أزمة ثقة تضرب "كريدي سويس" وتعيد للأذهان أزمات البنوك العالمية

أزمة ثقة تضرب "كريدي سويس" وتعيد للأذهان أزمات البنوك العالمية

04 أكتوبر 2022
البنك سعى جاهدا لطمأنة المستثمرين حول ملاءته المالية (فرانس برس)
+ الخط -

هزت أزمة ثقة سمعة بنك "كريدي سويس Credit Suisse" المعروف عالميا، حيث دفعت المستثمرين لبيع أسهمه وسنداته، قبل أن يستعيد بعضا من خسائره صباح اليوم الثلاثاء، لكن ظلت أسهمه متراجعة في البورصة بنحو 50% عن أول العام الجاري 2022.

وارتبط اسم البنك السويسري، وهو أحد أكبر بنوك الاستثمار وإدارة الأموال حول العالم، في السنوات الأخيرة بالتورط في عمليات فساد وغسل أموال وتلقي ودائع من حكام فاسدين حول العالم، وهو ما جعله عرضة لغرامات من قبل القضاء الدولي، كما ارتبط اسم البنك بفضيحة تسرب بيانات العملاء الشهيرة في فبراير 2022 والتي أثارت ضجة عالمية.

وتراجعت تكلفة التأمين على سندات البنك السويسري اليوم عن إقفال أمس الاثنين، تماشيا مع انتعاش أسهم الشركة مع هدوء بعض المخاوف بشأن البنك، حيث ترددت أنباء أمس عن أزمة يمر بها البنك قد تكون مماثلة لتلك التي مر بها بنك "ليمان براذر" والتي كانت بداية الأزمة المالية العالمية في 2008 /2009.

وتراجعت اليوم مقايضات التخلف عن سداد الائتمان لمدة خمس سنوات للبنك بنحو 13 نقطة أساس إلى 308.32 نقاط من مستوى إغلاق يوم الاثنين عند 321.10 نقطة أساس بعدما بدأ اليوم بالتراجع إلى 355 نقطة أساس بزيادة من 57 نقطة أساس في بداية العام، وفقًا لوكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس".

وهبطت أسهم البنك إلى أدنى مستوياتها التاريخية أمس دون 3.6 فرنكات سويسرية، منخفضة بنحو 10 في المائة عند افتتاح السوق.

وارتفعت تكلفة التأمين على الديون ضد التعثر " CDS" بنحو 15% الأسبوع الماضي، لتصل إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2009 ما يعيد إلى الذاكرة انهيار "ليمان براذرز Lehman Brothers " خلال أزمة الائتمان العالمية.

وسجلت أسهم البنك السويسري أدنى مستوياتها الشهر الماضي وهوت سنداته مع تصاعد الشكوك حول قوة الشركة.

إعادة هيكلة

ويكشف البنك الذي تعرض لخسائر كبيرة هذا العام عن خطة لإعادة الهيكلة، حيث سيعلن عن نتائجها في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ونشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" تقريرا، أفاد بأن المسؤولين التنفيذيين في البنك السويسري أمضوا عطلة نهاية الأسبوع في طمأنة كبار العملاء والمستثمرين بشأن السيولة ووضع رأس المال.

وقدر المحللون في "دويتشه بنك" الشهر الماضي أن الإجراءات الصارمة ستجعل المقرض السويسري بحاجة إلى 4 مليارات فرنك سويسري (4.04 مليارات دولار تقريبا) إضافية بسبب تكاليف إعادة الهيكلة ، والحاجة إلى تنمية خطوط الأعمال الأخرى والضغط التنظيمي لتعزيز نسب رأس المال.

وتتزايد أزمة ثقة المستثمرين، الذين اضطروا بالفعل إلى تكبد خسائر من فضائح سابقة شارك فيها البنك مثل أرشيغوس" Archegos " وغرينسل " Greensill" .

