أسعار المنازل في بريطانيا ترتفع قياسياً رغم توقعات بهبوطها

28 يوليو 2022
بلغ متوسط سعر المنزل 294 ألفاً و845 جنيهاً إسترلينياً في يونيو/حزيران (Getty)
+ الخط -

حتى الآن لم تتأثر أسعار المنازل بارتفاع كلفة المعيشة في بريطانيا رغم التوقعات بانخفاضها، لكنها على النقيض من ذلك، سجلت رقماً قياسياً جديداً في يونيو/حزيران، وفقاً لمصرف "هاليفاكس".

وقال مُقرض الرهن العقاري، في تقرير، في 7 يوليو/تموز الجاري، إنّ متوسط سعر المنزل وصل إلى 294 ألفاً و845 جنيهاً إسترلينياً في يونيو/حزيران بعد ارتفاعه بنسبة 1.8%، وهي أكبر زيادة شهرية منذ عام 2007.

تعود التوقعات بتراجع سوق الإسكان إلى الواجهة مجدداً مع احتدام المنافسة على منصب رئاسة الوزراء والخطط الاقتصادية المقترحة.

يقدم كل من المتنافسين الأخيرين على منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا: ليز تراس وريشي سوناك خططاً اقتصادية، باختلاف بسيط بينها، فبينما تعد تراس بتخفيضات ضريبية فورية، يشدد سوناك على ضرورة تأجيلها.

تريد تراس إلغاء الزيادة في التأمين الوطني (وهي زيادة مخططة في ضريبة الشركات)، وتريد إلغاء الرسوم الخضراء مؤقتاً على فواتير الطاقة، أما سوناك فيقول إنه لن يخفض الضرائب حتى يصبح التضخم تحت السيطرة، وهو موقف يتمسك به منذ فبراير/شباط الماضي.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

يوضح سوناك الأضرار المحتملة للتخفيضات الضريبية المقترحة من قبل تراس، ويقول إنها قد تكلف ما يقارب 40 مليار جنيه إسترليني. وتشير تقديرات أخرى، مثل تلك الصادرة عن معهد الدراسات المالية، إلى أنّ الرقم أقرب إلى 30 مليار جنيه إسترليني.

في المقابل، تدافع تراس عن خطتها باعتبارها "ميسورة الكلفة"، وتؤكد ذلك أثناء زيارتها إلى مدينة بيتربورو، شرقي إنكلترا، بالقول إنها ستشجع النمو.

يختلف تحليل شركة الاستشارات التجارية "بليك روثيرنبيرغ"، التي تقول إنه ستكون هناك آثار اقتصادية خطيرة في كلتا الحالتين في حال القيام بتخفيضات ضريبية بهذا الحجم، أقلها تأجيج التضخم الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوى في 40 عاماً من خلال زيادة السيولة النقدية. وهذا بدوره قد يعني أنّ أسعار الفائدة سترتفع أكثر مما هي عليه حالياً، ما يجعل كلفة سداد أقساط الرهن العقاري أعلى.

في السياق، يقول البروفسور باتريك مينفورد، المستشار الاقتصادي السابق لمارغريت تاتشر، الذي قيل إنه كان مستشاراً لتراس، إنه يمكن أن يصل ارتفاع أسعار الفائدة إلى 7% في إطار خطتها الاقتصادية.

يتوقع مصرف "لويدز"، أكبر مقرض للرهن العقاري في بريطانيا، انخفاض أسعار المنازل في العام المقبل، لأنّ ارتفاع أسعار الفائدة المتوقع ازديادها أكثر سيؤدي بالتالي إلى زيادة كلفة القروض على المقترضين، وهو ما سيدفع أسعار العقارات إلى الانخفاض.

ويوضح "هاليفاكس" أنّ نقص المنازل المعروضة للبيع أدى إلى رفع الأسعار بالإضافة إلى التحول نحو شراء الناس منازل أكبر ومنفصلة، لكنه توقع أن يتباطأ نمو الأسعار لأن سوق الإسكان كانت معزولة إلى حد كبير حتى الآن عن ارتفاع تكاليف المعيشة.

وقال البنك إنّ ذلك يرجع جزئياً إلى أنّ ارتفاع كلفة المعيشة لم يشعر به في الوقت الحالي سوى الأشخاص ذوي الدخل المنخفض والذين يكونون عادة أقل نشاطاً في شراء وبيع المنازل. وبالتالي ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 13% في عام حتى يونيو/حزيران، وهو أعلى معدل منذ أواخر عام 2004. 

