أفغانستان تواجه عزلة دولية وأزمة الوقود تتفاقم في كابول

23 اغسطس 2021
محطات الوقود في كابول تعاني من قلة الزبائن بعد ارتفاع الأسعار (Getty)
+ الخط -

وسط عدم اعتراف دولي حتى الآن بحركة طالبان وتجميد أرصدة أفغانستان في الولايات المتحدة، تتفاقم أزمة الوقود في البلاد وتصبح أولى المعضلات التي تواجهها الحركة التي سيطرت على مقاليد الأمور منذ يوم الأحد قبل الماضي.

وتختفي المشتقات البترولية من بنزين وسولار مع ارتفاع أسعارها، وفق العديد من أصحاب سيارات الأجرة ومحطات الوقود الذين حكوا لـ"العربي الجديد" عن معاناتهم من النقص في الوقود وغياب الزبائن.

في هذا الشأن، يقول حاجي دين محمد، من سكان مديرية نجراب بإقليم كابيسا الذي يسكن حالياً في كابول، إنه توقف عن استخدام سيارة الأجرة التي يملكها منذ ثلاثة أيام بسبب ارتفاع أسعار الوقود، حيث لم يتمكن من كسب الدخل اليومي الكافي لشراء الاحتياجات اليومية لعائلة رغم عناء يوم طويل.

ومنذ أن سيطرت طالبان على كابول الأسبوع الماضي، تضاعفت أسعار الوقود في العاصمة كابول. وكانت المشكلة مستفحلة بالولايات قبل أن تتفجر في العاصمة.

تختفي المشتقات البترولية من بنزين وسولار مع ارتفاع أسعارها، وفق العديد من أصحاب سيارات الأجرة ومحطات الوقود

ووفق تجار، فإن أزمة الوقود لا تقف فقط على المواطن وأصحاب سيارات الأجرة ولكنها تمتد إلى حركة طالبان نفسها التي تواجه نقصاً في المشتقات البترولية بعد نفاد خزاناتها.

في هذا الشأن، يقول المواطن الأفغاني دين محمد (38عاماً) لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد آخذ في التفاقم؛ فإلى جانب ارتفاع أسعار الاحتياجات الأولية للمواطنين، بدأت مصادر الدخل تقل، خاصة في ما يتعلق بعمال الأجرة اليومية، تحديداً أصحاب سيارات الأجرة، الذين باتوا أكثر تضرراً، لأن الحركة في العاصمة والولايات توقفت إلى حد كبير وباتوا بلا دخل، فالناس لا يحتاجون إلى التنقل بسيارات الأجرة كما كان في السابق، كما أن أسعار الوقود أصبحت مرتفعة.

وكانت سيارات الأجرة تستفيد في السابق من حركة الأجانب في البلاد ومن موظفي مؤسسات الإغاثة والمنظمات الغربية، لكن هؤلاء هربوا من أفغانستان.

من جانبه، يقول صاحب سيارة الأجرة، محمد جاويد، الذي بات يحصل على قوت أسرته بشق الأنفس، لـ"العربي الجديد": في السابق كنت أدخر يومياً 500 "أفغانية" (العملة المحلية) مما كنت أكسبه البالغ يومياً نحو ألف "أفغانية"، أما الآن فلا يمكن لي أن أدخر شيئاً، كل ما أكسبه يتراوح بين 400 إلى 500 "أفغانية"، وهو ما يكفي بصعوبة أثمان طعام الغداء والعشاء.

وكان سعر ليتر البنزين قبل أسبوعين 40 "أفغانية"، أي أقل من نصف دولار، بينما الآن وصل سعره بعد سيطرة طالبان على كابول إلى 69 "أفغانية"، وهو ما يشير إلى قفزة كبيرة في الأسعار.

ويضيف جاويد: "كذلك ارتفعت أسعار أنواع الوقود الأخرى التي يستخدمها أصحاب السيارات كالغاز الطبيعي، حيث كان سعره 55 أفغانية، أما الآن أصبح سعره 70 أفغانية، أما سعر الديزل فلم يرتفع كثيراً لأنه قليل الاستخدام من قبل المواطنين، حيث كان سعر ليتر الديزل 65 أفغانية وأصبح الآن 69 أفغانية".

