تواجه المصارف الأوروبية تحديات قاسية للصمود في العام 2021، بعدما صمدت السنة الماضية، فيما دعا الاتحاد الأوروبي دوله الأعضاء، اليوم الجمعة، إلى تسريع المصادقة على آلية تمويل خطة النهوض الاقتصادي الضخمة المخصصة لمواجهة تداعيات الأزمة الوبائية.
وترتكز خطة النهوض المسماة "الجيل المقبل - الاتحاد الأوروبي" على "تيسير التعافي والقدرة على التكيّف"، من خلال إعانات (312.5 مليار يورو) وقروض (360 مليارًا)، وقد تمت الموافقة عليها رسمياً الجمعة من قبل المؤسسات الأوروبية بعدما أُعطي الضوء الأخضر من البرلمان الأوروبي الأربعاء، حسب ما أوردت "فرانس برس" اليوم.
وتموّل هذه الخطة، المقدّرة بـ750 مليار يورو وقد اعتمدتها دول الاتحاد الـ27 في الصيف الماضي، من خلال عملية تداين مشتركة غير مسبوقة. إلا أنّ إطلاق يد المفوضية الأوروبية للاقتراض من الأسواق يحتاج إلى مصادقة جميع الدول.
وصادقت ست دول فقط، بينها فرنسا، على إجراء "التمويل الذاتي" الذي تشارك فيه البرلمانات الوطنية أو الإقليمية، تبعاً لأنظمة الدول.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، خلال مراسم التوقيع الجمعة، إنّ "السماح للمفوضية بجمع الأموال من أجل الاستثمار يعكس حكمة وثقة (...)، ندعو جميع الدول الأعضاء إلى المصادقة على قرار التمويل الذاتي في أسرع وقت ممكن".
بدوره، أعلن رئيس البرلمان الأوروبي الإيطالي ديفيد ساسولي "لا يمكننا الانتظار. اتخذت حكومات تتمتع بأكثريات برلمانية التزامات (...)، علينا الإسراع لأنّ الشركات لا تنتظر".
كما قال رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد، إنه إذا كان اللقاح بمثابة "فيتامين لتنشيط اقتصاداتنا (...) فمن الضروري أن تسرع الدول في المصادقة" للسماح لبروكسل بتمويل خطط الإنعاش الوطنية.
ويتعين على كل دولة تقديم خطة التعافي الخاصة بها إلى المفوضية الأوروبية بحلول نهاية نيسان/إبريل، ويجب أن توافق بروكسل عليها قبل منح التمويل الأوروبي بهدف التحقق من استيفاء متطلبات الإصلاح والاستثمارات البيئية.
على صعيد متصل، ذكّرت رئيسة المفوضية بهدف الاتحاد إعطاء اللقاح لنسبة 70% من السكان البالغين في الدول الأعضاء بحلول نهاية الصيف، أي في 21 سبتمبر/ أيلول.
المصارف أمام تحديات صعبة
هذا وصمدت المؤسسات المصرفية الأوروبية بوجه العام 2020 وتفشي وباء كوفيد-19 بدون أن تتحمل عواقب طائلة، لكنها مضطرة إلى لزوم الحذر في ظل الغموض المخيم على العام 2021.
وتحمل النتائج المالية الصادرة عن المجموعات المصرفية الأوروبية الكبرى آثار الأزمة الصحية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية.
فتكبد مصرف بانكو سانتاندير الإسباني خسائر هائلة تقارب 9 مليارات يورو، فيما أعلن مصرفا يونيكريديت وبانكا مونتي دي باسكي دي سيينا الإيطاليان خسائر بحوالى 3 مليارات و1.3 مليار يورو على التوالي. أما الفرنسي "سوسييتيه جنرال"، فبلغت خسائره 258 مليون يورو، وتكبّد الألماني كومرتسبنك خسارة بنحو 3 مليارات يورو.
وأظهرت مصارف أخرى نتائج مع تراجع كبير، من بينها البنك الفرنسي "بي إن بي باريبا" الذي تدنى صافي أرباحه 13% على مدى عام، والإسباني "بي بي في آ" الذي خسر 63% من أرباحه.
