في تعاملات الدقائق الأولى من الأسبوع، قفزت أسعار النفط وتراجعت أسواق الأسهم الأميركية والعالمية على وقع طلقات المدافع والصواريخ في الشرق الأوسط، ضمن عمليات "طوفان الأقصى" وتداعياتها، بينما وجد المحللون مخاطر جديدة تظهر على ساحة الاقتصاد العالمي بسبب الأحداث.
وأدى التضخم والخوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وتصحيح الأسعار، التي ارتفعت في الأشهر الأخيرة، إلى انخفاض سعر النفط الأميركي من نحو 95 دولاراً للبرميل في أواخر سبتمبر/أيلول إلى ما يزيد قليلاً عن 80 دولاراً في الأسبوع الماضي.
لكن مساء الأحد بتوقيت الساحل الشرقي في أميركا، ومع انطلاق تعاملات أسواق العقود المستقبلية في الشرق الأقصى، ارتفعت أسعار النفط الأميركي بنسبة 4% فوق مستوى 86 دولاراً، كما ارتفع خام برنت بنسبة 4% تقريبًا، حيث جرى تداوله عند حوالي 88 دولارًا للبرميل.
وفي أسواق الأسهم، ورغم الانطلاقة القوية التي شهدناها في الساعات الأخيرة من تعاملات آخر أيام الأسبوع، تراجعت الأسهم الأميركية في بداية تعاملات الاثنين، حيث تراجع مؤشر داو جونز أكثر من مائة نقطة، وفقد مؤشر إس أند بي 500 أكثر من نصف نقطة مئوية، بينما اقتربت خسائر مؤشر ناسداك من 1%.
وحفلت مواقع الإنترنت بتحليلات الاقتصاديين، التي أشارت في مجملها إلى قلق المستثمرين العالميين من امتداد المواجهات إلى مناطق أوسع، وما قد يترتب على ذلك من الإضرار بالانتعاش الاقتصادي العالمي الهش.
أيضاً تراجعت الأسهم الأوروبية عند الفتح يوم الاثنين، بينما كان المتعاملون يحاولون استيعاب الأخبار الواردة من الشرق الأوسط. ولكن بحلول الساعة 8:07 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة، كانت الأسعار قد استقرت قليلاً، مع انخفاض مؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 0.6%، في حين انخفض مؤشر داكس الألماني بنسبة 0.7%. وارتفع مؤشر FTSE 100 في لندن بنسبة 0.04%، مدعوماً بمكاسب أسهم شركات النفط.
وخلق التصعيد الأخير في المواجهات من خلال عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وما تلاها من غارات وهجمات إسرائيلية، مخاطر جديدة أصبحت في طريقها لتهديد النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي، الذي يجتمع آلاف المسؤولين في الحكومات والقطاع الخاص ممن يشكلونه في مراكش المغربية حالياً، ضمن فعاليات اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين.
وتوقع الاقتصاديون تسبب اتساع حلقات الصراع في تفاقم حالة عدم الاستقرار العالمية، التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ما يقرب من عشرين شهرا، والذي تسبب في تعطيل سلاسل التوريد وتراجع الثقة الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم.
وقال الاقتصاديون إن حجم التأثير سيتوقف على مدة الصراع وشدته، فضلاً عما إذا كان سينتشر إلى أجزاء أخرى من المنطقة، التي تعد موطناً لكبار منتجي النفط مثل إيران والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ممرات الشحن الرئيسية التي تمر عبر نقاط التفتيش في مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس.
وقال أغوستين كارستينز، المدير العام لبنك التسويات الدولية، في عرض تقديمي للجمعية الوطنية لاقتصاديات الأعمال، إنه "من السابق لأوانه تحديد التأثيرات الاقتصادية للصراع في الشرق الأوسط، على الرغم من أن أسواق النفط والأسهم قد تشهد تداعيات فورية".
وقال كارل تانينباوم، كبير الاقتصاديين في نورثرن ترست، لقناة "فوكس بيزنس": "أي مصدر لعدم اليقين الاقتصادي من شأنه أن يؤخر اتخاذ القرار ويزيد من علاوات المخاطر، وخاصة بالنظر إلى تلك المنطقة... هناك تخوف بشأن المكان الذي يستمر في إنتاج النفط بصورة معتادة".
وأضاف أن الأسواق ستتابع "ما تبدو عليه السيناريوهات" و"ما إذا كان اندلاع أعمال العنف هذه، بعد عقود من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، سيتطور بشكل مختلف". وقال: "سيكون السؤال هو هل هذا التكرار سينهي التوازن على المدى الطويل؟".
وقال كريم بسطة، كبير الاقتصاديين في شركة "إيل كابيتال مانجمنت"، في مذكرة: "يشكل الصراع خطر ارتفاع أسعار النفط، ومخاطر على التضخم وتوقعات النمو". وأضاف: "من الممكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط على وجه الخصوص إلى إضعاف ثقة المستهلكين، مع عودة التضخم بسبب الارتفاع في أسعار الطاقة التي يدفعها المستهلكون عند محطات الوقود".
وكتب: "يمكن لهذه المخاطر أن تترك بنك الاحتياط الفيدرالي في مأزق، بينما يستعد لاتخاذ قرار بخصوص أسعار الفائدة مرة أخرى هذا العام، ويدرس المدة التي سيستغرقها الحفاظ على أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة الحالية".
وخلال الأسابيع الأخيرة، عكف مسؤولو البنك الفيدرالي على مراقبة الارتفاع الأخير في عوائد سندات الخزانة الأميركية، لمعرفة ما إذا كانت التغيرات الأخيرة قد وصلت بالاقتصاد الأميركي إلى ما هو أبعد من المطلوب لتهدئة التضخم، ما قد يعرقل "الهبوط الآمن" المرغوب فيه من قبل البنك الفيدرالي.
وبصفة عامة، تعتبر سندات الخزانة الأميركية ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين والأزمات الاقتصادية، لذا قد يؤدي الصراع في الشرق الأوسط إلى هروب المستثمرين إليها بحثًا عن الأمان النسبي، وهو ما قد يدفع بعوائدها إلى أسفل، ويجبر البنك الفيدرالي على رفع الفائدة من جانبه، رغم وجود احتمالات أخرى مرتبطة بما ستؤل إليه الأمور في الحرب الدائرة.
وأطلقت "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، عملية "طوفان الأقصى"، صباح السبت، ردّاً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة وعدوانه على المسجد الأقصى. في المقابل، أعلنت دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها "في حالة حرب".