استمع إلى الملخص
- تواجه دول الخليج تحديات في تلبية الطلب الأوروبي المتزايد بسبب ارتباطها بعقود طويلة الأجل مع الأسواق الآسيوية، مما يتطلب استثمارات مستقبلية لتعزيز قدرتها على تلبية الطلب الأوروبي.
- تعاني أوروبا من صعوبات لوجستية وارتفاع تكاليف استيراد الغاز من مصادر بديلة، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأوروبي ويزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
مع تفاقم أزمة الغاز الأوروبية بسبب قطع الإمداد الروسي عبر أوكرانيا منذ بداية العام الجاري، أصبحت دول الخليج، لا سيما قطر والإمارات وسلطنة عمان، مرشحة باعتبارها مورداً للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، خاصة بعد نتائج قمة أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة. وإزاء ذلك، أصبحت دول الخليج أكثر أهمية بالنسبة لأوروبا في ظل سعيها لاستبدال اعتمادها على الغاز الروسي من جانب، إضافة إلى بحثها عن شراكات للتعاون في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين، من جانب آخر.
غير أن دول الخليج تواجه تحديات في تلبية الطلب الأوروبي على الغاز، خاصة في ظل ارتباطها بعقود طويلة الأجل مع الأسواق الآسيوية، مما يحد من قدرتها على زيادة الصادرات إلى أوروبا بشكل كبير، وفقاً لما أورده تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ". كما أن المنافسة مع الأسواق الآسيوية، وخاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية، تزيد من الضغوط على العرض، فالأسواق الآسيوية، وخاصة الصين، تشهد نموا قويا في الطلب على الغاز الطبيعي المسال، وهذا التنافس قد يحد من قدرة دول الخليج على تلبية الطلب الأوروبي بالكامل، بحسب التقرير ذاته.
لذا، فإن الاستثمارات المستقبلية في مشاريع لحل أزمة الغاز الطبيعي المسال تمثل أهمية كبيرة لأوروبا وتعزز من قدرة دول الخليج على لعب دور أكبر في سوق الطاقة، ومنها إبرام سلطنة عمان اتفاقيات مع ألمانيا لتزويدها بـ 400 ألف طن متري سنويًا من الغاز المسال بدءًا من عام 2026، بينما تواجه اتفاقيات كهذه تحديات تتعلق بالجانب اللوجستي وكلفته، بحسب إفادة خبيرين "العربي الجديد". ومن زاوية قطاع الطاقة المتجددة، فإن هناك إمكانية لإنشاء أنابيب لنقل الهيدروجين من دول الخليج إلى أوروبا، مما يمكن أن يسهم في تحقيق أهداف الطاقة النظيفة للاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030، وفقًا لدراسة نشرتها منصة "جاز أوتلوك".
تحولات جذرية في تجارة الغاز
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إلى أن خريطة استيراد الغاز الطبيعي في أوروبا تشهد تحولات جذرية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، خاصة بعدما اتخذت المفوضية الأوروبية قراراً بتقليص وارداتها من الغاز الروسي الذي كان يشكل 40% من احتياجاتها، متجهة نحو تنويع مصادر التوريد. وفي ظل اعتماد أوروبا سابقاً على خطوط أنابيب مثل "نوردستريم" و"ترك ستريم" لاستيراد الغاز الروسي، يشير إسماعيل إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تتجه حالياً نحو منطقة الخليج العربي كمصدر موثوق به للغاز الطبيعي المسال المنقول بحراً.
وعلى صعيد الاتفاقيات الجديدة، يوضح الخبير الاقتصادي أن سلطنة عمان ستزود ألمانيا بـ 400 ألف طن متري سنوياً لمدة أربع سنوات بدءاً من عام 2026، كما وقعت اتفاقاً مع شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية لتوريد 800 ألف طن متري سنوياً من 2025 ولمدة عشر سنوات، مع توقعات بارتفاع هذه الأرقام في الأعوام المقبلة. وفي السياق ذاته، يلفت إسماعيل إلى أن قطر، المنتج الأكبر في الخليج وأحد أهم المصدرين عالميا، تستطيع تعويض 15% من واردات الغاز الروسي لأوروبا، حيث وقعت اتفاقاً مع ألمانيا لتزويدها بمليوني طن متري سنوياً لمدة 15 عاماً اعتبارا من 2026.
