أم الخسائر الإسرائيلية

10 أكتوبر 2023
فقدان الثقة بالأمان والازدهار والاستقرار سيكبد اقتصاد الاحتلال خسائر فادحة (Getty)
+ الخط -

كما ليس بعد الكفر من ذنب، أيضاً ليس بعد فقدان الثقة من خسائر، فهنا، الترميم والاستعادة صعبان ويحتاجان إلى زمن ودلائل، إن لم نقل إنهما مستحيلان.

إذ كل ما عدا خسارة الكيان الصهيوني ثقة العالم بأمنه وقوته ومناخه الاستثماري، واهتزاز ثقة سكانه بديمومة العيش بأمان، قابل للأخذ والرد والنقاش، ما دام العالم الديمقراطي، شمالي الكرة الأرضية برمته، يقف إلى جانب المحتل ويتوعد المقاوم الساعي لبعض بعض حقوقه المغتصبة، بالويل والثبور وعظائم العقاب والأمور.

قصارى القول: ربما السعي وراء تهاوي سعر الشيكل إلى أدنى سعر منذ عام 2016 وأسهم الشركات والسندات بالبورصة الإسرائيلية "تل أبيب" التي تتراجع وتهوي، هي مؤشرات آنية، حالها كحال ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والحجز الفندقي وأسعار بطاقات الطيران للهاربين من واقع متلبد ومرشح للمزيد. فالقصة هنا، عرض وطلب يتأثران بحدث متبدل وبمخاوف وحالات ترقب واستغلال.

كما أنّ البحث في خسائر البنى التحتية، من طرق وعقارات وسيارات ومقار شركات، قضايا فيها نظر، خاصة في مناطق غلاف غزة "سديروت، عسقلان وإيرز" وسواها، مما طاولتها صواريخ "القسام" أو لحقها الضرر جراء الاشتباك المباشر، بعد تسلل، ربما 1500 مقاتل فلسطيني، إلى عمق إسرائيل، في سابقة تعدت ما قيل عن بطولات المصريين حرب أكتوبر، قبل خمسين عاماً ويوم واحد.

وقلنا فيها نظر، لأن تراكم تلك الخسائر "الهائلة" قد لا تعوضه المساعدات الأورو-أميركية مباشرة، والأرجح، إن عوّضت، لن تعيد للمتضرر ثقته بأرض الميعاد والوطن الآمن البديل، خاصة إن امتدت الحرب ودخلت أطراف أخرى على خط وقيعة غير مسبوقة مرشحة لجميع الاحتمالات.

وحتى ما قيل وتوثّق، عن خسائر الإغلاقات على الصعد كافة، أو السياحة وتوقف الرحلات الجوية، بل وما يمكن أن يتفاعل بحال توسع أو استمرار الحرب، من تعطّل شركات عالمية أو إلغاء أحداث وتظاهرات، كقمة الذكاء الاصطناعي التي كانت ستستضيفها تل أبيب الأسبوع المقبل.

فهي، مجتمعة، موجعة لا شك، بيد أنها قابلة للترميم من دون تجاهل آثارها على الإنتاج والناتج، وبالتالي على الموازنة العامة وخطط وأهداف الكيان، لما تبقى من العام الجاري وحتى العام المقبل.

بيد أن غير القابل للتعويض أو من الصعوبة البالغة بمكان تعويضه فهو ثقة من تغرر بهم من يهود العالم، بأن "أرض الميعاد" هي الجنة الآمنة المطمئنة على الأرض، وليس من المستبعد، بعد "طوفان الأقصى"، أن تدفع إسرائيل ثمن هجرة الكفاءات والأموال.

وهي، دولة الاحتلال، تعاني أصلاً من تراجع الثقة والاستثمارات التي سجلت خلال الربع الأول من العام الجاري، تراجعاً بنسبة 60% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي 2022، وقت بلغت الاستثمارات الأجنبية نحو 28 مليار دولار.

ولعلّ ما يزيد من تراجع الثقة، التي أججها لا شك "طوفان الأقصى"، أن إسرائيل تعاني منذ أشهر طويلة من تعطيل ومظاهرات احتجاجية، بعد إقرار الكنيست قانوناً يحد من سلطات المحكمة العليا وتعظيم سطوة الحاكم، ضمن ما ادعته بإصلاح القضاء.

ما دفع، قبل الحرب الدائرة اليوم، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى توقع تباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي إلى 2.9% العام الجاري، بعد توقعات فاقت 3% واقتربت من 3.5% للعام المقبل وما بعده.

وليس من المستبعد أن نرى هروباً لاستثمارات أو نقلاً لها والبقاء على تمثيل مكتبي بإسرائيل، في حال خفضت وكالة "موديز" من تصنيف إسرائيل الائتماني باجتماعها الأسبوع المقبل، أو تطورت الحرب بدخول أطراف جديدة، إن بلبنان أو سورية، أو حتى إيران، ما يزيد من المخاوف، بعد التشكيك في الأمن الإسرائيلي وصفعة الاختراق والتشويش التي أحدثتها صفعة كتائب القسام.

نهاية القول: بقليل من التأمل في خريطة الشرق الأوسط، بعد زرع هذا الكيان المحتل عام 1948، تتّضح استحالة تطور إسرائيل بل واستمرارها، بمنأى عن محيطها العربي، المحيط الذي تلقى منها، بعد التمزيق والاستمالات، كدمات وأوجاعاً، عبر اغتصاب الأرض والقصف والحصار والتجويع.

بل والمتابعة أخيراً، عبر تضليل أمن المنطقة واللعب على "حل التطبيع" وهو ربما مربط الفرس اليوم، بعد الحقيقة التي عرّاها مقاومو غزة وكشفت للعالم بأسره. إن على صعيد التفوّق الذي لا يضاهى أو القوة التي لا تقهر أو حتى المناخ مضمون العائد والأرباح.

وربما من الخسائر التي لن تعوّض للكيان المغتصب، فضلاً عن اهتزاز ثقة قاطنيه والمستثمرين حول العالم، هو عودة الصواب للمطبعين العرب أو الذين كانوا يحضرون لصفقات التطبيع، فجمّدوا المشاريع وأوقفوا الهرولة وأعادوا النظر، بعد رؤيتهم دولة الأمن والقوة على حقيقتها، بحال رفع عنها الغطاء الأميركي، ولو قليلاً.

إلا إذا وقف المطبعون ضد أبناء انتمائهم وعروبتهم مع إسرائيل، فبلسموا جراحها ودعموها بالمال وساقوا مع من يسوّق حملة تضليل دفاعها عن نفسها.. وشيطنة أصحاب الأرض والحقوق!

المساهمون