نجحت رئيسة المفوضة الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، في ثاني اختبار لها هذا العام. فقد تمكنت في الصيف الماضي من دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق حول خطة الإنعاش الاقتصادي، التي جاءت بعد مفاوضات صعبة، وأفلحت في تجنيب الاتحاد الأوروبي وبريطانيا احتمال عدم التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقات التجارية لما بعد بريكست.
بعد الإعلان عن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، بأنه جاء "منصفا ومتوازنا"، مؤكدة أن المفاوضات التي دامت عشرة أشهر، كانت "جد صعبة" وكان "يجب خوض معركة من أجل ذلك الاتفاق"، الذي أتاح تفادي عدم التوصل إلى اتفاق مدمر لاقتصاديات الطرفين في نهاية العام.
هي أول امرة تتولى رئاسة المفوضية الأوروبية، اكتشف الكثيرون أنها أوروبية الهوى بعدما كانوا يشككون في أن ولاءها لألمانيا أولا. كانت في قلب خطة الإنقاذ الأوروبي وساهمت في فك عقد المفاوضات مع بريطانيا، كي يصار إلى طي ملف بريكست.
لم تتخل هذه الأم لسبعة أبناء، عن الابتسامة التي تميزها، هي التي كانت قبل توليها أمر المفوضية، وزيرة على التوالي للأسرة والعمل والشؤون الاجتماعية، والدفاع في بلدها ألمانيا، بدعم من المستشارة أنجيلا ميركل.
الكاريزما الطبيعية التي تعكس شخصيتها الهادئة تطمئن الكثير من الأوروبيين لدى أول امرأة في تاريخ الاتحاد الأوروبي تتولى أعلى منصب فيه، فهذه الطبيبة تتعاطى مع القضايا المعقدة كمن يتعامل مع مريض، بهدوء وابتسامة تنم عن ثقة. تلك الثقة التي تنتقل إلى محدثيها، خاصة أنها تتقن بالإضافة إلى لغتها الأم، اللغتين الفرنسية والإنكليزية.
الابتسامة التي تبديها والهدوء الذي يرشح من شخصيتها، لا يخفيان نوعا من الصرامة والقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، فقد عبرت عن رفض قاطع لـ"كورونا باوند"، التي دعا إليها الإيطاليون، وتصدت للنزعة المناوئة لأوروبا، التي استغلت الأزمة الصحية من أجل تبني تدابير مغرقة في الحمائية مثل هنغاريا.
لكن تدخلها في ظل الأزمة لم يخلُ من أخطاء، خاصة عندما اعتبرت أن الأشخاص المسنين، يجب أن يبقوا في الحجر مدة أطول من أجل تفادي تعرضهم للفيروس، الأمر الذي رأى فيه البعض نوعا من الإقصاء لهم، ودفعها إلى الاعتذار.
انتُقدت بسبب التدخل المتأخر من أجل مساعدة إيطاليا التي حاصرها الفيروس، اعتذرت للشعب الإيطالي باسم أوروبا، قبل أن تبادر إلى اتخاذ قرار يتمثل في إعفاء الدول من الامتثال للقاعدة المتمثلة في حصر العجز الموازني في حدود 3 في المائة، كما عمدت إلى تليين مقتضيات الدعم التي يتيح للدول تقديم مساعدات للشركات، ووضعت خطة بهدف تمويل البطالة الجزئية. وتركت للدول هامشا واسعا من أجل إنقاذ اقتصادياتها.
ولدت ببروكسل في عام 1960، التي مكثت بها حتى سن المراهقة، قبل أن تلتحق ببريطانيا وتدخل"مدرسة لندن للاقتصاد"، باسم مستعار، مخافة أن تختطف من الجماعات اليسارية المتطرفة التي كانت تستهدف أبناء العائلات الغنية. فقد هدد الجيش الأحمر باختطافها، ما فرض تمتعها بحراسة مشددة.
تزوجت بالعالِم هايكو فون ديرلاين، وشرعت في ممارسة الطب، قبل أن تهاجر بمعية زوجها إلى الولايات المتحدة، التي عادت منها إلى ألمانيا في عام 1996، حيث عملت باحثة متخصصة في الأوبئة في كلية الطب بهانوفر، وبدأ مسارها في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي كان والدها قياديا فيه.
نالت ثقة المستشارة أنجيلا ميركيل، التي اختارتها في 2005 وزيرة للأسرة، إذ راهنت عليها من أجل بلورة سياسة تساعد على زيادة الولادات في البلد، قبل أن تتولى أمر وزارة العمل بين 2009 و2013.
تولت أمر وزارة الدفاع في بلدها منذ 2013، بعدما كانت مرشحة لمنصب وزيرة الصحة. لم تكن مهمتها سهلة بوزارة الدفاع، خاصة عندما انتقدت ذلك السلوك غير السديد الذي يفضي إلى نوع من التضامن غير المبرر بين العسكريين، حيث واجهت ذوي النزعات العنصرية منهم. ومن المراقبين من شرع في توقع أن تسعى إلى تولي منصب المستشارية في المستقبل على هدي أنجيلا ميركل التي شكلت سندا كبيرا لها في مسارها السياسي.