أميركا تُصعّد حرب التكنولوجيا ضد الصين... وبكين تحذّر من "فك الارتباط"

14 اغسطس 2023
الرقائق الإلكترونية شريان الحياة للاقتصاد العالمي الحديث (Getty)
+ الخط -

بعد أيام قليلة من توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، أمراً تنفيذياً يهدف إلى منع الاستثمارات الأميركية الجديدة من العمل في قطاع التقنيات الحساسة في الصين، لوحت بكين بأوراق تشير إلى صعوبة "فك الارتباط"، وهو ما أشارت إليه تقارير غربية ومسؤولون في شركات عالمية عاملة في قطاعات التكنولوجيا، لا سيما الرقائق الإلكترونية.

ويبدو أن عمالقة الرقائق الإلكترونية الأميركيين، سيكونون أكثر انزعاجاً من القيود الأميركية الجديدة، إذ ذكرت وكالة بلومبيرغ أن عمالقة الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة كانوا يضغطون للحد من القيود المفروضة على عملياتهم في الصين منذ أشهر، ويحثون الحكومة على ممارسة ضبط النفس، وتقييم تأثير القيود في اجتماع عقد مؤخراً في البيت الأبيض.

وحذر الرؤساء التنفيذيون لثلاثة تكتلات رقائق محلية، هي "نفيديا"، و"كوالكوم"، و"إنتل"، من "ثقل وطأة ضوابط التصدير الأكثر شمولاً في الولايات المتحدة حتى الآن".

تشكل البلدان الخاضعة لشكل من أشكال العقوبات الأميركية، مجتمعة، ما يزيد قليلاً عن خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل الصين 80%؜ من تلك المجموعة

وتعتبر العديد من شركات صناعة الرقائق الأميركية الصين أكبر سوق لها. وتشير إحصاءات، أوردتها وكالة شينخوا الصينية، أمس الأحد، إلى أن الصين تستحوذ على حوالي 25% من مبيعات "إنتل"، و20% من "نفيديا"، و60% من مبيعات "كوالكوم".

كما نقلت بلومبيرغ عن تقارير تفيد بأن الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، بات جيلسينجر، أخبر كبار المسؤولين الأميركيين أنه "بدون طلبات من العملاء الصينيين، ستكون هناك حاجة أقل بكثير للمضي قدماً في مشاريع مثل مجمع مصنع إنتل المخطط له في أوهايو".

وأعربت الصين عن معارضتها، بعد وقت قصير من إعلان الحظر الأميركي، الأربعاء الماضي. وقالت وزارة التجارة الصينية إن الولايات المتحدة قيدت استثمارات شركاتها الموجهة نحو الخارج، ودفعت باتجاه "فك الارتباط" في قطاع الاستثمار، تحت ستار "إزالة المخاطر"، وهو انحراف كامل عن مبادئ اقتصاد السوق والمنافسة العادلة التي طالما ادعت الولايات المتحدة بأنها تدافع عنها.

وأضافت أن الأمر أثر في تشغيل الشركات وآلية صنع القرار لديها، وقوض التجارة الدولية، وعطل بشدة أمن سلاسل الصناعة والتوريد العالمية.

وتخشى الولايات المتحدة من توسّع الصين في الاستحواذ على التقنيات المتقدمة. ولا يمكن لبكين أن تنتزع زعامة العالم من واشنطن، حتى لو تفوقت عليها في حجم إجمالي الناتج المحلي، ما لم تحسم معركة الرقائق الإلكترونية.

وتصاعدت حرب الرقائق بين بكين وواشنطن العام الماضي، عندما فرضت الولايات المتحدة قيوداً على حصول الصين على الرقائق المتطورة، ومعدات صناعة الرقائق والبرمجيات المستخدمة لتصميم أشباه الموصلات.

كما أدرجت واشنطن شركات صينية على لائحة سوداء، من بينها شركة "يانغتسي ميموري تكنولوجيز" المنافسة لشركة "ميكرون".

وبرّرت واشنطن قرارها حينذاك بمخاوف تتعلق بالأمن القومي، وقالت إنها تريد منع القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات الصينية من الحصول على "تقنيات حساسة ذات استعمالات عسكرية". وسبق أن فرضت الولايات المتحدة قيوداً على مبيعات منتجات الشركات المحلية المعنيّة في الخارج.

شريان الحياة للاقتصاد العالمي

كما تسعى إلى إقناع حلفائها الرئيسيين بأن يحذوا حذوها. والرقائق هي شريان الحياة للاقتصاد العالمي الحديث، فهي تستخدم في تشغيل كل شيء من السيارات إلى الهواتف الذكية، ومن المتوقع أن تصبح صناعة بقيمة تريليون دولار على مستوى العالم بحلول عام 2030.

وتظهر حيوية هذه الصناعة في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتي تعتمد على إمدادات ثابتة من الرقائق الأجنبية في تصنيع الإلكترونيات.

