ارتفعت أسعار الغاز على مستوى العالم بعد شتاء طويل استُنفدت فيه مخازن الغاز في جميع أنحاء أوروبا وآسيا بشدة. وفيما لا تزال مستويات التخزين أقل بكثير من المتوسط، تباطأت واردات الغاز إلى أوروبا من النرويج وروسيا والشرق الأوسط.
كانت أزمة الطاقة غير المسبوقة تختمر منذ سنوات، بحسب وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، مع تزايد اعتماد أوروبا بنحو متزايد على مصادر الطاقة المتقطعة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، بينما انخفضت الاستثمارات في الوقود الأحفوري.
كذلك دفعت السياسة البيئية بعض البلدان إلى إغلاق معامل الفحم والطاقة النووية، ما قلّل من عدد محطات الطاقة التي يمكن أن تكون بمثابة دعم في أوقات النقص.
يرتفع الطلب على الطاقة من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا، مع تعافي الاقتصادات من كورونا، ما يعزز النشاط الصناعي ويؤجج المخاوف بشأن التضخم
في المقابل، يرتفع الطلب على الطاقة من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا، مع تعافي الاقتصادات من الوباء العالمي، ما يعزز النشاط الصناعي ويؤجج المخاوف بشأن التضخم.
في المملكة المتحدة مثلاً، أدى ارتفاع أسعار الغاز إلى تسجيل أسعار قياسية في سوق الكهرباء، لأن البلاد تعتمد على محطات الطاقة التي تعمل بالغاز لتوليد ما يقرب من نصف الكهرباء، وفق صحيفة "الغارديان".
وأدت سرعة الرياح المنخفضة إلى الهبوط بتوليد الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة، وأدت سلسلة من الانقطاعات في محطات الطاقة وكابل رئيسي يربط بريطانيا بفرنسا إلى ارتفاع الأسعار في السوق.
لقد أفلس خمسة من موردي الطاقة في الأسابيع الخمسة الماضية، وفق الصحيفة البريطانية، مع ارتفاع أسعار سوق الطاقة، ما ترك أكثر من نصف مليون منزل في حاجة إلى تدابير الإنقاذ من الجهة المنظمة للصناعة.
وسبّب الارتفاع الصاروخي في أسعار الغاز الطبيعي أيضاً تباطؤاً في جميع أنحاء أوروبا، طاول بعض المصانع الكيماوية التي تنتج الأسمدة، أحد منتجاتها الثانوية ثاني أكسيد الكربون المستخدم في المشروبات الغازية والبيرة، وكذلك في صناعة اللحوم.
يؤكد المحللون أن أوروبا تستعد أساساً لفصل شتاء قاسٍ، لا بل إن أزمة الطاقة التي بدأت منذ سنوات طويلة تجعل القارة تعتمد على تقلبات الطقس.
أفلس خمسة من موردي الطاقة في الأسابيع الخمسة الماضية مع ارتفاع أسعار سوق الطاقة، ما ترك أكثر من نصف مليون منزل في حاجة إلى تدابير الإنقاذ من الجهة المنظمة للصناعة
وفي مواجهة ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، ستحتاج البلدان، من المملكة المتحدة إلى ألمانيا، للاعتماد على درجات حرارة معتدلة لتجاوز موسم التدفئة.
فأوروبا تفتقر إلى الغاز والفحم، وإذا لم تهبّ الرياح، فإن السيناريو الأسوأ يمكن أن يحدث: انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، الذي يجبر الشركات والمصانع على الإغلاق، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
وقال ماركو ألفيرا، الرئيس التنفيذي لشركة البنية التحتية للطاقة الإيطالية "سنام سبا" للوكالة الأميركية: "يمكن أن يصبح الأمر سيئاً للغاية ما لم نتحرك بسرعة لمحاولة ملء كل شبر من مراكز التخزين. يمكنك البقاء على قيد الحياة لمدة أسبوع من دون كهرباء، لكن لا يمكنك العيش من دون غاز".
تشعر الحكومات بالقلق إزاء الضربة التي تلحق بالأسر التي تعاني بالفعل من ارتفاع تكاليف كل شيء من الغذاء إلى النقل. مع تحطيم أسعار الطاقة والغاز للأرقام القياسية يوماً بعد يوم، تتدخل إسبانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا لحماية المستهلكين من التضخم.
شرح ديرموت نولان، الرئيس التنفيذي السابق لمنظم الطاقة في المملكة المتحدة "أوفجيم"، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ: "ستكون مكلفة للمستهلكين، وستكون مكلفة لمستخدمي الطاقة الكبار، أسعار الكهرباء والغاز ستكون أعلى في المنزل مما يريده الجميع، وستكون أغلى مما كانت عليه منذ حوالى 12 عاماً".
وتضاعفت أسعار الغاز في أوروبا أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العام، حيث عمدت روسيا، أكبر مورد للغاز، إلى الحد من عمليات التسليم الإضافية التي تحتاجها القارة لإعادة ملء مواقع التخزين المستنفدة بعد شتاء بارد العام الماضي.
تضاعفت أسعار الغاز في أوروبا أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العام، حيث عمدت روسيا إلى الحد من عمليات التسليم الإضافية التي تحتاجها القارة لإعادة ملء مواقع التخزين المستنفدة بعد شتاء بارد في 2020
كان من الصعب الحصول على إمدادات بديلة، حيث تخضع حقول بحر الشمال لصيانة مكثفة بعد تأخيرات ناجمة عن الوباء، وتجمع آسيا شحنات الغاز الطبيعي المسال لتلبية الطلب المتزايد هناك. القطاع الزراعي يعيش هاجساً يومياً.
قد تتضرر الصناعة الزراعية بشدة. في وقت سابق من هذا الأسبوع، قالت "أس أف أنديستري" إنها أوقفت مصنعين في المملكة المتحدة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة.
وأكدت شركة الأسمدة النرويجية "يارا" يوم الجمعة أنها ستقلص بحلول الأسبوع المقبل حوالى 40 في المائة من طاقتها الإنتاجية من الأمونيا الأوروبية، حيث أثرت أسعار الغاز القياسية المرتفعة في الإنتاج.
وقفزت أسعار الأسمدة العام الماضي، حيث ساعد ارتفاع المحاصيل المزارعين على زيادة مشترياتهم. لقد دُعموا بشكل أكبر بعد أن ضرب إعصار إيدا قلب صناعة الأسمدة الأميركية، وهددت العاصفة نيكولاس بمزيد من الضرر في خليج المكسيك.
يهدد ارتفاع التكاليف هذه بتفاقم تضخم أسعار الغذاء العالمي في وقت يتزايد فيه الجوع، ولا سيما في الدول الفقيرة.
يهدد ارتفاع التكاليف هذه بتفاقم تضخم أسعار الغذاء العالمي في وقت يتزايد فيه الجوع، ولا سيما في الدول الفقيرة
وتؤدي عمليات الإغلاق إلى إلحاق الضرر بسلسلة الإمداد الغذائي، التي تستخدم منتجاً ثانوياً لإنتاج الأسمدة في كل شيء، بدءاً من معالجة اللحوم، وحتى البيرة. وتأثرت أيضاً صناعات السكر والنشاء في فرنسا بارتفاع تكاليف الطاقة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ قال أكبر منتج للنحاس في أوروبا "أوروبيس آي دجي" إن الأسعار المرتفعة ستستمر في الضغط على هوامش الربح خلال بقية العام.