صاحب محطة وقود: مع مجيء طالبان استقر الأمن، لكن المشكلة الأساسية أن الأموال غابت، والأسعار ارتفعت، وتحديداً أسعار الوقود، والناس في هلع

في ذات الصدد، يقول سيف الله صاحب محطة بنزين في منطقة سليم كاروان بكابول لـ"العربي الجديد" إن "العمل شبه متوقف حالياً في محطات الوقود، قليل من الناس يأتون للمحطة لشراء الوقود، أقل من نصف ما كان عليه قبل ذلك".

ويبرر ذلك بقوله إن "الناس في خوف من جهة، وأسعار الوقود مرتفعة من جهة أخرى، عملنا قد تهاوي، جالسون من الصباح وحتى المساء، ولكن بلا جدوى ومردود مالي من هذا الوقت الطويل".

لكنه يشير إلى أنه "مع مجيء طالبان استقر الأمن وهو أحسن من قبل... ولكن المشكلة الأساسية أن الأموال قد غابت، والأسعار ارتفعت، وتحديداً أسعار الوقود، والناس في هلع".

ووسط قلة الحركة وتراجع الزبائن، لجأت معظم محطات الوقود والبنزين في كابول إلى الاستغناء عن عدد من موظفيها. ومن هؤلاء الذين تمت إقالتهم من العمل، نجيب الله، من سكان إقليم تخار، الذي بات يعيش في كابول بسبب الأوضاع الأمنية السيئة في الإقليم.

يقول نجيب الله لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، إن "المشاكل تحيط بنا من كل الأطراف، جئنا من إقليم تخار من أجل البحث عن لقمة العيش بالعاصمة، وفي كابول حل بنا ما حل، لا ندري كيف سيكون مستقبلنا في هذه البلاد، ولا يوجد طريق للهروب منها".

ويبحث نجيب الله عن عمل آخر في السوق في الوقت الراهن، ولكن لا توجد فرص للعمل في الوقت الحالي، كما يقول، لأن "جميع الأسواق إما مغلقة وحتى التي فتحت أبوابها لا تتوافر بها وظائف جديدة".
في ذات الشأن، يقول سيف الله، إن الوضع آخذ في التفاقم رغم أن عملية استيراد الوقود من الخارج لم تتوقف بصورة تؤدي إلى كل ما حصل من ضائقة بالسوق، بل هناك أسباب كثيرة أخرى، مشيراً إلى أن في السوق كمية كبيرة من الوقود، وعملية الاستيراد متواصلة تحديداً من إيران وتركمانستان، مشدداً على أن الطريق الآن داخل أفغانستان آمنة لمواصلة عملية الاستيراد من الخارج.

ينظر المواطنون في أفغانستان إلى طالبان على أنها مسؤولة عن التحرك لحل القضية كونها صارت حاكمة بقوة الأمر الواقع

أما الأكاديمي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، الدكتور عبد الله صادق، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن أمر الوقود وارتفاع أسعاره مرتبط كلياً بالوضع الاقتصادي في البلاد عموماً، وعلى رأسها قيمة الدولار مقابل العملة الأفغانية، والوضع الأمني بشكل عام، إضافة إلى توقف الحركة الاقتصادية، كل ذلك بالإضافة إلى ما تشهده البلاد من حالة عدم الاستقرار والمستقبل المجهول.
وحول مسؤولية طالبان عن أزمة الوقود المستفحلة، يقول صادق إن طالبان لا يمكنها أن تفعل شيئاً لحل هذه الأزمات الاقتصادية لأن الكثير من الأمور ليست بيدها، وحلها مرهون بمستقبل العلاقات بينها وبين المجتمع الدولي.

