أسعار المستلزمات المدرسية بالدولار في لبنان

14 سبتمبر 2022
الغلاء طاول مختلف المستلزمات المدرسية (حسين بيضون)
+ الخط -

يشكو أهالي الطلاب اللبنانيين من غلاءٍ غير مسبوق لأسعار المستلزمات المدرسية بما يصب الزيت على نار الأقساط التي أصبحت المؤسسات تتقاضى جزءاً منها بالدولار، علماً أن العام الدراسي انطلق فعلاً في المدارس والجامعات الخاصة قبل أيام، بينما لا يزال الغموض يكتنف موعد انطلاقة التعليم الرسمي بسبب أزمة الرواتب والأجور رغم الحديث عن بداية مرتقبة أوائل أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وتقف "باميلا"، وهي أم لثلاثة أولاد يرتادون مدرسة خاصة في بيروت، أمام رفِّ إحدى المكتبات في العاصمة والصدمة على وجهها من أسعار المستلزمات الأساسية، وتقول بدهشة: "أرقام ولا في الخيال، هناك شنط (حقائب مدرسية) يصل سعرها إلى مليوني ليرة لبنانية وثلاثة ملايين، أما الشنطة الأرخص فيتجاوز سعرها 500 ألف ليرة، في حين أن الدفاتر من الحجم الصغير تبدأ بعشرين ألف ليرة، وتصل للأحجام الكبيرة إلى حدود 200 و300 ألف ليرة".

يذكر أن سعر الصرف الرسمي للدولار 1507 ليرات، وفي السوق السوداء يتحرك كثيراً ويتخطى الـ35 ألف ليرة، وسعر صيرفة حوالي 28400 ليرة، و8 آلاف في البنوك.

وتشير باميلا في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الشنط المدرسية قد نغض النظر عنها لأنه يمكن استخدام تلك القديمة المشتراة قبل أعوام، إذ نحاول قدر الإمكان المحافظة عليها واستعمالها حتى آخر نفس كما يُقال، بيد أن الدفاتر والأقلام والمساطر والممحاة وغيرها من المستلزمات يجب شراؤها كل عام، لا بل نشتريها كل شهرين أو ثلاثة، لكن الأسعار لا تُصدَّق، المقلمة وحدها تبلغ قيمتها بين 100 و200 ألف ليرة، أقلام الرصاص العلبة التي تضم 12 قلماً بين 70 و80 ألف ليرة، قلم الحبر تبدأ أسعاره بـ30 ألف ليرة، أما الممحاة الواحدة فلا تقل عن 20 ألف ليرة".

وفي جولة على أسعار بعض المكتبات في بيروت، فإن أسعار الشنط المدرسية تبدأ بـ300 ألف (نحو 8 دولارات أميركية)، الحجم الصغير، لتصل إلى 3 و4 ملايين ليرة، خصوصاً تلك التي يمكن جرّها لإراحة الظهر، وعبوات المياه المخصصة للأولاد تبدأ بـ200 ألف ليرة، والدفاتر الصغيرة تبدأ من 20 ألفاً، وهناك دفاتر تصل أسعارها إلى 400 ألف ليرة.
في السياق، يقول صاحب مكتبة في بيروت لـ"العربي الجديد"، إن "كل أسعار المستلزمات المدرسية ارتفعت أكثر من أربع مرات عما كانت عليه في السابق"، ويلفت إلى أن "التجار يرفضون بيعنا البضائع بالليرة اللبنانية، فنضطر إلى شرائها بالدولار، وتالياً بيعها بالعملة الخضراء أو وفق سعر الصرف اليومي في السوق السوداء والذي يتخطى حالياً الـ35 ألف ليرة، وطبعاً نسمع شكاوى كثيرة من قبل الأهالي حول الأسعار، لكن نحن في النهاية نسترزق من هذا العمل، وعلينا أن نبقي هامش ربح بسيطاً حتى نستطيع شراء بضائع جديدة، ومع ذلك فإننا نخسر الكثير، لم تعد مصلحة مربحة".

ويتابع أنه لا يشتري الكثير من البضائع "حتى لا تبقى في المحلّ، خصوصاً تلك التي لا تستهلك سنوياً، مثل الشنط ومطرات المياه (عبوات)، عدا عن أن أسعارها ارتفعت أكثر من عشر مرات، ما يدفعنا إلى شراء كميات قليلة جداً تفادياً للوقوع في خسائر في حال عدم بيعها، لأن هناك شنطاً كبيرة يصل سعرها إلى مليونين و3 ملايين ليرة، وبالتالي لا يمكننا شراء الكثير منها".
على صعيد الكتب المدرسية، فإن الأسعار أيضاً محددة بالدولار، وتختلف حسب المرحلة الدراسية، إذ إن متوسط سعر الكتاب يراوح ما بين 10 و20 دولاراً، ويمكن أن يصل إلى 70 دولاراً حسب المادة، فالعلوم مثلاً والفيزياء من بين الأغلى. وتقول "رانيا"، وهي أم لطالبة مدرسة في بيروت، إن "الكتب كلها جديدة، بعكس ما كان الوضع في الماضي، حيث كنا نعمد إلى شراء كتب مستعملة، كما كنا نقوم ببيع الكتب إلى المكتبات واستبدالها بأخرى تبعاً للعام الدراسي، هذا كله لم يعد قائماً اليوم، والأسعار نار، مبلغ مليوني ليرة لا يكفي لدخول المكتبة، في حين أن راتبي الشهري يبلغ 4 ملايين ليرة لبنانية، هذا من دون الحديث عن القرطاسية، والزي المدرسي، والأقساط التي يفرض علينا دفع نسبة منها بالدولار تحت مسميات كثيرة، وكلفة النقل بالباص المدرسي التي ارتفعت هذا العام أيضاً وباتت تتجاوز المليون ليرة شهرياً".

