أميركا تكشر عن أنيابها للصين

06 أكتوبر 2021
الصادرات الصينية تقلق الولايات المتحدة (Getty)
+ الخط -

قبل ثلاثة أشهر من انتهاء فترة العامين التي تعهدت الصين بشراء ما تصل قيمته إلى مائتي مليار دولار من المنتجات الأميركية الإضافية خلالهما، اعتبرت الولايات المتحدة أن بكين لم تف بتعهداتها في ما يخص اتفاق المرحلة الأولى الذي وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب أواخر عام 2019، وبدأ تطبيقه اعتباراً من أول يناير/ كانون الثاني من العام الماضي.

والأسبوع الماضي قدر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، الذي دأب على متابعة تطور واردات الصين من الولايات المتحدة منذ منتصف العام الماضي تقريباً، نسبة إنجاز الصين لتعهدها في الاتفاق حتى نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي بما لا يتجاوز 62%، حيث استوردت ما قيمته 89.4 مليار دولار من أصل قيمة 129.9 مليار دولار كان يفترض الوصول إليها في هذا التوقيت.

وتأتي الخطوة الأميركية التي أعلنتها كاثرين تاي، الممثلة التجارية للولايات المتحدة، صينية الأصل، يوم الإثنين، في كلمة ألقتها خلال جلسة استجواب أمام مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن، ضمن جهود واشنطن الهادفة للبحث عن الطريقة المثلى للتعامل مع الصين وممارساتها التي تعتبرها أميركا لا تتماشى مع حرية الأسواق، وتشمل الكثير من الدعم الحكومي للشركات الصينية.

وأعلنت تاي، التي تولت المنصب في شهر مارس/ آذار الماضي، عن استراتيجية الرئيس جو بايدن للرد على إخلال الصين بشروط الاتفاق، التي تشمل البحث عن أدوات للضغط، في إشارة ربما للتوجه نحو فرض المزيد من التعرفات الجمركية على الصادرات الصينية للولايات المتحدة، رغم أنها تجنبت التهديد المباشر بفرض تعرفات جديدة، مؤكدة أنها لم ترد إثارة المزيد من التوترات التجارية.

تنامي العداء الأميركي للصين منذ ظهور فيروس كوفيد-19 وانتشاره في الولايات المتحدة، خاصة مع تزايد أعداد الوفيات التي تجاوزت الآن سبعمائة ألف حالة وفاة، وأيضاً بسبب القيود التي فرضت وما زالت على شعب اعتاد التمسك بحرياته في كل المجالات.

وحالياً يشعر الأميركيون بأن الصين هي المتسبب الرئيسي في كافة المشكلات التي يواجهونها، فمن ناحية تسبب اضطراب سلاسل الإمداد القادمة من الصين في تأخر، وربما انقطاع، وصول أشباه الموصلات التي تدخل في صناعة كل شيء تقريباً حالياً، فارتفعت الأسعار وزاد معدل التضخم، وتراجع الإنتاج بعد إغلاق عدد كبير من المصانع، وانخفضت معدلات التوظيف. ومن ناحية أخرى، ما زال الفيروس القادم من الصين، بمتحوراته، يتسبب في فقدان أقارب وأصحاب بصورة شديدة الإيلام كما يراها كثير من الأميركيين.

وفي إطار منافستها الشرسة مع الصين، استعانت الولايات المتحدة بحلفائها في أوروبا الغربية، حيث أطلقت، الأسبوع الماضي، شراكة تجارية تكنولوجية جديدة معهم، تقوم أساساً على حجب الابتكارات التكنولوجية الهامة الجديدة عن الصين، والاستغناء عنها تماماً في تصنيع أشباه الموصلات، مع وضع قواعد موحدة لتنظيم عمل شركات التكنولوجيا الكبرى.

وتروج الولايات المتحدة لاستراتيجيتها لدى الحلفاء الأوروبيين من خلال ترسيخ الربط بين مفهومي الأمن القومي والنمو الاقتصادي.

