أليس هناك سقف للديون المصرية؟

31 مايو 2023
تهاوي الجنيه تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير (فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت أزمة العملة الأجنبية التي تعانيها مصر منذ ما يقرب من عام ونصف تحظى باهتمام وسائل الإعلام ووكالات الأنباء ومراكز الأبحاث الغربية، وقليلٍ من البنوك والمؤسسات المالية. من ناحية بسبب الأهمية التاريخية والجغرافية والاستراتيجية لمصر، رغم ما ظهر مؤخراً من تراجع هذه المكانة، ومن ناحية أخرى بسبب التطورات التي مر بها الاقتصاد المصري منذ اتفاقه مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

وقبل أسبوعين، ظهر وزير المالية المصري محمد معيط، قليل الحيلة، في أشهر برنامج تلفزيوني مصري، يقدمه أشهر مذيع مصري، ولكن على قناة سعودية التمويل والأهواء، ليعلن اندهاشه واستياءه من كثرة التقارير المنشورة عن الاقتصاد المصري، متسائلا عما إذا كانت الحالة المصرية هي الشغل الشاغل لكل هذه الوكالات والمراكز، ومؤكداً وجود غرض وراء هذا التعرض المتكرر للحالة المصرية.

لا أعرف إن كانت تساؤلات الوزير صادقة بهدف معرفة ما خفي عليه أم أنه يعرف الإجابة. لكن في كل الأحوال، سأوضح لمعاليه أن كل الجهات التي يتحدث عنها تتابع الحالة المصرية، لأنها ترى أن الدولة التي لديها سواحل شاطئية رائعة الجمال بطول البلاد وعرضها، وبها أكثر من ثلث آثار العالم، وقناة السويس، أهمم ممر مائي في العالم، ونهر النيل، وكانت في مرحلة تاريخية معينة تتحكم في خزائن الأرض، تحولت في ست سنوات فقط من دولة غير مدينة لصندوق النقد الدولي على الإطلاق، إلى ثاني أكبر مقترض منه، وما زالت تتعثر.

هذه الدولة، ورغم ما حصلت عليه من عشرات المليارات من الدولارات من المنح والمساعدات والقروض من حلفائها الخليجيين، خلال الست سنوات، عجزت في نهايتها عن الوفاء بقيمة ما يحتاجه شعبها من قمح يأكله، حتى أن وزير التموين علي مصيلحي صرح بأنه يعمل على تأجيل مدفوعات القمح، حتى لا يزيد من الضغوط على التزامات البنك المركزي المصري.

هي حالة فريدة إذاً، جديرة بجذب انتباه القاصي والداني، دون أن يكون هناك أغراض أو دوافع خافية علينا. وفي هذا السياق، نشرت وكالة بلومبيرغ الأميركية الأسبوع الماضي تقريراً، تساءلت في بدايته عمن سيأتي أولاً: خفض جديد للعملة المصرية، أم موجة من الاستثمارات الخليجية؟

قالت الوكالة إن مصر تسابق الزمن لحل هذه المعضلة، مشيرة إلى أن بلد المائة وعشرة ملايين نسمة يحتاج إلى تأمين اقتصاده، قبيل مراجعة صندوق النقد الدولي لاقتصاده الذي يعاني من أزمة مالية خانقة، أجبرت السلطات على تأجيل المراجعة من مارس/آذار كما كان مقرراً، إلى يوليو/تموز.

أكدت بلومبيرغ أن مصر تستهدف تحقيق صفقات أجنبية بقيمة ملياري دولار قبل نهاية يونيو/حزيران. أوضحت الوكالة أن الدولة تبذل قصارى جهدها لبيع أصولها المختلفة، من بنوك إلى محطات طاقة وشبكة محطات الوقود المملوكة للجيش، لحلفائها من المشترين المحتملين، كالمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، الذين تعهدوا بضخ بمليارات الدولارات لمساعدة مصر على تجاوز أزمتها الاقتصادية.

لكن المشكلة، تقول بلومبيرغ، أن هؤلاء المستثمرين يريدون أن يروا العملة المحلية، التي فقدت حتى الآن ما يقرب من نصف قيمتها، تضعف أكثر، قبل أن يفتحوا صنابير الدولارات. وتحتاج الدولة المأزومة إلى النقد الأجنبي من تلك الصفقات قبل أن تسمح بخفض العملة، حتى لا يغرق الجنيه كما حدث في ثلاث مرات سابقة، خلال الخمسة عشر شهراً الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى تسارع التضخم وتجاوزه 40% الشهر الماضي.

يمثل هذا المأزق أزمة ملحة لمصر، أحد أكبر مستوردي القمح، والتي انزلقت من أزمة لأخرى، بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا.

أشارت بلومبيرغ إلى أن الدول البترولية الثلاث كانت قد هرعت لمساعدة مصر بمبلغ 13 مليار دولار، في صورة ودائع لدى البنك المركزي المصري العام الماضي، إلا أنها جميعاً أعلنت أن المزيد من المساعدة سيأتي من خلال الاستثمارات التي تحقق عوائد، وأن زمن المنح والودائع قد ولى بلا رجعة.

يضع ذلك عبئا على مصر، التي تعاني أسوأ أزمة للعملات الأجنبية في تاريخها على الأرجح، وتسعى لإعداد صفقات جذابة، حيث تعرض أجزاء من 32 شركة على الأقل للبيع في المزاد، وباعت هذا الشهر حصة 9.5% من الشركة المصرية للاتصالات، بقيمة 121 مليون دولار.

وتمنع توقعات حدوث تراجع كبير جديد في قيمة الجنيه المشترين المحتملين من التحرك لشراء الأصول المصرية، ولِمَ يفعلون وهم يدركون أن تأخير الخطوة سيقلل بالتأكيد من تكلفة شرائهم للأصول!؟

تقول مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري إن أحد الحلول يمكن أن يكون في تنفيذ البيع بسعر أقل من القيمة الحقيقية، للتعويض عن القوة النسبية للجنيه. وأردفت أن تحديد سعر صرف حاص للجنيه المصري مقابل الدولار، لتنفيذ صفقات بيع الشركات المصرية لـ"الخلايجة" يمكن أن يكون حلاً آخر، رغم تأكيدها أن "جذب الاستثمار الأوسع سيظل بحاجة إلى مزيد من الخفض في قيمة الجنيه".

وأدى الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه المصري، الذي حدث على مدار الأشهر الخمسة عشر الأخيرة، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، مما أدى إلى تفاقم معاناة المستهلكين، وتسبب في العديد من المشكلات الاجتماعية للأسر المصرية.

وصرحت مصادر مطلعة لبلومبيرغ بأن السلطات المصرية تحرص على جمع العملة الصعبة قبل أي تخفيض إضافي لقيمة الجنيه، حتى تتمكن من تلبية طلب السوق على الدولار وتجنب ارتفاع سعر الصرف.

المؤسف في الأمر هو أن كل ذلك يجري "طبخه" من أجل إنقاذ الموقف الحالي، لكن أحداً لا يخبرنا عما سيكون عليه الحال بعد أن نحل الأزمة الحالية من خلال الاقتراض وبيع الأصول، فماذا عسانا نفعل بعد إتمام البيع؟ هل نقترض مجدداَ؟

أولا يوجد سقف للديون المصرية، كما هو الحال في أميركا التي صدعنا الحديث عن سقف ديونها على مدار خمسة أشهر؟! أم أن لهم السقف ولنا الله؟

المساهمون