استمع إلى الملخص
- ارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي البريطاني، حيث وصلت عائدات السندات لعشر سنوات لأعلى مستوى منذ 2008، وسط تراجع الجنيه الإسترليني والأسهم، مما يعكس قلق المستثمرين من خطط الموازنة.
- تتزايد المخاوف من تكرار أزمة 2022، مع احتمالية خفض الإنفاق وزيادة الضرائب لطمأنة الأسواق، في ظل ضعف الجنيه وارتفاع عائدات السندات.
تُعيد الأزمة المستفحلة التي تعانيها سندات الديون البريطانية إلى الذاكرة أزمة الديون الحادة التي انفجرت عام 1976، في حين أنّ ارتفاع عائد السندات يثير بعض المقارنات مع كارثة الموازنة المصغرة في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس التي حكمت 50 يوماً فقط عام 2022. ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية، اليوم الخميس، عن صانع سياسة أسعار الفائدة السابق في بنك إنكلترا المركزي مارتن ويل تحليلاً مفاده أنّ حكومة حزب العمال قد تضطر إلى اللجوء للتقشف لطمأنة الأسواق بأنها ستعالج عبء الديون البريطانية المتصاعد.
ولاحظت "بلومبيرغ" أنه على مدار الأيام القليلة الماضية ارتفعت تكاليف الاقتراض الطويلة الأجل في المملكة المتحدة وانهار الجنيه الإسترليني، في تزامن نادر يمكن أن يشير إلى أنّ المستثمرين فقدوا الثقة في قدرة الحكومة على إبقاء الديون البريطانية الوطنية تحت السيطرة وضبط التضخم، علماً أن من شأن العائدات الأعلى عادة أن تدعم العملة المحلية.
وفي هذا السياق، قال مارتن ويل إنّ الأحداث الحالية تعكس "كابوس" أزمة الديون البريطانية في عام 1976 الذي أجبر الحكومة على طلب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. كما يهدد الارتفاع الحالي في تكاليف الديون بمحو الاحتياطي الضئيل البالغ 9.9 مليارات جنيه إسترليني (12.2 مليار دولار)، المتاح لوزيرة المالية راشيل ريفز للمناورة بقواعد الموازنة الخاصة بها وإحداث حالة من عدم الاستقرار قبل التحديث المالي الرسمي في 26 مارس/ آذار المقبل.
ونقلت "بلومبيرغ" عن بعض الخبراء الاقتصاديين والمستثمرين إلقاءهم اللوم في تحركات السوق على الشكوك حول وعد حزب العمال بتمويل زيادة كبيرة في الإنفاق بأسرع وتيرة. ومن هؤلاء ويل نفسه الذي يشغل حالياً منصب أستاذ اقتصاد في كينغز كوليدج لندن، الذي قال في مقابلة مع الوكالة: "لم نشهد حقاً المزيج السام المتمثل في الانخفاض الحاد في الجنيه الإسترليني وارتفاع أسعار الفائدة الطويلة الأجل منذ عام 1976. وقد أدى ذلك إلى خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي. وحتى الآن، لسنا في هذا الموقف، لكن يجب أن يكون هذا أحد كوابيس وزيرة المالية".
تجدر الإشارة إلى أنه قبل نصف قرن تقريباً، تقدّمت بريطانيا بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3.9 مليارات دولار، بعدما تسبب عجز الموازنة والعجز التجاري الضخمان في دفع الاقتصاد البريطاني إلى أزمة خانقة. وفي المقابل، وافقت الحكومة على التقشف الذي فرضه صندوق النقد الدولي. واليوم، تعاني بريطانيا من هذا العجز المزدوج منذ سنوات عديدة.
قفزة في تكاليف الاقتراض عبر سندات الديون البريطانية
هذا، وقد قفزت عائدات سندات الديون البريطانية لمدة عشر سنوات بما يصل إلى 14 نقطة أساس إلى 4.82%، أمس الأربعاء، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس/ آب 2008. وانخفض الجنيه الإسترليني مقابل جميع العملات الرئيسية، حيث فقد أكثر من 1% مقابل الدولار، في حين انخفضت الأسهم البريطانية.
يأتي كل ذلك فيما ارتفعت تكاليف اقتراض الحكومة البريطانية بوتيرة أسرع من الفرنسية منذ بداية العام، علماً أن حكومة باريس تواجه اضطرابات سياسية وتقترض أكثر ولديها ديون عامة أعلى. ونقلت "بلومبيرغ" عن مستثمري الأسواق المالية أنّ التركيز على المملكة المتحدة يعكس المخاوف بشأن كيفية تمكن حزب العمال من تنفيذ خطط الموازنة المدعومة بتوقعات نمو متفائلة، فضلاً عن المخاوف بشأن التضخم الأساسي. وإذا ساءت ظروف السوق الحالية، رأى ويل أنه لن يكون أمام حزب العمال خيار سوى خفض الإنفاق وزيادة الضرائب لطمأنة الأسواق بأنّ الديون البريطانية تُدار بشكل صحيح.
كما يرسم العديد من شركاء السوق أوجه تشابه مع إضراب السندات الحكومية في عام 2022، بعدما أعلن مستشار تراس كواسي كوارتينغ سلسلة تخفيضات ضريبية شاملة والتزامات بالإنفاق. ومن هؤلاء كبير مسؤولي الاستثمار في "بريميير ميتون إنفستورز" نيل بيريل، الذي وصف التطورات الأخيرة في السوق بأنها "مكافئ بطيء الاحتراق لما حدث في وقت موازنة ليز تراس".
وفي إشارة إلى الإعلان المالي الشهير الذي أطلقته ريفز، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي شكّل ثاني أكبر موازنة لرفع الضرائب في تاريخ المملكة المتحدة، قال بيريل: "وصلنا إلى النقطة التي تقول فيها الأسواق إنها لا تعمل". وفي الاتجاه ذاته، لاحظ مدير المحفظة في "فيديليتي إنترناشونال" مايك ريدل أنّ الجمع بين ضعف الجنيه الإسترليني وارتفاع عائدات السندات الحكومية كانت له "أصداء مخيفة من أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 2022، وإذا استمر هذا الوضع، فقد يكون دليلاً محتملاً على إضراب المشترين أو هروب رأس المال".