وعام 2021، استوردت الصين أشباه موصلات بقيمة 430 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر مما أنفقته على استيراد النفط.

وبينما انصب تركيز حلفاء واشنطن في السابق على حظر بيع الرقائق المتطورة إلى الصين، فإن البعض قد يسير على النهج الأخير الذي تبنته إدارة بايدن المتعلق بحظر الاستثمارات في شركات التقنية الصينية.

وفي بيان صدر بعد وقت قصير من إعلان بايدن، قال متحدث باسم حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك: "ستنظر المملكة المتحدة في هذه الإجراءات الجديدة باهتمام شديد، في حين نواصل تقييم المخاطر المحتمَلة على الأمن القومي المرتبطة ببعض الاستثمارات".

محاصرة الصين تقنياً

وليست المملكة المتحدة وحدها من يدرس كيفية التعامل مع الصين، فقد قالت المفوضية الأوروبية أيضاً إنها ستحلل الأمر الذي أصدره بايدن، وتخطط لاقتراح مبادرتها الخاصة نيابة عن أعضاء الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام. لكن الصين حذرت من أنها "ستحمي مصالحها الخاصة".

لكن محاصرة الصين تقنياً وفك الارتباط معها، سواء أميركا أو أوروبياً، تبدو أمراً معقداً، وستكون فاتورتها باهظة على الجميع. ففي نهاية يوليو/ تموز الماضي ردت الصين على القيود التي تقودها الولايات المتحدة على مبيعات أشباه الموصلات من خلال تقييد صادرات الغاليوم والجرمانيوم، وهما معدنان يستخدمان في صناعة الرقائق ومعدات الاتصالات. كما منعت بكين مشغلي البنية التحتية الرئيسية في الصين من شراء الرقائق من منافستها الأميركية ميكرون.

وقبلها بعثت بكين من خلال زيارة هي الأولى من نوعها للرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى مصنع شركة "إل جي" الكورية الجنوبية في قوانغتشو جنوب الصين في إبريل/ نيسان الماضي، برسائل تحذيرية إلى الدول التي قد تصطف إلى جانب الولايات المتحدة في محاولة محاصرة الصين تكنولوجياً.

واختارت بكين نموذج كوريا الجنوبية التي تستفيد بشكل كبير من علاقاتها التجارية مع الصين وكذلك اعتمادها عليها في سلاسل التوريد. وفي عام 2022، ذهب أكثر من نصف شحنات الرقائق الكورية الجنوبية إلى الصين.

كما سجلت التبادلات التجارية بشكل عام بين البلدين أكثر من 300 مليار دولار العام الماضي، إذ شكلت الصين أكثر من ربع صادرات كوريا الجنوبية، بينما استحوذت الولايات المتحدة على أقل من 15% من إجمالي صادرات رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وفق بيانات أوردتها صحيفة فاينانشال تايمز في وقت سابق من أغسطس/آب الجاري.

وفي تقرير لـ"وول ستريت جورنال" مؤخراً، ذكرت الصحيفة الأميركية أن العديد من الشركاء التجاريين، البدلاء عن الصين، الذين توسع واشنطن تجارتها معهم متشابكون بعمق مع الصين، مشيرة إلى أن محاولة إدارة بايدن، قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين، أثبتت صعوبة في التنفيذ.

عام 2021، استوردت الصين أشباه موصلات بقيمة 430 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر مما أنفقته على استيراد النفط

وبحسب الصحيفة فإن فصل دور الصين في سلاسل التوريد العالمية، حتى في المناطق المحدودة، بعيد كل البعد عن الوضوح. وقالت إن حصة واردات السلع الأميركية من الصين تراجعت في السنوات الأخيرة، بينما توسعت مع دول آسيوية أخرى، مضيفة أن العديد من هؤلاء الشركاء التجاريين البديلين مثل فيتنام أو كوريا الجنوبية هم أنفسهم متشابكون بعمق مع الصين.

فشل العقوبات الأميركية

وحذر كريستوفر ساباتيني، وهو كبير باحثي أميركا اللاتينية في معهد "تشاتام هاوس"، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في يوليو/تموز، من فشل العقوبات الأميركية التي تفرضها واشنطن على دول العالم.

وبحلول عام 2021، كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على أكثر من 9000 فرد وشركة وقطاع من اقتصادات الدول المستهدفة. وفي عام 2021، وهو العام الأول لبايدن في منصبه، أضافت إدارته 765 اسماً جديداً إلى العقوبات، على مستوى العالم.

وتشكل البلدان الخاضعة لشكل من أشكال العقوبات الأميركية، مجتمعة، ما يزيد قليلاً عن خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل الصين 80%؜ من تلك المجموعة.

وأشار المقال إلى أنه على "صنّاع السياسة الأميركية أن يفهموا أن العقوبات لا تنجح في بعض الأحيان، وأنها تقوض المصالح الأميركية، في كثير من الحالات".

المساهمون