تعاني أسواق غزة من نقص حاد في عملتي الدولار الأميركي والدينار الأردني، وهما العملتان المكملتان للشيكل الإسرائيلي الذي يتم تداوله في أسواق القطاع، الأمر الذي يرجعه مسؤولون في القطاع التجاري وخبراء اقتصاد إلى تزايد الاستيراد من مصر في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ما ساهم في سحب جزء من السيولة الأجنبية، فضلا عن عدم وجود أية منح خارجية للقطاع، لا سيما المنحة القطرية التي لم تصرف منذ نحو أربعة أشهر.
ولا توجد تقديرات مالية بقيمة البضائع التي يتم شراؤها من مصر، إذ تتفاوت معدلات الاستيراد شهرياً عبر بوابة صلاح الدين التي تربط القطاع بالأراضي المصرية، من ناحية السلع وأعداد الشاحنات وأصنافها، إلا أن القيود الإسرائيلية المفروضة على معبر كرم أبو سالم رفعت معدلات الشراء من السوق المصرية.
ويقول جهاد بسيسو، عضو جمعية الصرافين في قطاع غزة، إن أزمة الدولار والدينار بدأت تتطور بشكل أكبر، في ظل عجز البنوك العاملة عن توفير السيولة النقدية، وعدم حصول سلطة النقد على الموافقات الإسرائيلية لإدخال هاتين العملتين.
لا توجد تقديرات مالية بقيمة البضائع التي يتم شراؤها من مصر، إذ تتفاوت معدلات الاستيراد شهرياً عبر بوابة صلاح الدين التي تربط القطاع بالأراضي المصرية
ويضيف بسيسو لـ"العربي الجديد": إن المنحة القطرية شكلت رافداً مهماً لعملة الدولار نتيجة ضخها لصالح الأسر الفقيرة بدرجة أساسية، وهو ما كان يؤدي إلى منع حدوث أزمة في العملة الأميركية خلال تلك الفترة، إلا أن عدم صرفها أدى إلى انكشاف السوق ونقص في العملة.
ولم تصرف هذه المنحة للشهر الرابع على التوالي، وهو ما حرم الأسواق من قرابة 80 مليون دولار من العملة الرئيسية الثانية لسكان القطاع بعد عملة الشيكل، وهو ما أدى إلى اتخاذ المؤسسات المصرفية في غزة إجراءات خشية من اشتداد الأزمة.
ويحتاج القطاع حالياً إلى ضخ ما بين 70 و80 مليون دولار في سوق العملات والبنوك، بالإضافة إلى توفير حوالي 50 مليون دينار أردني للخروج من الأزمة المالية والعودة إلى ما كان عليه السوق قبل جائحة كورونا، إلى جانب زيادة عمليات إدخال العملات لغزة، بحسب عضو جمعية الصرافين الفلسطينيين.
ووفقاً لبسيسو، فإن هناك ضعفاً شديداً في الحركة التجارية، إلى جانب أن حركة تبديل العملات باتت مرتبطة بقدوم الحوالات الخارجية بمبالغ بسيطة، إذ أن غياب قوة تصريف العملات منع انكشاف السوق بشكل أكبر مما هو عليه الآن.
لجأت البنوك مؤخراً، إلى سحب الدولار والدينار من أجهزة الصراف الآلية، واقتصار عملية صرفها على مبالغ مالية ليست بالكبيرة
ولجأت البنوك مؤخراً، إلى سحب الدولار والدينار من أجهزة الصراف الآلية، واقتصار عملية صرفها على مبالغ مالية ليست بالكبيرة، في الوقت الذي لا يتم فيه صرف الحوالات المالية السريعة لأصحابها إلا بعملة الشيكل الإسرائيلي، أو الحصول على عمولة مالية إضافية نظير صرفها بالدولار أو الدينار.
من جانبه، يقول ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة غزة التجارية، إن أحد العوامل الرئيسية للأزمة يتمثل في زيادة الاستيراد من مصر، وعملية الشراء بعملة الدولار، مع بقاء الحصار الإسرائيلي المفروض، ووقف عمليات التصدير للخارج.
ويقول الطباع لـ "العربي الجديد" إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الشاحنات الواردة لغزة عبر معبر رفح البري أو بوابة صلاح الدين مع مصر، إذ تصل أعداد الشاحنات القادمة من الأراضي المصرية إلى نحو 2000 شاحنة شهرياً، مقارنة مع مئات الشاحنات التي كانت تصل في السابق.
ويشير المسؤول في غرفة غزة التجارية، إلى أن المرة الأخيرة التي سمح فيها الاحتلال بإدخال بعض من السيولة النقدية لغزة كانت قبل عيد الفطر، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، حيث سمح الاحتلال باستبدال بعض عملات الشيكل إلى جانب العملات الأخرى بكميات بسيطة.
ويخشى الفلسطينيون في غزة من اشتداد الأزمة بشكل أكبر تُفقد فيه عملتا الدولار والدينار، وهو ما سيفاقم الخسائر المالية للتجار والمواطنين على حدٍ سواء، وسيؤدي إلى ارتفاع قيمة هذه العملات على حساب الشيكل، وسيسهم في ارتفاع أسعار السلع.
ويقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، إن الأسباب التي عززت من عدم توفر السيولة النقدية، من فئة الدولار تحديداً، تتمثل في منع الاحتلال إدخال العملة الأميركية لغزة، وعرقلة الجهود الدولية، وتراجع التمويل داخل القطاع في الفترة الأخيرة.
ويرى أبو جياب لـ"العربي الجديد" أن أحد العوامل الرئيسية في نقص العملة الأميركية يعود إلى الاستنزاف المستمر عبر البوابة المصرية للتجارة، والتي تستهلك رصيد عملة الدولار باتجاه واحد من غزة للخارج، من دون تمكين الشركات الفلسطينية من تصدير منتجاتها للخارج وتعويض العملة المفقودة.
ويشير إلى أن البنوك لجأت مؤخراً إلى اتخاذ بعض الإجراءات تجاه هذه الأزمة، لخشيتها من إمكانية حدوث عجز حاد في توفر عملة الدولار أو الدينار، في ظل رفض الاحتلال وعرقلته إدخال السيولة النقدية للقطاع، تزامناً مع القيود المفروضة.
وبحسب أبو جياب، فإن حل هذه الأزمة يكمن في تمكين الشركات الفلسطينية الصناعية والزراعية من توسيع عمليات التصدير للخارج عبر البوابة المصرية، بما يقلل من انعكاسات الأزمة والوصول إلى نقطة توازن تتجاوز السياسات الإسرائيلية ضد غزة، إلى جانب الإصرار على دخول المنح المالية والمساعدات الدولية نقدا إلى غزة.