أدت الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا منذ نحو شهر إلى قلب توقعات المحللين للاقتصاد العالمي هذا العام، إذ تحولت بسرعة من انتعاش قوي بعد انحسار جائحة فيروس كورونا، إلى زيادة فرص حدوث ركود عالمي عميق، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وسلاسل التوريد المعطلة، وشح إمدادات النفط العالمية.
ويؤكد محللون اقتصاديون ومستثمرون كبار أن الخطوات الأميركية والأوربية لحظر النفط الروسي لن تكون صائبة، إذ إنها ستؤدي إلى ارتفاعات أكبر في أسعار الطاقة وموجة تضخم سريعة، ما يضعف القدرات الشرائية للمستهلكين حول العالم ويتسبب في ركود كبير لن تفلح معه إجراءات التهدئة التي تتخذها البنوك المركزية.
ورغم الانقسام الأوروبي حتى الآن، حول حظر النفط الروسي على غرار الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة في وقت سابق من مارس/ آذار الجاري، فإنّ بعض وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي يضغطون من أجل تحقيق هذا الهدف في إطار تصعيد العقوبات على روسيا بعد غزوها أوكرانيا.
وتعتمد أوروبا على روسيا في أكثر من ربع إمداداتها النفطية وثلث إمداداتها من الغاز الطبيعي، ما دعا الكرملين إلى التحذير يوم الاثنين الماضي من أنّ أوروبا ستتعرض لضربة شديدة في حالة فرض حظر على النفط الروسي، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة لن تتضرر في المقابل من ذلك.
والانفصال عن الطاقة الروسية بين عشية وضحاها يعني ركوداً عميقاً في جميع أنحاء أوروبا، مما يعرض صناعات بأكملها للخطر، ويؤدي إلى فقدان مئات آلاف الوظائف.
وفي حالة حظر صادرات النفط والغاز من روسيا إلى أوروبا، ستقفز أسعار خام برنت إلى 150 دولاراً للبرميل، وفقاً لتقرير صادر عن شركة "ماكنزي آند كومباني للاستشارت".
وأشار التقرير إلى أنّ هذا الإجراء سيؤدي إلى استمرار أسعار النفط في الصعود، ما يقلل من إنفاق المستهلكين والشركات في أوروبا وحتى الولايات المتحدة صاحبة أكبر أقتصاد في العالم ويحدث ركوداً.
ولفت إلى أنّ من المتوقع حدوث قفزات أكبر في أسعار السلع الزراعية والمعدنية، بفعل صعود أسعار النفط، ما يضع البنك الفيدرالي الأميركي في مأزق كبح التضخم المرتفع.
كما أكد لوتز كيليان ومايكل دي بلانت، الاقتصاديان في قسم الأبحاث في البنك الفيدرالي في دالاس، في تحليل الأسبوع الماضي، أنّه في حالة خروج جزء كبير من صادرات الطاقة الروسية من السوق الدولية طوال هذا العام، فإنّه سيصبح لا مفر من الانكماش الاقتصادي العالمي.
وحذر التحليل، وفق تقرير أوردته نشرة "أويل برايس" العالمية، من أنّ الركود المتوقع قد يطول عن الذي حدث في عام 1991 عقب صدمة إمدادات النفط بسبب غزو العراق للكويت في عام 1990.
وبحسب كريس لافاكيس، المسؤول في شركة "موديز أنالاتيكس" للاستشارات الاقتصادية، فإنّ "كلّ ركود في الخمسين عاماً الماضية سبقه ارتفاع حاد في أسعار النفط"، مشيراً إلى أن هذا الارتفاع عاد مرة أخرى.
والثلاثاء الماضي، حذر الملياردير الأميركي كارل إيكان في تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" من أن يؤدي التضخم المرتفع إلى ركود عالمي قائلاً: "أعتقد أنّ من الممكن أن يكون هناك ركود أو حتى أسوأ من ذلك".
وأضاف إيكان أنّ ارتفاع معدلات التضخم وعدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي مع الحرب الروسية في أوكرانيا قد يهددان النمو الاقتصادي.
لكنّ جيروم باول، رئيس البنك الفيدرالي الأميركي، يرى أنّه يمكن للبنك أن ينجح في سعيه لترويض التضخم السريع دون التسبب في ارتفاع معدل البطالة أو بدء الركود، لكنّه أقر بأنّ مثل هذه النتيجة الحميدة ليست مؤكدة.
وتمكن البنك الفيدرالي في بعض الأحيان من رفع أسعار الفائدة لإضعاف التضخم من دون الإضرار بالاقتصاد بشكل ملموس، إذ سلط باول الضوء على أمثلة في أعوام 1965 و1984 و1994.
لكنّ تلك الحالات جاءت وسط تضخم أقل بكثير، ومن دون الصدمات المستمرة من جائحة عالمية وحرب روسية في أوكرانيا، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" يوم الجمعة الماضي.
وقدر "بنك أوف أميركا" أنّه إذا أوقف الغرب معظم صادرات الطاقة الروسية، فسيرتفع سعر البرميل إلى 200 دولار، فيما توقع محللون في بنك "جي بي مورغان" الأسبوع الماضي أن يرتفع إلى 185 دولاراً للبرميل هذا العام.