " مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير وغلاء المعيشية الفاحش، أصبحت الإتاوات مصدر دخل أساسيا للمتنفذين في النظام ولا يجري هذا بشكل سري بل علني والجميع يعلم به".
ولفت إلى أن "بعض جهات النظام تتقاضى إتاوات بشكل علني بحجة الترفيق، أي حماية سيارات البضاعة، الأمر الذي يساهم في زيادة الأسعار، حيث يُحمل التجار تلك التكاليف لثمن البضاعة".
يشار إلى أن النظام قام بزراعة شوارع دمشق عقب انطلاق المظاهرات المناهضة له، ما تسبب بتقطيع أوصال دمشق وفرض حصار على أحيائها.