وجهت الأزمة الاقتصادية وموجات الغلاء الفاحش حوار المرشحين على منصب نقيب الصحافيين والتجديد النصفي لمجلس النقابة إلى معركة ساخنة اليوم، مع بحث الناخبين عن مخرج يرفع لهم "البدل النقدي" فيما يختارون نقيبا ومجلسا بديلا يرفع الكفن عن مبنى النقابة، لتعود ساحة للحرية تنعش مهنة تعاني الموت السريري وصناعة فرض عليها " الصمت مقابل الفتات".
يتسابق المرشحون لمنصبي النقيب والمجلس، على جلب أكبر مكاسب مادية لأعضاء الجمعية العمومية، التي تنعقد اليوم الجمعة، لاختيار نقيب لمدة عامين، من بين 11 مرشحا، و6 أعضاء من بين 40 متقدما لشغل عضوية تستمر 4 سنوات.
بدأ السباق حول زيادة البدل النقدي الذي يحصل عليه نحو 13 ألف صحافي بجدول المشتغلين، بمبلغ 600 جنيه، ليرتفع إلى 3500 جنيه- حوالي 100 دولار-، اعتبارا من أبريل المقبل، مع زيادته في نفس التوقيت للمحالين إلى التقاعد، بنحو 500 جنيه، لترتفع قيمته إلى 3000 جنيه. (الدولار= 30.75 جنيها).
تتكرر معركة " البدل" بموسم الانتخابات، منذ أن أصبحت في تسعينيات القرن الماضي، وسيلة حكومية لدعم مرشح موال للسلطة، على حساب التيارات المناوئة لها، يصرف من الموازنة العامة بالدولة للصحافيين بالمؤسسات الحكومية، مع رواتبهم، عبر الهيئة الوطنية للصحافة، ونقدا من النقابة للمعينين بالصحف الحزبية والخاصة.
تعكس قيمة الزيادة في البدل قوة المرشح الخصم للنقيب الحكومي، ورغبة السلطة في تعويمه، بينما الصحافيون يعتبرونه حقا ثابتا بأحكام القضاء وقانون نقابة الصحافيين. يمنح القانون وزارة المالية حق تحصيل 0.5% من الإعلانات والضرائب على الصحف وسائل الإعلام، تقدر بنحو ملياري جنيه سنويا، تدخلها الوزارة بالموازنة العامة، دون إعادة المال لأصحابه، كما تفعل مع نقابة المحامين وجهات أخرى. تفضل الحكومة أن تطلق على " البدل" منحة للتدريب والتكنولوجيا، وتصدره بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
أتى قرار الدكتور مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي، بالموافقة على زيادة " بدل الصحافيين" عقب لقائه مع المرشح على منصب النقيب خالد ميري، مما تسبب في موجة غضب عارمة، واعتبره صحافيون إهانة لجمعيتهم العمومية، لربط الحديث عن صرفه بقرار انتخاب شخص بعينه يتنافس على المنصب، وكونه جاء أقل مما يستهدفه الصحافيون في ظل أوضاع مالية متردية.
يبرر الدكتور محمد معيط وزير المالية المبلغ المرصود بزيادة الأعباء المالية على الدولة، التي تحملت من وجهت نظره، زيادة قيمتها 100 مليون جنيه، دفعة واحدة، لدعم " البدل" والمعاشات ونظام العلاج، ليصل اجمالي مخصصات النقابة إلى 580 مليون جنيه سنويا.
تحول" البدل" الموعود إلى نقمة على الحكومة، عقب اعلان البنك المركزي، نهاية الأسبوع الماضي، عن زيادة غير مسبوقة في معدلات التضخم الحقيقي، بلغت 40.26%، خلال شهر فبراير الماضي.
مع رفع الحكومة لسعر البنزين والغاز والمازوت، وعدم قدرتها على الحد من تدهور الجنيه الذي فقد أكثر من نصف قيمته عام 2022، وتراجعه بنسبة 6%، منذ أيام، يعلم الصحافيون أن البدل الموعود تآكلت قيمته قبل أن يصل إلى كشوف رواتبهم الشهر المقبل. يتوقع الخبراء ارتفاعا جديدا في قيمة الدولار ليقابل 35 جنيها أو 37 جنيها، نهاية مارس الجاري، مع وجود توقعات متشائمة تصل به إلى 40 جنيها، قبل نهاية العام. يعاني الصحافيون أزمات مالية ضخمة استدعت تحركا واسعا من الناخبين لحث المرشحين على دعوة الحكومة إلى زيادة" البدل" الذي يستطيع الجميع التحدث حوله بقوة في موسم انتخابات مهمة للسلطة تحدث كل عامين.
وجه خالد البلشي وكيل النقابة الأسبق والمنافس الأبرز للمرشح الحكومي على منصب النقيب، خطابين لرئيس الوزراء، مشيرا إلى صدور قرار رئاسي الأسبوع الماضي بزيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة قيمته 1000 جنيه، لمساعدتهم على مواجهة التضخم غير المسبوق في التاريخ وغلاء الأسعار.
أبدى" البلشي" دهشته من أن يرتفع الحد الأدنى للأجر بالدولة إلى 3500 جنيه شهريا، بينما يتوقف عند 1200 جنيه للصحافيين، ويعتبره "ميري" دعما كافيا لتأكيد احترام الدولة للصحافيين واحترام " بطاقة العضوية" غير المعترف بها أثناء أداء الصحافي لعمله في الأماكن المختلفة.
دعوة" البلشي" صاحبتها مطالب مماثلة من أغلب المرشحين لمنصبي النقيب وعضوية المجلس، وأعضاء الجمعية العمومية، ممن شكلوا مجموعات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، لدفع الحكومة إلى النظر في الأوضاع المتردية للصحافيين.