ويضيف إسماعيل أن إنتاج الغاز الطبيعي المسال القطري سيرتفع من 77 مليون طن إلى 126 مليون طن سنوياً نهاية 2026 وبداية 2027، مشيراً إلى أن قطر شحنت لأوروبا عام 2023 ما يزيد عن 15 مليون طن، وأرسلت في يوليو/تموز الماضي غازاً طبيعياً مسالاً بمقدار 783 مليون متر مكعب.
كما يجري الاتحاد الأوروبي محادثات مع شركة أدنوك الإماراتية، لتوريد الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى توجه السعودية لتزويد ألمانيا به، مع اهتمام أوروبي باستيراد الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء مستقبلاً، رغم أن الكميات المطروحة حالياً متواضعة، بحسب إسماعيل. وفي تقييمه للوضع الراهن، يؤكد الخبير الاقتصادي أن دول الخليج العربي لا تستطيع تعويض الغاز الروسي بالكامل في المرحلة الحالية، باستثناء قطر التي يمكن لها المساهمة في معالجة الأزمة الأوروبية بعد إكمال مشاريع توسيع الإنتاج، ما يدفع أوروبا لمواصلة اعتمادها على النرويج والولايات المتحدة كمزودين رئيسيين.
ويستند إسماعيل في تقديره إلى أن أوروبا استوردت عام 2022 حوالي 350 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، لينخفض هذا الرقم بنسبة 13% بسبب التحول التدريجي للطاقة المتجددة وتقليل الاستهلاك الصناعي، فيما تزود الولايات المتحدة أوروبا بنسبة 40% من حاجتها. ويحدد الخبير الاقتصادي ثلاثة تحديات رئيسية تواجه أوروبا، تتمثل في نقص البنية التحتية لاستقبال المزيد من الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى غاز، والتنافس مع الطلب المتزايد في آسيا من دول مثل كوريا الجنوبية واليابان والصين، واستنزاف المخزونات الأوروبية التي بلغت 95% في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، لتنخفض حالياً إلى 74% بسبب الطلب الشديد أثناء "فصل الشتاء القاسي" حسب تعبيره.
صعوبات لوجستية لحل أزمة الغاز
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، وضاح طه، لـ "العربي الجديد"، إلى أن أزمة الغاز الأوروبية كانت قد بدأت أصلاً بسبب نقص الإمدادات الروسية حتى قبل تهديد أوكرانيا بمنع مرور الغاز الروسي عبر أراضيها إلى دول أوروبية مثل سلوفاكيا، وهو ما يخلق تحديات كبيرة للدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.
ومن ناحية أخرى، تساهم في أزمة الغاز الأوروبية صعوبات لوجستية كبيرة في استيراده من مصادر بديلة، مثل الغاز الأميركي أو الخليجي، الذي يتطلب نقله عبر بواخر متخصصة، ما يزيد من التكاليف والتعقيدات، بحسب طه، الذي يشير إلى أن أسعار الغاز ارتفعت بنسبة تقارب 45% خلال العام الماضي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على موازنات الإنفاق الحكومية والأسرية. كما تؤثر هذه الزيادة في الأسعار سلبا على معدلات التضخم، الأمر الذي يؤدي بالمحصلة، حسب تقدير طه، إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطن الأوروبي، بما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأفراد والعائلات.
لكن التأثيرات السلبية لأزمة الغاز الأوروبية نتيجة نقص أو قطع الإمدادات الروسية لا تقتصر على الجانب الاستهلاكي فحسب، بل تمتد، بحسب طه، إلى القطاع الصناعي الأوروبي، وخاصة الصناعة الألمانية، التي تعتمد على الغاز عنصرا أساسيا في عمليات الإنتاج، موضحا أن ارتفاع تكاليف التشغيل يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، مما يضعف القدرة التنافسية للبضائع الأوروبية في الأسواق العالمية. كما أن ارتفاع تكاليف الطاقة يرهق ميزانيات الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، التي تفتقر إلى القدرة على تحمل هذه التكاليف المرتفعة، بحسب طه، الذي يشير إلى زيادة احتمالات حالات الإفلاس بين هذه الشركات بحلول عام 2025 إذا استمرت الأوضاع على حالها الراهن.
ويخلص طه إلى صعوبة تحقيق استدامة في إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بتكاليف معقولة، خاصة في ظل عدم القدرة على منافسة الغاز الروسي، الذي يتمتع بمزايا جغرافية وتوفر إمدادات مستمرة عبر الأنابيب، ويرى أن أوروبا ستستمر في دفع فاتورة باهظة اقتصاديا واجتماعيا نتيجة قرارات وقف استيراد الغاز الروسي، و"التي تعاقب بها أوروبا نفسها أكثر مما تعاقب روسيا" حسب تعبيره.