لكن كبار المسؤولين التنفيذيين في البنك يصرون على أن زيادة رأس المال ستكون الملاذ الأخير.
وقال مصرفي قضى عطلة نهاية الأسبوع في الاتصال بالعملاء الرئيسيين والأطراف المقابلة في محاولة لطمأنتهم بشأن الوضع المالي للبنك: "أريد أن أكون واضحًا ، فنحن لا نبحث عن مستثمرين لرأس المال".
وأضاف وفقا لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، أننا "سنبيع الأصول ونقوم بتصفية الاستثمارات فقط حتى نتمكن من تمويل هذا المحور القوي جدًا الذي نعتزم القيام به نحو عمل مستقر".
ويتوقع محللون نجاح البنك في جمع ما يصل إلى ملياري فرنك سويسري من بيع أصول.  

تساؤلات المستقبل 

هناك موضوعان يحظيان باهتمام كبير لدى المستثمرين والمعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، وهما وضع رأس المال للبنك السويسري، والذي يعكس قدرته على امتصاص الخسائر، ومستويات السيولة التي سيتم اختبارها في فترات الضغط على المدى القصير، والتي يصر البنك على أنها لا تشكل أي مخاطر.
في أحدث نتائج ربع سنوية له في يوليو/تموز الماضي، أعلن البنك عن ارتفاع نسبة الأسهم العادية من المستوى الأول، مما يعكس مرونته المالية، حيث بلغت 13.5 في المائة، ضمن هدفه البالغ 13-14 في المائة لهذا العام. ويأتي هذا ارتفاعا من 11.4 في المائة في عام 2015 و 12.9 في المائة في عام 2020، ويعادل 37 مليار فرنك سويسري من رأس المال.

علاوة على ذلك، يمتلك البنك 15.7 مليار فرنك سويسري من رأس المال الإضافي من المستوى الأول، والذي يتم جمعه من إصدار ما يسمى بالسندات "القابلة للتحويل" – أو" cocos" لأنه يمكن تحويلها إلى أسهم في أوقات الشدة.
وجمع البنك الصيف الماضي، نحو 1.5 مليار دولار من خلال طرح سندات بفائدة بلغت 9.75 في المائة، وهو إصدار بدا أنه باهظ الثمن، مما أدى لتخفيض تصنيف البنك منذ ذلك الحين من قبل العديد من وكالات الائتمان ويتم تداول السند حاليًا بعائد بنسبة 12.5 في المائة.

بالإضافة إلى ذلك ، كان لدى البنك في نتائجه المالية الأخيرة 44.2 مليار فرنك سويسري من "رأس المال القابل للتحويل" ، وهو رأس مال إضافي مطلوب من قبل المنظم السويسري لامتصاص الخسائر دون التسبب في الإفلاس.

قال أحد التنفيذيين في البنك، إننا "سنحتاج إلى إنفاق 97 مليار فرنك سويسري من رأس المال قبل أن يحدث أي شيء للعملاء أو الموظفين"، مضيفا أن بنك يو بي إس (UBS) جمع المليارات من الدولارات في الأزمة المالية وتم إنقاذه. وهذا ليس وضع بنك كريدي سويس اليوم ".
وقال أندرو كومبس المحلل في سيتي غروب: "سنكون حذرين من إجراء مقارنات مع البنوك في عام 2008 أو أزمة دويتشه بنك في عام 2016".

وأضاف أنه عندما يتعلق الأمر بمستويات السيولة للبنك، فإن كريدي سويس لديه معدل تغطية سيولة يبلغ 191 في المائة، وهو أعلى بكثير من معظم أقرانه. والنسبة هي انعكاس لمبلغ الأصول المالية عالية السيولة التي يحتفظ بها البنك والتي يمكن استخدامها للوفاء بالالتزامات قصيرة الأجل.
وقال كيان أبو حسين، المحلل في جي بي مورغان، "من وجهة نظرنا، بالنظر إلى البيانات المالية للشركة في نهاية الربع الثاني، نرى أن مركز رأس المال والسيولة في كريدي سويس سليم".

أزمة ثقة 

تراجعت الأسهم في العملاق المصرفي السويسري بنسبة 12% إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق أمس الاثنين بعد عطلة نهاية أسبوع من التكهنات المحمومة على وسائل التواصل بشأن جهوزيته المالية، قبل أن يستعيد جميع الخسائر تقريبًا في وقت لاحق من اليوم.
ووفقا لتقرير وكالة "بلومبيرغ" فإن التقلبات الجامحة تظهر الصعوبة التي يواجهها البنك في إدارة الثقة المحمومة للمستثمرين بينما يندفع لوضع خطة إصلاح لبنكه الاستثماري، الذي كان على وشك التعثر منذ أن تعرض لخسائر فادحة العام الماضي، مما أدى بالبعض إلى العودة إلى أيام عام 2008 التي كانت مدفوعة بالخوف.

