بدأت حكومة تونس، أمس الاثنين، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على أكبر قرض في تاريخ البلاد، في ظل تقييمات مختلفة حول قدرتها على إقناع إدارة الصندوق بالحصول على المبالغ المطلوبة لسداد عجز قياسي في الموازنة وحاجيات تمويلية من القروض الخارجية فاقت الـ7 مليارات دولار.
وقال رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، الأسبوع الماضي، في تصريح لوكالة "رويترز"، إن بلاده تنوي طلب 4 مليارات دولار من الصندوق، في إطار برنامج التعاون الجديد الذي بدأت المفاوضات بشأنه، الاثنين، في واشنطن، مفسرا ذلك بالحاجيات التمويلية الكبيرة للميزانية.
وأضاف أن برنامج التمويل الجديد سيمتد على ثلاث سنوات، مقابل حزمة إصلاحات اقترحتها الحكومة بهدف إنعاش اقتصادها العليل. وتلجأ تونس، للمرة الرابعة منذ استقلال البلاد، إلى صندوق النقد الدولي، للحصول على تمويلات مقابل الإصلاح الاقتصادي، فيما يعد المبلغ الذي تنوي الحكومة اقتراضه الأعلى في تاريخ البلاد.
وتعود تونس إلى الصندوق بعد نحو 5 سنوات من اتفاق قرض الصندوق الذي وقّعته حكومة الحبيب الصيد في مايو/أيار 2016 بقيمة 2.9 مليار دولار، لم تحصل منه البلاد سوى على 1.7 مليار دولار، بسبب تعليق الصندوق للتعاون عام 2019، في ظل الانتخابات المبكرة التي فرضتها وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
وقال وزير المالية السابق والخبير المالي، سليم بسباس، إن تونس تتفاوض مع الصندوق حول أكبر برنامج تعاون مقارنة بالبرامج السابقة، بسبب الحاجيات التمويلية الكبرى واختلاف الظرف الاقتصادي للبلاد، مشيرا إلى أن أقصى مبلغ تمكنت تونس من سحبه من الصندوق كان في حدود 1.7 مليار دولار، في إطار الاتفاق الموقّع عام 2016.
وأضاف بسباس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تونس تعاونت في 3 مناسبات منذ استقلالها مع صندوق النقد الدولي، وذلك في سنوات 1986 و2013 و2016، ليكون التعاون الجديد الرابع من نوعه.
ولم يسبق لتونس، بحسب وزير المالية السابق، أن طلبت قرضا بقيمة 4 مليارات دولار من أي مؤسسة قرض أخرى، مشيرا إلى أنه لم يتسنَّ استكمال برنامجي التعاون الموقعين عامي 2013 و2016، بعد قرار من الصندوق بتعليقهما بسبب الظروف السياسية في البلاد.
واعتبر بسباس أن أهمية تحصيل اتفاق مع صندوق النقد الدولي تكمن في فتح باب التمويلات لتونس للحصول على قروض جديدة تحت غطاء الصندوق الذي يمثل ضمانة أساسية لبقية الممولين وشركاء تونس الماليين، بحسب قوله.
وتتوقع تونس، بعد إتمام الاتفاق مع صندوق النقد، التمكن من سحب أول قسط في يونيو/حزيران القادم، لتنطلق في تعبئة باقي الموارد التي تحتاجها الموازنة وتنفيذ بنود الاتفاق الذي يفرض إصلاحات موجعة، من بينها رفع الدعم عن الغذاء والمحروقات وتجميد الرواتب.
ويعتبر الخبير الاقتصادي آرام بالحاج، أن تونس لن تتمكن من الحصول على 4 مليارات دولار من الصندوق، معتبرا أن السيناريو الذي اشتغلت عليه الحكومة جد متفائل، وقد يقود الوفد المتفاوض إلى تقديم تنازلات كبيرة بسبب الضعف في إعداد ملف القرض. وقال بالحاج إن برامج تمويل صندوق النقد الدولي متعددة ومختلفة من بلد إلى آخر، ولكن البرنامج الوحيد القادر على توفير تمويلات هامة لتونس هو "تسهيل الصندوق الممدد"، وهذا الصنف من البرامج يمكن أن يصل فيه سقف التمويل إلى 435% من حصة البلد في الصندوق.
وأكد بالحاج، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن حصة تونس في صندوق النقد الدولي تُقدر بـ750 مليون دولار، وبالتالي فإن الحد الأقصى من التمويلات التي يمكن الحصول عليها هو 3.2 مليارات دولار على أربع سنوات، من دون اعتبار التسديدات المستوجبة على تونس في إطار القروض القديمة.
ورجّح ألا يتجاوز الاتفاق النهائي 2.5 مليار دولار على أقصى تقدير، بحسب الفرضيات العلمية التي اشتغل عليها خبراء الاقتصاد والمالية وطرق العمل داخل مؤسسات القرض. وتثير المفاوضات الجديدة مع الصندوق قلق المجتمع المدني في تونس الذي انتقد اللجوء المكثف للصندوق في السنوات العشر الأخيرة.
وقال منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أمس الاثنين، في بيان له، إن الاقتراض المتواتر من صندوق النقد لم يساعد على تحسين الأوضاع المعيشية للتونسيين، بل إن وضعهم يزداد سوءا مع كل برنامج جديد. واعتبر المنتدى أن القوى المحتكرة للثروة وللسلطة والمستفيدة من الغنائم والمكاسب غير المشروعة والمسؤولة عن الأوضاع المنهارة، هي التي تتسارع قبل غيرها للدفع نحو اللجوء إلى الصندوق وتعتبره المخرج الوحيد لتجاوز الأزمة، التي تقود حتما إلى التنامي المتصاعد للمديونية العمومية وإلى ارتهان متزايد للسيادة.
وانتقد المنتدى محاولة الأطراف الأجنبية جاهدة لحشر المنظمات المهنية (الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة رجال الأعمال) في المفاوضات الجديدة، بحثا عن تحقيق ضمان أكثر لتطبيق إملاءاتها وشروطها.