وقال مسؤولون من الجانبين، في بيان: "ننوي التعاون لتشجيع النمو الاقتصادي المشترك بما يصب في مصلحة العمال على الجانبين من المحيط الأطلسي".

وتحاول إدارة بايدن من خلال إطلاق مثل تلك المبادرات رأب الصدع في العلاقات الأميركية الأوروبية الذي تسبب به ترامب من خلال سياساته التي كان شعارها "أميركا أولاً"، لضمان بناء حائط صد قوي في مواجهة محاولات المد الصيني.

وقال أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إن بلاده "تعمل على تقوية وعزل الديمقراطيات الغربية بفضائها الاقتصادي عن الأنظمة السلطوية".

تحاول الولايات المتحدة الضغط بكل الأوراق المتاحة لها على المنافس الأكبر لها في العالم اقتصادياً خلال العقدين الأخيرين على الأقل، وسياسياً أيضاً خلال السنوات الأخيرة، حتى أن المخابرات الأميركية أعلنت بوضوح أن الصين أصبحت الآن وفقاً لبعض المقاييس، الاقتصاد الأكبر في العالم، وأنها أزاحت الولايات المتحدة عن القمة.

وخلال فترة وجيزة، ربما يتم استبعاد عدد كبير من الشركات الصينية من التداول في البورصات الأميركية، بحجة عدم الالتزام بالمعايير المحاسبية الأميركية.

ومن المتوقع أن يتسبب الإجراء في تسريع فصل أكبر اقتصادين في العالم ويؤثر على المستثمرين، في البلدين، ممن يمتلكون أسهماً في أكثر من 200 شركة صينية مدرجة في الولايات المتحدة بقيمة سوقية مجمعة تبلغ حوالي 2 تريليون دولار.

ولا تبالي الولايات المتحدة بخروج بعض السيولة من السوق الأميركية وذهابها إلى بورصة هونغ كونغ، لهثاً وراء الشركات الصينية الواعدة، وتجنباً لأي خسائر قد تتسبب بها الإجراءات الأميركية العنيفة تجاه الصين وشركاتها.

هي الحرب معلنة إذاً، وليست حرباً باردة كما يقول البعض. ويوم الإثنين، وبعد توقف خدمات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بشركة فيسبوك والشركات التابعة لها لمدة ست ساعات تقريباً، كان الهم الأكبر والشغل الشاغل لجهات التحقيق في واشنطن هو التأكد من أن ما حدث لم يكن صيني المنشأ، كأغلب الكوارث والبضائع الموجودة في أميركا حالياً.

ورغم الهدوء البادي في أغلب الأحوال على الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلا أنه غير مستسلم للهجمات الأميركية، وبخلاف توسيع نفوذه في الكثير من المناطق في أفريقيا وآسيا وأوروبا، نسمع كثيراً عن تحركات استفزازية للولايات المتحدة في أشياء يظن البعض أنها بعيدة عنها تماماً.

وأخيراً، حلقت القوات الجوية الصينية بأكثر من 50 طائرة بالقرب من تايوان، هي الأكبر في سلسلة من التوغلات في المجال الجوي للبلاد. وخلال الأيام الأربعة الأخيرة، دخلت حوالي 150 طائرة صينية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية، في تكرار لخطوات ترهيب استخدمها الحزب الشيوعي الحاكم بصورة متكررة خلال العام الماضي لتذكير الجزيرة المستقلة بأن الصين تعتبرها جزءاً من أراضيها السيادية.

لا تبدو الأمور مرشحة للتهدئة بين العملاقين في المستقبل المنظور، وعلى العكس تشير الدلائل إلى احتمالات تصعيد كبيرة، سيتم استخدام كل ما يتاح من أسلحة فيها، قبل الوصول إلى مواجهة عسكرية، حتى وإن كانت بالوكالة.

المساهمون