ويقول العديد من المحللين إن المقارنة الأفضل هي مع دويتشه بنك في عامي 2016 و 2017، ومورغان ستانلي في عام 2011. وكلاهما نجا من هذه المحنة، وقال أندرو كومبس من سيتي غروب "هذا ليس عام 2008".
ارتفعت أسهم البنك اليوم، مما جعلها أعلى من حيث أغلقت يوم الجمعة، عندما نشر الرئيس التنفيذي أولريش كورنر مذكرة ساعدت في إثارة الاضطرابات. كما انخفضت تكاليف تأمين ديون البنك ضد التخلف عن السداد.
ومع ذلك، فإن رد فعل سوق الأسهم المروع في البداية يوم الاثنين على ارتفاع تكاليف مقايضات التخلف عن السداد - وعمليات البيع على مدى الشهرين الماضيين - يشير إلى تدهور مجموعة الخيارات المتاحة للشركة السويسرية قبل مراجعة إستراتيجية الطوارئ في 27 أكتوبر الجاري. وخسرت الأسهم قرابة ربع قيمتها منذ أن أعلن بنك كريدي سويس عن المراجعة الاستراتيجية.

يشعر المستثمرون بالقلق بشأن الكيفية التي سيغطي بها البنك تكلفة مثل هذه الخطة، والتي حددها العديد من المحللين عند 4 مليارات دولار، وماذا سيعني ذلك بالنسبة لنسبة رأس ماله الأساسي البالغة 13.5%، خاصة خلال فترة عانى فيها البنك الاستثماري من خسائر فادحة. 
مع وجود أسهمه في القاع بعد انخفاضها بأكثر من 95% من ذروتها، يأمل المقرض في جمع السيولة من خلال عمليات البيع بدلاً من إصدار حقوق ملكية من النوع الذي انتهى به الأمر في دويتشه بنك.

خيارات البنك

وقالت أليسون ويليامز، المحللة المصرفية في بلومبيرغ إنتليجنس: "إذا كان أحد الخيارات يتضمن زيادة رأس المال، فسيكون من الصعب دائمًا أن يستقر السهم عندما يكون حجم الإصدار المحتمل والتخفيف غير معروف"، مشيرة إلى أن "الأسواق الصعبة تزيد من نفاد الصبر".
اجتذب بيع مجموعة المنتجات المهيكلة التابعة للبنك، والتي تتاجر في الديون المؤرقة، اهتمام المشترين المحتملين ولكنْ هناك شكوك حول مدى سهولة بيع هذه الأصول في ظل ارتفاع أسعار الفائدة حاليا.

وقال أندرياس فينديتي ، محلل البنوك في" فونتوبيل" ، "لو بدأوا في إعادة الهيكلة قبل عام أو عامين، لكان من الأسهل عليهم البيع حيث كان هناك المزيد من الطلب على الأصول الخطرة". كانت الشركة غير محظوظة بشكل مضاعف لأنها تميل نحو أنشطة البنوك الاستثمارية التي تكافح الآن، بما في ذلك وحدة القروض ذات الرافعة المالية.
وفقًا لفنديتي، فإن المشكلة التي يواجهها الرئيس التنفيذي أولريش كورنر ورئيس مجلس الإدارة أكسل ليمان، وهما الثنائي السويسري المكلف بتصميم خطة إعادة هيكلة عملية، هي أن المساهمين المنقسمين سيتفاعلون بشكل سيئ إذا لم يتخذ الاثنان إجراءات جذرية لتقليص الاستثمار، خاصة بعد أن تهربت الإدارات السابقة من الخيارات الصعبة.