لكن مدير الاستثمارات لدى شركة "أكسيوم ألترناتيف إينفستمنتس" ديفيد بنحمو أشار إلى أنه في غالب الأحيان "لا تكون الخسائر على مدى العام، بل فقط خلال فصل أو فصلين. هناك في نهاية المطاف عدد قليل من المصارف التي خسرت أموالا عام 2020، والخسائر غالبا ما تكون متعلقة بمخصصات حسابية وتخفيضات في القيمة الحسابية" على ارتباط بأزمة كوفيد-19.
والواقع أن معظم المصارف الأوروبية عمدت بشكل مكثف إلى تعزيز مخصصاتها الاحتياطية، مستخدمة في بعض الأحيان محافظ ائتمان تعتبر سليمة، تحوطا لتقلبات محتملة في المستقبل.
تعزيز القاعدة المالية
ولفت المحللان لدى شركة "أليانز غلوبال إينفستورز" سيمون أوتان وهادية جرجوري، في تصريح لـ"فرانس برس"، إلى أن "القاعدة المالية للقطاع المصرفي الأوروبي برمته حققت تقدما العام الماضي" بصورة إجمالية.
واستفاد القطاع المصرفي الأوروبي من تليين للمتطلبات التنظيمية ومن مجموعة تدابير اتخذها البنك المركزي الأوروبي. كما أن السلطات الأوروبية فرضت عليها من جهة أخرى تعليق كل عمليات توزيع الأرباح.
والواقع أنه خلافا لدورها في الأزمة المالية عام 2008، كانت المصارف هذه المرة من جانب الحلول وليس من جانب المشكلات، فتبنت على سبيل المثال بعض تدابير الدعم الحكومية، كما أنها استمرت في إقراض الاقتصاد.
وبمعزل عن ذلك، شدد محللو وكالة موديز، في مذكرة في نهاية كانون الأول/ديسمبر، على أن "معاودة تفشي الإصابات بفيروس كورونا تبرز مخاطر تدهور الاقتصاد مجددا. وهذا الغموض المقترن بالرفع التدريجي لتدابير الدعم عام 2021 يولد مخاطر كبرى بالنسبة للمصارف".
بيئة عمل متقلبة
بالنسبة للمصارف الفرنسية تحديدا، فهي "ستستمر في تسجيل أرباح عام 2021"، غير أن "ربحيتها ستكون على الأرجح دون مستوى العام 2019"، وفق ما قال المحلل المصرفي لدى شركة "ستاندارد أند بورز غلوبال ريتينغز" نيكولا مالاتير لوكالة "فرانس برس".
فعلى القطاع أن يواجه "مشهدا تنافسيا هاما، وتنظيمات تزداد شدة، ونسب فوائد متدنية، واستثمارات كثيفة مرتقبة في البيانات والقطاع الرقمي"، بحسب ما أوضح رئيس مجلس إدارة مجموعة "بي بي سي أو" المصرفية الفرنسية لوران مينيون لفرانس برس.
ولفت مالتير بصورة خاصة إلى أنه "سيتحتم بالتأكيد التساؤل أكثر حول جدوى الشبكات وشكلها".
وشدد أوتان وجرجوري على أنه "سيترتب على المصارف التركيز على التبسيط والمبيعات. كما سيتحتم عليها لزوم الصرامة في التكاليف. ويجدر بها أيضا البحث عن فرص جديدة لتحقيق مدخرات انطلاقا من تجربة الحجر المنزلي والعمل عن بعد".
وانطلاقا من ذلك، تعتزم مجموعة سوسييتيه جنرال دمج شبكتيها للخدمات المصرفية للأفراد سوسييتيه جنرال وكريدي دو نور، بهدف إنشاء مصرف جديد يعد عشرة ملايين عميل.
وأضاف محللا "أليانز غلوبال إينفستورز" أنه على صعيد نشاطاتها كمصارف تمويل واستثمار، "يتحتم عليها اعتماد نهج دفاعي بمواجهة منافسة المصارف الأميركية التي تنتزع منها حصصا من السوق".
ومن المتوقع أن تتيح الأشهر القليلة المقبلة إيجاد أجوبة على بعض هذه الأسئلة، إذ تنشر مجموعة "بي بي سي أو" في حزيران/يونيو خطتها الاستراتيجية الجديدة للسنوات المقبلة، فيما تعرض سوسييتيه جنرال في منتصف أيار/مايو استراتيجيتها الجديدة بشأن مصرفها للتمويل والاستثمار.