أزمة الديون الأوروبية ...إصلاحات مرنة تتجنب التقشف وإغضاب الشعوب

03 مايو 2023
20 دولة في الاتحاد الأوروبي سجلت عجزاً مالياً العام الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد أوروبا تحركات واسعة لكبح الديون الحكومية وتقليص العجز المالي، التي ينذر انفلاتها بأزمات اقتصادية أعمق بينما تواجه القارة ضغوطاً كبيرة بفعل تراكمات جائحة فيروس كورونا وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا المستمرة منذ فبراير/ شباط من العام الماضي.

ورغم أن البيانات الرسمية لعام 2022 تظهر تباطؤ وتيرة العجز المالي وانخفاض الديون الحكومية إلى الناتج الإجمالي للدول سواء الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة أو منطقة اليورو التي تضم 19 دولة، إلا أنها تخطت بالأساس مستويات الأمان ووصلت إلى مناطق خطرة للغاية، خاصة في دول انطلقت منها أزمات ديون حادة في سنوات ماضية كلفت أوروبا مبالغ طائلة لمعالجتها، فضلاً عن فرض سياسات تقشفية كبيرة على مواطني هذه الدول.

ونهاية الأسبوع الماضي، تبنت المفوضية الأوروبية خطة لخفض الديون خلال العقدين القادمين، لتبدو أكثر مرونة في التعامل مع القضية الشائكة بدل انتهاج سياسات التقشف التي تثير الرأي العام في مثل هذه الظروف، حيث يواجه مواطنو معظم الدول ضغوطاً معيشية بفعل التضخم. ورغم هذه المرونة، إلا أنه يبدو أن خطط خفض الديون لن تمر دون مواجهة مع الدول الأكثر مديونية، وفق خبراء اقتصاد.

وأظهرت بيانات صادرة عن مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن نسبة العجز المالي في الاتحاد الأوروبي بلغت 3.4% العام الماضي مقابل 4.8% في عام 2021، بينما كانت قد سجلت أرقاماً قياسية خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا عند 6.7%.

في عام 2022، أبلغت 20 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، عن وجود عجز، فيما أبلغت ست دول عن وجود فائض، وسجلت دولة واحدة توازناً بين الإيرادات والمصروفات وهي هولندا. وجرى تسجيل أعلى نسبة عجز في إيطاليا بنسبة 8%، تليها المجر ورومانيا بنسبة 6.2% لكل منهما، ومالطا 5.8%، وسجلت 12 دولة عجزاً أعلى من 3%. وبالنسبة للدول الست التي حققت فائضاً جاءت الدنمارك في مقدمتها مسجلة 3.3%، تليها قبرص 2.1%، ثم أيرلندا 1.6%.

وبلغت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي 84% العام الماضي مقابل 88% في 2021. وسجلت 13 دولة نسب دين أعلى من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث سجلت اليونان أعلى نسبة دين بواقع 171.3%، تليها إيطاليا 144.4%، والبرتغال 113.9%، وإسبانيا 113.2%، وفرنسا 111.6%، وبلجيكا بنسبة 105.1%. في حين جرى تسجيل أدنى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إستونيا عند 18.4%، تليها بلغاريا بنسبة 22.9%، ولوكسمبورغ 24.6%، والدنمارك 30.1%، والسويد 33%، وليتوانيا 38.4%.

وبموجب شروط ميثاق الاستقرار والنمو للاتحاد الأوروبي، تعهدت الدول الأعضاء بالإبقاء على عجزها وديونها دون حدود معينة، إذ لا يجوز أن يتجاوز العجز الحكومي لدولة عضو نسبة 3%، في حين أن ديونها لا ينبغي أن تتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

وإذا لم تحترم دولة عضو هذه الحدود، يتم تفعيل ما يسمى بإجراء العجز المفرط. وهذا يتطلب عدة خطوات بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات، لحث الدول الأعضاء المعنية على اتخاذ التدابير المناسبة لتصحيح الوضع.

وفي دول اليورو تبدو نسبتا العجز والدين أكثر إزعاجاً رغم تباطؤها بشكل لافت العام الماضي مقارنة بالعامين السابقين، إذ بلغ العجز 3.6% في 2022، مقابل 5.3% في 2021. وسجلت نسبة الدين الحكومي 91.6% مقابل 95.5% في 2021، بينما كانت قد سجلت أرقاماً قياسية خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا عند 7.1%، وفق بيانات يوروستات الصادرة في 20 إبريل/ نيسان.

ويعترف الأوروبيون أن قواعدهم القديمة للتعامل مع مشكلة الديون لا تعمل، وهي بحاجة لإصلاحات. وتحاول المفوضية الأوروبية تطبيق سياسات اقتصادية مختلفة خلال العقدين القادمين لتخفيف ملزم لتلك الديون بمقدار 5% سنوياً للدولة التي يزيد فيها الدين عن النسبة المسموح بها والبالغة 60% من إجمالي الناتج المحلي.

وحتى لو كان العنوان التي ترفعه المفوضية الأوروبية "قواعد دين أبسط وشفافة وفعالة" فإن بروكسل ستجد نفسها أمام معركة حقيقية لفرض تطبيق مقترحات خفض الدين، خاصة أن الدول الغنية لا تريد تحمل فواتير أعلى مثل السابق.

ونقلت وكالة بلومبيرغ عن وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر قوله نهاية إبريل/ نيسان إن مقترحات المفوضية الأوروبية لمراجعة قواعد ديون الاتحاد الأوروبي "ما زالت مجرد خطوة أولى" في عملية الإصلاح، مضيفاً أنها تريد نظاماً يستند إلى قواعد ويؤدي إلى خفض "موثوق" في الديون.

لكن في الجانب الآخر، فإن الدول الأكثر مديونية من المتوقع أن تعارض أي سياسات تقشفية قاسية قد تثير غضب الشعوب في مثل هذه الظروف. وبشكل خاص سيكون الوضع صعباً على دول مثل إيطاليا واليونان والبرتغال، وغيرها من البلدان المثقلة بديون كبيرة. فحكومات الدول ستطبق سياسات ضرائب صارمة، مع استثمارات حكومية أقل، ما يعني أن خفض الديون يمكن أن يتسبب مرة أخرى في موجات غضب في الشوارع.

ولتجنب تلك الفوضى وغياب الاستقرار تسعى المفوضية الأوروبية إلى خطط موازنة وطنية مصممة لكل دولة على حدة، أي أنه لن يكون هناك تطبيق إلزامي يسري على الجميع دونما اعتبار للخصوصية، وهو ما يعني تغييراً جذرياً للنهج السابق لخفض الديون. وتستند المفوضية الأوروبية إلى مساعدة الدول على ضمان عدم زيادة الإنفاق الوطني أكثر من "النمو الطبيعي للاقتصاد".

وكان وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير قد قدّم، الأسبوع الماضي، خطة الحكومة لتخفيض الدين الوطني الفرنسي بأربع نقاط مئوية حتى عام 2027 من حوالي 112% إلى 108% من الناتج المحلي الإجمالي.

المساهمون