بالانتقال إلى أسعار الزي المدرسي، الذي يعدّ الزامياً، فإن المدارس الخاصة أرسلت إلى الأهالي لوائح بالأسعار التي حُدِّدت بالدولار، على أن تدفع إما نقداً بالعملة الخضراء أو وفق سعر الصرف اليومي في السوق السوداء، لتراوح حسب نوع الزي بين 20 و35 دولاراً.
في السياق، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان زهير برو، لـ"العربي الجديد"، إن "لا رقابة على الأسعار، وهذا اختراع لبنان، إذ ليس من دور للرقابة في الاقتصاد الحرّ، بل سياسات إما تؤدي إلى رفع الأسعار أو خفضها، من هنا إما الذهاب إلى اقتصاد منتج أو سنبقى ندفع هذه الأثمان".

يضيف برو أنه "تبعاً للقانون اللبناني يجب حتماً التسعير بالليرة اللبنانية أي العملة الرسمية للدولة، ولكن من الناحية الاقتصادية، لبنان لا ينتج شيئاً وكلّ ما يستورده بالدولار، لذلك أصبحنا أمام دولرة في شتّى القطاعات، وبالتالي، عندما يكون الاقتصاد تابعاً ولا ينتج سنتعرض لهذه المخاطر التي تتفاقم أيضاً في ظل جشع التجار الذين يستغلون الظرف في الوقت نفسه ليطرحوا أسعاراً تلائمهم مستفيدين أيضاً من غياب عامل المنافسة ما يبقي الأسعار مرتفعة".

ويشير إلى أن الأسعار الخيالية سواء على صعيد القرطاسية أو المستلزمات والأقساط المدرسية يمكن أن تفرض عنواناً أساسياً للمرحلة وهو الأمية، مع زيادة التسرّب المدرسي نظراً لعدم قدرة الأهل على إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة، ولا حتى إلى تلك الرسمية في ظلّ أزمة القطاع العام ورواتب الأساتذة الذين باتوا يفتشون عن رزقهم في المدارس الخاصة.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت في أكثر من تقرير لها من ارتفاع معدل انخراط الشباب اللبناني في العمالة غير الرسمية وتركهم التعليم وذلك في سبيل البقاء على قيد الحياة، وتطرقت إلى انخفاض الإنفاق على التعليم في لبنان من أجل شراء المستلزمات الأساسية من غذاء ودواء ومواد أساسية، وكذلك انخفاض نسبة الالتحاق بالمؤسسات التعليمية.
ويقول رئيس جمعية حماية المستهلك: "وفق استطلاعات للرأي التي أجريناها، فإن الكثير من الأهل أخرجوا أولادهم من المدارس، أو فضّلوا ترك طفل مثلاً في المدرسة وإخراج الآخر، وهذه دعوة للأمية في البلد، خصوصاً أن الوضع في لبنان ليس مشجعاً للتعليم، باعتبار أن الكفاءة والمؤهلات العلمية ليست من المواصفات المطلوبة للوظيفة، بل الواسطة والاستزلام للزعماء والأحزاب، أي أن كل نهجنا الاقتصادي والاجتماعي والتوظيفي يتجه نحو الفساد، بينما حملة الشهادات يهاجرون من هنا".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت في أكثر من تقرير لها من ارتفاع معدل انخراط الشباب اللبناني في العمالة غير الرسمية وتركهم التعليم


وفي تعليق لها، تقول مصادر وزارة الاقتصاد في لبنان لـ"العربي الجديد" إنها قامت بجولات عدة وسطرت محاضر بالمكتبات المخالفة، علماً أن اضراب موظفي الدولة ومنهم وزارة الاقتصاد حال دون مراجعة كافة الشكاوى.
وبحسب معلومات "العربي الجديد" فإن 20 موظفاً تقدّموا باستقالتهم اخيراً من الوزارة علماً أن عدد المراقبين يصل إلى 60 مراقب، ومعظمهم يرفضون النزول إلى الأرض واجراء عمليات رقابة نظراً لارتفاع أسعار البنزين، حتى أنه لو سطّرت محاضر، فلا قضاء لمتابعة الملفات كونه أيضاً في حالة إضراب.

ويعيش لبنان الآن في ثالث سنة من الانهيار المالي، الذي جعل ثمانية من كل عشرة أشخاص فقراء، وفق البنك الدولي، الذي اتهم في تقرير له، مطلع أغسطس/ آب الماضي، السياسيين اللبنانيين بالقسوة والانتهازية، مشيراً إلى أن "إضعاف تقديم الخدمات العامة جاء بشكل مُتعمد لإفادة فئة محدودة على حساب الشعب اللبناني".
وأضاف البنك الدولي أن المواطنين كانوا في نهاية المطاف يدفعون تكاليف مضاعفة، ويحصلون على منتجات أو خدمات ذات جودة متدنية، وكانت الآثار أيضاً تنازلية بدرجة كبيرة، حيث تؤثِّر في الشرائح السكانية ذات الدخل المتوسط والدخل المنخفض بدرجة أكبر كثيراً من غيرهم.

المساهمون