مع اندلاع الثورة السودانية في نهاية 2018 حلم السودانيون بغد أفضل وحياة كريمة وعدالة اجتماعية واكتفاء ذاتي من السلع الأساسية كالأغذية والزيوت، فإذا بالمشاكل والأزمات المعيشية تتفاقم يوماً بعد يوم دون أن تكون هناك بارقة أمل في انفراجة قريبة، حيث يعاني السودان أزمات متجددة في رغيف الخبز والدقيق والوقود وغاز الطهي، بسبب ندرة النقد الأجنبي وتهاوي سعر صرف الجنيه إلى مستويات قياسية أمام الدولار.
وبدلاً من أن يجد المواطن سلطة تحنو عليه بعد سنوات طويلة من الحرمان والجوع والفقر المدقع والبطالة والفساد المالي في فترة حكم عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في 2019، إذ بحكومة تفرض برنامجاً تقشفياً لم تعرفه البلاد والمواطن من قبل، حيث تم إلغاء دعم الوقود سواء المقدم للبنزين أو السولار وتحرير أسعارهما، وزيادة أسعار كل السلع والخدمات.
كما تواصلت طوابير المواطنين أمام محطات الوقود وأفران الخبز، ومعها تواصل انهيار العملة المحلية، وتفاقمت الأزمات الاقتصادية والمالية وعجز الموازنة، ومن المتوقع أن تزيد قسوة هذا البرنامج التقشفي في حال توصل حكومة عبد الله حمدوك، وهي أول وزارة يتم تشكيلها بعد الثورة، لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض ضخمة منه، ساعتها سيتم تعويم سعر الجنيه السوداني، وإلغاء معظم أنواع الدعم الحكومي بما فيها تلك المقدمة للكهرباء والماء والغاز الطبيعي، مع فرض مزيد من الضرائب والرسوم الحكومية، وهو ما أدى لحدوث ارتفاع في تكاليف الحياة، خاصة الأغذية والمشروبات والوقود.
وبعد أن انتظر السودانيون المن والسلوى، فإذا بهم يواجهون أعلى معدل تضخم في العالم بلغ 254.23% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بزيادة 24.49% خلال شهر واحد.
ومع نجاح الثورة السودانية حلم الثوار بتحقيق بلدهم الزراعي اكتفاء ذاتياً من القمح والأغذية واللحوم، فإذا بالسودان، التي يطلق عليها البعض سلة غذاء العرب، تتسول الغذاء من دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة والإمارات وبرنامج الأغذية العالمي وغيرها من دول العالم.
فقد أعلنت الولايات المتحدة، قبل أيام، عزمها منح 20 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي، لشراء القمح وتوفيره لشعب السودان، للمساعدة على تخفيف نقص القمح في البلاد. وهذا المبلغ سيُمكن السودان من شراء نحو 65.6 ألف طن متري من القمح. كما ستمول صفقات شراء قمح أخرى بقيمة 25 مليون دولار.
كذلك أعلنت الإمارات دفع 20 مليون دولار أخرى، لتمويل صفقات شراء قمح للسودان. بينما تساهم حكومة إسرائيل بمبلغ 5 ملايين دولار لذات الهدف. ونهاية شهر أكتوبر الماضي خرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليؤكد نية بلاده تزويد السودان بحبوب القمح، بعد إعلان البلدين أنهما اتفقا على تطبيع العلاقات.
السودان الذي يتسول القمح والذرة والغذاء من أصقاع الأرض يمتلك أكثر من 280 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، ولديه خبرة في مجال الزراعة تزيد عن أكثر من 10 آلاف سنة، ولديه أيدٍ عاملة رخيصة، والأهم امتلاكه ثروة مائية قلما تتوفر في بلد عربي.