ويتوقع "هاليفاكس" أن يكون للضغط المتزايد على ميزانيات الأسر بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة تأثير أكبر على سوق الإسكان، نظراً لتأثير ذلك على القدرة على تحمل التكاليف.

في المقابل، يرجح المقرض المنافس "نايشن وايد بيلدينغ سوسيتيه" أنّ النتائج تتناقض مع الدلائل الأخيرة على أنّ السوق آخذ في البرودة وأن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.3% فقط في يونيو/حزيران. أما شركة العقارات البريطانية "زوبلا" فتقول إنّ المبيعات المتفق عليها في مايو/أيار انخفضت بنسبة 13% على أساس سنوي.

وبالفعل أعلن بنك إنكلترا عن سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة في الأشهر الأخيرة في محاولة لوقف ارتفاع التضخم ورفع معدلات الرهن العقاري لبعض المقترضين. بيد أن "هاليفاكس" قال إنّ أسعار الفائدة المرتفعة في بنك إنكلترا، والتي تم رفعها من 0.1% إلى 1.25% منذ ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي والتضخم المرتفع، لا تفعل شيئاً يذكر لتثبيط التضخم.

في هذا الشأن، يقول الخبراء إنّ أي ارتفاع بسيط في أسعار الفائدة يمكن أن تكون له آثار خطيرة على مالكي المنازل، الذين لديهم قروض عقارية. على سبيل المثال، عندما رفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة إلى 0.75% في مارس/آذار، أضاف حوالي 300 جنيه إسترليني سنوياً إلى صفقة رهن عقاري ذات معدل متغير 2.25% بقيمة 200 ألف جنيه إسترليني. 

ومن المعلوم أنّ أسعار الفائدة بقيت عند أدنى مستوياتها التاريخية (مع سعر أساسي لبنك إنكلترا عند نحو 2%) منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2007، ما يعني اقتراضاً رخيصاً وبعض أقساط سداد الرهن العقاري الشهرية بأسعار معقولة في التاريخ. 

وفي الوقت الحالي، يواجه أصحاب المنازل الذين لديهم رهون عقارية غير ثابتة أو مستحقة للتجديد تكاليف مرتفعة، لأنّ بنك إنكلترا قد رفع المعدل الأساسي بشكل تدريجي في الأشهر الأخيرة في محاولة لكبح التضخم. أما في حال ارتفاع أسعار الفائدة إلى 5% أو حتى 7%، فقد تكون العواقب بالفعل وخيمة على العديد من ملاك المنازل المقيدين بقروض عقارية.

وتظهر معاناة أصحاب المنازل من خلال البيانات الجديدة لجمعية التمويل والتأجير، التي وجدت أنّ عدداً متزايداً من الأشخاص يأخذون قروضاً عقارية ثانية لسداد ديون، مثل بطاقات الائتمان والقروض الشخصية أو تمويل لإجراء تحسينات منزلية وحتى لدفع فواتير الضرائب.

ولا تقتصر النتائج على قروض باهظة الكلفة بل يمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة أيضاً إلى انخفاض أسعار المنازل التي وصلت حالياً إلى مستويات قياسية في جميع أنحاء البلاد.

يؤكد البروفيسور مينفورد، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في كلية كارديف للأعمال، في حديث لصحيفة "ذا تايمز"، أنّ خطط تراس ستغذي التضخم، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع أسعار الفائدة، ويضيف أنّ الرهون العقارية الأكثر كلفة ستكون "جزءاً من التعديل" ولن يكون الأمر سيئاً.

أما إيان مولهيرن، وهو مستشار اقتصادي سابق لوزارة الخزانة، ويشغل حالياً منصب كبير الاقتصاديين في معهد توني بلير للتغيير العالمي، فيوضح أنه إذا ارتفعت أسعار الفائدة بسبب التخفيضات الضريبية، فمن المتوقع أن يكون لها تأثير سلبي على أسعار المنازل، لأنّ أسعار الفائدة المرتفعة ستلحق الضرر بالرهن العقاري، ما يقلل المبلغ الذي يمكن للناس اقتراضه ويقطع ما يمكنهم دفعه لشراء المنازل، وهو ما قد يتسبب في انخفاض أسعار المنازل، وفق ما أوردت صحيفة "آي" في 26 يوليو/ تموز.

وتشير الصحيفة إلى أنّ أسعار الفائدة في المملكة المتحدة كانت أعلى من 7% حين بلغت 7.25% في أكتوبر/تشرين الأول 1998، وأنّ أي شخص عاش في ظل التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المرتفعة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي يمكنه أن يتذكر أنّ العديد من الناس فقدوا منازلهم.

المساهمون