وشدد على أن القضية أكبر من طالبان، فالحكومة الأفغانية تركت طالبان خالية اليدين، فالأموال بيد الأميركان، وبالتالي يقول "طالبان لا تستطيع أن تفعل شيئاً دون رضا الولايات المتحدة وتعاون المجتمع الدولي"، ومحذراً في ذات الوقت من "تفاقم الأزمة الاقتصادية في الفترة المقبلة".
وينظر المواطنون في أفغانستان إلى طالبان على أنها مسؤولة عن التحرك لحل القضية كونها صارت حاكمة بقوة الأمر الواقع.

في هذا الشأن، يقول وصيل خان، أحد سكان مدينة جلال أباد عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولية تقع كاملة على عاتق طالبان، ما دامت سيطرت على البلاد وكانت تدعي أنها مستعدة لإدارة شؤون أفغانستان عليها الآن ضبط الأسعار".
ويرى تجار وقود في كابول أن الوقود متوفر في السوق والتجار يوفرون ذلك، لكن تنتابهم حالة من الخوف ويخشون على أموالهم من مخاطر الضياع في الوضع الحالي.

وهذا ما يؤكده التاجر الأفغاني محمد نويد، الذي يستورد الغاز من تركمانستان. يقول نويد لـ"العربي الجديد" إننا نقوم باستيراد الغاز والوقود حسب ترتيبات الصفقات القديمة، لكن إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن وإذا لم تتمكن طالبان من احتواء القضية، "لا يمكن لنا أن نرمي أموالنا في سوق مجهول المصير".

من جانبه، يقول القيادي في طالبان ورئيس بلدية مدينة جلال أباد قاري إحسان الله ساجد، في تصريح حول الوضع في الأسواق، إننا نعمل لضبط أسعار الوقود بشكل خاص، ولدينا خطط محددة، غير "أن أيام محدودة قد مضت على استيلائنا على المدن، وبالتالي نحتاج إلى وقت كي تسير الأمور بشكل طبيعي".

واللافت والأهم أن مسلحي طالبان يواجهون أنفسهم أزمة في الوقود بشكل أكبر، حيث استخدمت الحركة خلال الأيام الستة الماضية كل الكميات المخزونة.

ويبدو أن ليس لديها أموال كي توفر الوقود للدوائر الحكومية. ورصدت "العربي الجديد" ظهر يوم الجمعة على الطريق بين دوار عبد الحق المشهور وبين "أرزان قيمت" ست سيارات لطالبان متوقفة على امتداد الطريق، ومسلحون واقفون معها وقد نفد الوقود من سياراتهم، وليس معهم سيولة نقدية لكي يشتروا الوقود من السوق.

الفيدرالي جمد أموال البنك المركزي الأفغاني المودعة لدى المصارف الأميركية والبالغ قيمتها نحو 9 مليارات دولار عقب استيلاء طالبان على كابول

يقول صاحب محطة بنزين لـ"العربي الجديد"، يرفض ذكر اسمه في منطقة أرزان قيمت، بضواحي العاصمة إن مدرعة عسكرية بها مسلحو طالبان جاءت إلى المحطة وهي تطلب البنزين، وطلب منه أحد المسلحين وضع بنزين في المدرعة بقيمة 200 "أفغانية" فقط.

كما يقول عبد الرحيم سعادت أحد العاملين السابقين في وزارة الدفاع لـ"العربي الجديد"، أنه أتى ليلة أمس من مدينة قندهار إلى كابول، وقد رأى على امتداد الطريق عدة سيارات حكومية نفد وقودها وقد تركها عناصر طالبان على امتداد الطريق، وهو ما يشير إلى أن قضية الوقود بالنسبة لطالبان قضية متفاقمة على كل الأصعدة، وأن احتوائها ربما سيكون من أولويات الحركة، لكن ذلك لا يمكن حصوله إلا بعد التوصل إلى وضوح في المشهد السياسي والتوصل إلى اتفاق مع أميركا التي بيدها كل أموال الحكومة الأفغانية.
وكان مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) قد جمد أموال البنك المركزي الأفغاني المودعة لدى المصارف الأميركية والبالغ قيمتها نحو 9 مليارات دولار عقب استيلاء طالبان على العاصمة كابول.

المساهمون