وأضاف أن بيع وحدة إدارة الأصول، و التي عانت من ضرر لسمعتها من انهيار شركة غرينسيل، هو عامل آخر محتمل لجذب الأموال. أو يمكن لكويرنر وليمان التخلص من فكرة الرئيس التنفيذي السابق تيدجان ثيام ومتابعة طرح عام أولي لوحدة البنك في سويسرا، والذي صمد بشكل جيد نسبيًا حيث غمرت الفضيحة وفوضى الأسواق فروعا دولية أخرى للبنك، ومع ذلك، سيكون ذلك صعبًا في لحظة عصيبة تمر بها الاكتتابات العامة.

وقد يكون أحد الخيارات هو تقديم نشر مراجعة الإستراتيجية، بدلاً من تحمل ثلاثة أسابيع أخرى من اضطراب سوق الأسهم، حيث اقترح كيان أبو حسين أن يقدم البنك موعد إعلانه المالي للربع الثالث لتقوية ثقة المستثمرين في ميزانيته العمومية بحلول نهاية الأسبوع الجاري.

وأشار إلى أن تجربة "دويتشه بنك" و"مورغان ستانلي" قد تكون مفيدة في هذا الإطار، حيث استطاعا تخطي الأزمة التي مرا بها خلال عدة شهور نجحا خلالها بإعادة الثقة في قوتهما المالية.

خسائر في هونغ كونغ

في السياق، يواجه البنك وفقا لمصادر مطلعة تحدثت لـ"بلومبيرغ" أزمة استقالات في قياداته بفرعه في هونغ كونغ، تزامنا مع أزمته الحالية في مركزه السويسري، حيث استقال لوك تشيو، العضو المنتدب وقائد السوق الصيني، ونيلسون هوي، المدير وقائد الفريق في الصين . 
وأكدت المصادر إن ستيفن لاو، مدير فريق هونغ كونغ، استقال قبل بضعة أسابيع وانضم إلى بنك منافس، إضافة إلى استقالة اثنين من كبار المصرفيين الشهر الماضي.
تأتي الاستقالات في الوقت الذي أعلن البنك من قبل أنه يخطط للتوسع في هونغ كونغ والصين وسنغافورة، وهي الخطة التي تواجه اضطرابا أيضا، حيث كان لدى البنك طموحات للنمو في الصين أيضا، عبر الشراكة مع بنك محلي صيني، لكنه لم يحصل على الموافقات اللازمة بعد.
وهو ما دفع البنك للإعلان في يونيو/حزيران الماضي، عن إرجاء خطته لإطلاق بنك محلي في الصين  حتى عام 2024.

اتهامات بالفساد 

تأتي أزمة الثقة الحالية في البنك، بعد سلسلة من الأزمات التي تتعلق بالفساد واجهها خلال الشهور الماضية، ففي فبراير/شباط الماضي، اتهم البنك باستقبال أموال مصدرها الفساد أو أوساط الجريمة إلا ان البنك السويسري "رفض تماما" هذه الاتهامات.

وأجرت مجموعة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، التي تضم 47 وسيلة إعلامية، من بينها صحف غربية بارزة، تحقيقا دوليا أظهر أن هناك 37 ألف حساب في بنك كريدي سويس، ثاني أكبر بنوك سويسرا، بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار مرتبطة بالجريمة والفساد على مدى عقود.
وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن ذلك أتى "على حساب الضوابط المعتمدة في المصارف الدولية". واستندت "OCCRP"، إلى بيانات سلمتها مصادر لم يجر الكشف عن هويتها، قبل أكثر من سنة بقليل إلى صحيفة "سودويتشه تسايتونغ" الألمانية. ومن بين هذه الحسابات 18 شخصية عربية مثل عبد العزيز بوتفليقة وعلاء وجمال مبارك وعمر سليمان وحسين سالم وعبد الحليم خدام وغيرهم.

وفي مارس/آذار اهتز المصرف بإفلاس شركة "غرينسيل" المالية التي استثمر فيها حوالى عشرة مليارات دولار من خلال أربعة صناديق ومن ثم انهيار صندوق "أرشيغوس" الأميركي الذي كلف المصرف خمسة مليارات دولار.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فرضت السلطات الأميركية والبريطانية غرامات على البنك السويسري بقيمة 475 مليون دولار بسبب منحه مؤسسات عامة في موزمبيق قروضاً كانت في صلب فضيحة فساد.

المساهمون