أسر سورية تضحي بالتعليم هرباً من تكاليف تضاعفت 100%

04 سبتمبر 2022
ارتفعت أسعار الألبسة والمستلزمات المدرسية بأكثر من 100% عن العام الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

"لا قدرة لي على تعليم ولدين.. سأرسل رامي للمدرسة وأخرج أخته رشا". هكذا وجدت زينب الدالي من منطقة دمر بالعاصمة السورية دمشق الحل الممكن لمواجهة الغلاء، فابنتها رشا بالمرحلة الإعدادية، وتعدت إلزامية التعليم، "ستبقى بالبيت إلى أن تتزوج لكن ابني بالصف السادس الابتدائي، تدبرنا الأمر وأمنّا معظم المستلزمات وذهب اليوم إلى المدرسة".

وتبيّن الدالي أن تكاليف تأمين مستلزمات المدرسة لابنها "تعدت 300 ألف ليرة سورية"، رغم أن بعض الدفاتر كانت موجودة منذ العام الماضي، ولم تشترِ له حذاء جديداً، بل دفعت فقط ثمن اللباس المدرسي والحقيبة المدرسية والدفاتر والأقلام، وهذا يزيد ثلاثة أضعاف عن أجر زوجها العامل بالمنطقة الصناعية بمنطقة حوش بلاس بريف العاصمة. (الدولار = 4445 ليرة).

وفي حين لا يتكبد رامي أجور النقل التي تزيد شهرياً عن 100 ألف ليرة لأن "مدرسته قريبة"؛ فإن ثمن القميص المدرسي بلغ 30 ألف ليرة والبنطال الكحلي 40 ألفاً، ووصل سعر الحقيبة إلى 75 ألف ليرة، وما وصفته بالغلاء الفاحش كان بأسعار القرطاسية، مضيفة لـ"العربي الجديد" أن سعر الدفتر "سلك" نحو 7 آلاف ليرة، وأقلام الرصاص 5 آلاف ليرة، وأقلام الحبر 10 آلاف ليرة، في حين وصل سعر المقلمة "حافظة الأقلام" إلى 20 ألف ليرة، ومستلزمات الرسم الهندسي 15 ألف ليرة، مضيفة: "نحن لم نتكلم عن ألبسة الشتاء ولا عما قد تطلبه المدرسة من رسوم بمسميات دعم وتعاون ونشاط".

وحول أسعار المؤسسة الحكومية "السورية للتجارة" تؤكد المتحدثة أن "العروض محدودة ونفدت"، لكنها أرخص بكثير من أسعار السوق، إذ يصل سعر القميص المدرسي إلى 5 آلاف ليرة، والبنطال إلى 4 آلاف، "إنتاج شركة حكومية وبمواصفات رديئة جداً"، والدفاتر والأقلام أرخص من السوق "نتنازل عن المواصفات، لكن الكميات المعروضة قليلة جداً".

وارتفعت أسعار الألبسة والمستلزمات المدرسية بأكثر من 100% عن العام الماضي، بحسب مصادر متطابقة من دمشق، بعد انسحاب الشركات الحكومية وغياب الأسواق الخيرية التي كانت تفتتح سنوياً بالتوازي مع افتتاح المدراس، بحسب العامل بقطاع التجارة لؤي ماليل من دمشق.

ويقول ماليل في اتصال مع "العربي الجديد" إن هناك مستلزمات مدرسية تثقل كاهل الأهالي، لم تكن معروفة من قبل، فمثلاً يضطر الأهالي لشراء مطرة ماء "حافظة" لأولادهم لأن المياه تنقطع في المدارس أو لا تصلح للشرب، وسعر هذه الحافظة لا يقل عن 10 آلاف ليرة، نافياً ما يقال عن جشع التجار والباعة واستغلالهم موسم افتتاح المدارس، لأن المواد الأولية والمشتقات النفطية مرتفعة الأسعار وتكاليف الإنتاج أو الاستيراد لا يعلمها الأهالي.

ويلفت التاجر السوري إلى تراجع مبيع المحال ومكتبات القرطاسية، لأن قدرة السوريين الشرائية أقل بكثير من شراء كل شيء جديد لأولادهم، فالبعض يستعير من جيرانه وآخرون ينتظرون مساعدات "اليونيسف"، وقد خرجت الملابس الجديدة من حساب معظم الأسر هذا العام، متجهين نحو "الألبسة القديمة أو من البالة".

وفي الوقت الذي يؤكد فيه التاجر السوري انتشار الركود بالأسواق وتراجع المبيعات؛ ينبه إلى انتشار عادة الشراء عبر الإنترنت للألبسة والحقائب القديمة، وبأسعار مناسبة للدخل.

وحول ما يسمى "التدخل الإيجابي" من المؤسسات الحكومية، يشير ماليل إلى أن "صالات السورية للتجارة" أعلنت عن معارض لبيع المستلزمات المدرسية، بأسعار أقل بنحو 30% من السوق، ولكن بكميات قليلة ومواصفات رديئة، ساخراً من أن الحكومة أعلنت عن قرض للعاملين بالدولة بسقف 500 ألف ليرة، "من دون فوائد" شريطة التسديد خلال عام، لإكساء الأولاد وتأمين احتياجات العام الدراسي.

ويعتبر الاقتصادي السوري علي الشامي من دمشق أن غلاء المستلزمات المدرسية "هو الأخطر" حتى من غلاء أسعار الطعام، لأن عدم قدرة السوريين على تأمين أبسط وأرخص تلك المستلزمات، سيدفعهم لإخراج الأولاد من المدارس والزج بهم في العمل "بأي شيء" لأن سوق العمل مدمر والبطالة تزيد عن 80%.

ويشير الشامي لـ"العربي الجديد" إلى أن حكومة الأسد المفلسة طلبت ثمن الكتب المدرسية، معتبراً أن انسحاب الحكومة عن دعم التعليم، سيزيد من ابتعاد الطلاب عن مقاعد المدارس، ما يزيد من التجهيل وتدمير الأجيال المقبلة، وأن القرض التي أعلنته المصارف الحكومية، لا يكفي لمستلزمات طفل واحد، في حين سيخلق أزمة عند المقترض خلال العام أثناء اقتطاع القرض، لأنه سيعادل نصف الأجر الشهري (41 ألف ليرة).. وهنا لا نتكلم عن تكاليف المعيشة التي تزيد عن مليوني ليرة، في حين لا يزيد الأجر عن 100 ألف، ولم نتطرق إلى موسم المؤونة أو غلاء النقل والمشتقات النفطية، أو حتى إلى أقساط التعليم الخاص الذي ينحصر بالفئة الميسورة التي لا تزيد عن 10% من سكان سورية، خاتماً: "الوضع أكثر من مأساوي وكان الله بعون السوريين".

المساهمون