تشهد الزراعات البديلة للنباتات المنتجة للمخدرات في أفغانستان رواجاً في العديد من الأقاليم، لتنضم الفراولة إلى الزعفران الملقب بالذهب الأحمر، الذي شهدت البلاد حضوراً لافتاً له في السنوات الأخيرة، بينما بدت معركة البدائل غير يسيرة في ظل استمرار الصراع المسلح في الدولة، حيث لا تزال زراعة الخشخاش المنتج للأفيون إحدى الأدوات التمويلية للصراع.
وحظيت زراعة الفراولة، التي تعد حديثة العهد في أفغانستان، باهتمام كبير في شرق البلاد وجنوبها، لا سيما في إقليمي ننجرهار (شرق)، وقندهار (جنوب)، اللذين يشتهران بزراعة النباتات المخدرة، إذ تحول مئات المزارعين في الآونة الأخيرة إلى الفراولة بدلاً من الخشخاش.
يقول غول آغا، وهو أحد المزارعين في منطقة وزير التابعة لمديرية خوجياني في إقليم ننجرهار الواقع على الحدود مع باكستان: "في السابق كنا نزرع الأفيون وننتظر طوال العام لنحصل على بعض المال اللازم للإنفاق خلال العام، ومع ذلك فإن ما كنا نحصل عليه يذهب هباء، لكن منذ ثلاثة أعوام نزرع الفراولة وبتنا نعتمد عليها كلياً، ونفعها أضعاف زراعة الخشخاش، ويعمل معي في زراعتها قرابة 30 شخصاً".
ورغم تفضيله زراعة هذه الفاكهة مثل الكثير من المزارعين في منطقته، يشكو آغا من قلة الاهتمام الحكومي بدعم زراعتهم باعتبارها بديلاً للخشخاش، وتكتفي الحكومة فقط ببعض الأعمال الروتينية، حيث تأتي قوات الأمن وتفتش بعض الحقول للتأكد من خلوها من زراعة النباتات المخدرة.
ويضيف: "لو فكرت الحكومة في ترويج البدائل مثل الفراولة والزعفران والتمر لكان الوضع أفضل بكثير وأنسب للقضاء على الأفيون في البلاد".
ورغم التصريحات الصادرة عن الحكومة والمنظمات الدولية منذ عام 2001 بالتأكيد على العمل الدؤوب من أجل مكافحة المخدرات، إلا أن زراعة الخشخاش لا تزال حاضرة بقوة في أفغانستان، إلى جانب أنواع أخرى من النباتات المخدرة.
ويرى آغا أن المزارعين أكثر حماسة من الحكومة للتوجه نحو البدائل. وبجانب الاهتمام المتزايد في إقليم ننجرهار، وصلت زراعة الفراولة هذا العام إلى إقليم قندهار لأول مرة لتحل بجانب فاكهتي الرمان والعنب، بعد أن كان الإقليم مشهوراً في السابق بزارعة الخشخاش بلا منازع.
يقول أحد المزارعين في منطقة أرغنداب بإقليم قندهار، عرف نفسه بعصمت الله، إنه زرع الفراولة في أرضه وحصل على عائد مجز، مشيرا في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن وزارة الزراعة وزعت بذر الفراولة على المزارعين في الأقاليم الأخرى لكنها لم تفعل ذلك في إقليم قندهار، لا سيما في المناطق النائية.
ويضيف أن "المزارعين يرغبون في ترويج البدائل للمخدرات وبالتالي يجربون أي نبتة لتحل محل الخشخاش، والفراولة فاكهة جيدة نستفيد منها في بيوتنا ونقدمها للسوق بأثمان مجزية، ومردودها أحسن بكثير من مردود الأفيون".
كما يقول أحمد ياسر، المزارع في قندهار، إن أكثر من 200 مزارع في مديريات مختلفة، تحديداً "أرغنداب" و"دامن" و"دند"، يزرعون الفراولة في حقولهم. وما تمتاز به هذه النبتة أننا نأخذ منها المحاصيل أربع مرات في العام، بينما الخشخاش والقنب (المستخدم في إنتاج الحشيش) نزرعها مرة واحدة في العام.
ويضيف ياسر "المشكلة الوحيدة تتمثل في الحرب والمواجهات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، فالحرب دمرت معظم الحقول إلى جانب عدم اهتمام الحكومة بدعم المزارعين للتمسك بالبدائل، فجميع الأعمال من زراعة وتسويق تقع على عاتق المزارعين، بينما يعاني معظمهم من شح الإمكانات".
في المقابل، يقول سيد حفيظ الله سيدي، رئيس إدارة الزراعة المحلية في إقليم قندهار لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة بصدد وضع خطط من شأنها توفير التسهيلات اللازمة لمزارعي الفراولة، التي تعد بديلاً مناسباً لزراعة القنب والخشخاش.
بدوره، يؤكد عبيد الله عابد، الخبير الزراعي، أهمية دعم توجه المزارعين نحو محاصيل مثل الفراولة والزعفران والرمان والعنب، مشيرا إلى أن عوائدها المالية جيدة، كما أنها تفي باحتياجات السوق التي تتجه لاستيراد مثل هذه الأصناف من الخارج، وتحديداً باكستان.
وكان زعفران أفغانستان قد استحوذ على الترتيب الأول عالمياً في 2020، بحسب المعهد الدولي للتذوق ومقره بروكسل. ووفق بيانات صادرة عن وزارة التجارة، أنتجت أفغانستان نحو 30.25 ألف كيلوغرام من الزعفران خلال العام الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 30% عن 2019.