أشار الأعضاء إلى استغلال الصحف الحكومية وغيرها شباب الصحافيين للعمل لسنوات دون أجر، تنتهي أحيانا بتعيينهم مقابل جنيهات معدودات، لا تزيد عن الحد الأدنى الذي تفرضه النقابة لاعتماد قرار التعيين، وهو 1200 جنيه.
يتحدث هشام يونس عضو مجلس النقابة عن مطالبته بالتحقيق في وقائع فساد، لحصول بعض أصحاب الصحف على أموال من الصحافيين مقابل تعيينهم، واختيارهم عناصر غير مهنية، وتزوير أعمال لهم. يقبل الصحافيون الشباب ضغوط أصحاب القرار، مقابل حصولهم على بطاقة العضوية بالنقابة التي توفر لهم "البدل" الذي يعتبرونه طوق النجاة لمساعدتهم على المعيشة.
يعاني نحو 3000 صحافي بجدول المشتغلين من البطالة، بعد غلق صحفهم ومواقعهم، ساهمت النقابة في تدبير إعانة بطالة لبعضهم تصل قيمتها إلى 2000 جنيه شهريا. دخل شباب الصحافيين بالصحف الحكومية نفق التعيينات المظلم، مثل غيرهم بصحف الأحزاب والخاصة، بعد صدور قرار من رئيس الوزراء في 26 يناير 2020، يحظر تعيين المؤسسات القومية، أو عاملين بها.
يعترف خالد ميري مرشح الحكومة بوجود 450 صحافيا على قوائم انتظار التعيين بصحف الدولة، و400 موظف إداري، يستحقون التعيين منذ 4 سنوات. يبرر "ميري" قرار الحكومة بأن الصحافة الورقية لديها مشكلة مالية مع تصاعد تكلفة الصناعة بما يوازي 4 أضعاف القيمة، مع زيادة أسعار الورق والأحبار خلال عام.
يرجع" ميري " المشكلة المالية إلى تصاعد الأزمة المالية العالمية، متجاهلا وجود الأزمة بتلك المؤسسات منذ 14 عاما، وتصاعدها بحدة العام الحالي، مع التخفيض المستمر في قيمة الجنيه وارتفاع تكاليف المعيشة.
يرى عمار على حسن الكاتب وعضو الجمعية العمومية للصحافيين، أن معركة "البدل" فرضتها السلطة لتظل النقابة في وجهة نظر البعض جمعية استهلاكية أو مكتب "تشهيلات" وعضويتها للتسويات والترضيات، مؤمنة بمبدأ " الصمت مقابل الفتات". قال عمار في خطاب وجهه لعموم الصحافيين: اليوم ضاقت الأرزاق بل كادت تموت حين تم احتكار الصحافة والضيق منها والتضييق عليها"، رغم أن "البدل حق للصحافي لأنه مواطن صاحب المال والسيادة الشرعية"، داعيا ألا يكون ذلك "بديلا عن الحرية".
يستنهض " حسن" زملاءه من المرشحين الحكوميين وغيرهم، بأن يبحثوا عن الحرية التي ضاعت وتوارت، معتبرا غيابها وراء تردي أحوال الصحافة المادية وضيق الأرزاق، التي كانت واسعة أمام الجميع عندما كانت تتمتع الصناعة بهامش من حرية الفكر والتعبير، بما يمكنها من التفرد والتميز وتحقيق مبيعات للصحف والانتشار عبر المواقع الإلكترونية، تتولد عنها فسحة للعمل العام وتظهر الفرص لكل نابه ومجتهد.
يتنافس مرشحون على تقديم تخفيضات لدى الأطباء وبائعي النظارات، تعينهم على مواجهة أسعار العلاج التي زادت بنسبة 25%، وفقا لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء. ويقدم آخرون عروضا لتخفيضات بوسائل المواصلات وركوبا مجانيا بمترو الأنفاق والمواصلات العامة، أكد كثيرون أنها وعود وهمية، تكررت أكثر من مرة، بعد قرار حكومي صدر منذ 4 سنوات، بتحريم تلك الميزة التي تمتع بها الصحافيون لعقود، مثل نواب البرلمان والقضاة والضباط، وقد أزيلت أية مميزات للصحافيين في ظل أجواء مضادة للمهنة وحاملي بطاقات العضوية بالنقابة.
شملت قرارات الحكومة منع الصحافيين من التصوير بالشوارع وحظرت عليهم الحصول على المعلومات من مصادرها، والتواجد بالمحاكم إلا بإذن القاضي المختص، وملاحقة المخالفين لقرارات النشر التي تتابعها اللجان الرقابية على الصحف ووسائل الإعلام بالسجن، الذي طاول العشرات منهم، باق منهم 10 صحافيين، وفقا للتصريحات الرسمية.
يبحث الصحافيون عن حلول شافية لأزماتهم المالية، في ظل تراجع للأجور وقيمتها، وسيطرة نخبة ضيقة على اتخاذ القرار والاستفادة ماديا من قربها للأجهزة السيادية، دفعت رأس السلطة إلى البوح أكثر من مرة بعدم كفاءتهم وطلب الأجهزة السيادية ولجنة حقوق الإنسان في البرلمان، البحث عن مخرج لتحسين أداء الإعلام.
يتحدث الصحافيون عن وقائع فساد شابت منحا من أمير عربي بقيمة 55 مليون جنيه، وإنفاق 8 ملايين جنيه على تجديد "واجهة قبيحة" للنقابة أزالت هيئتها الأجمل منذ 4 سنوات، ووضعتها وراء ستار من" الخيش" تحول إلى كفن مغبر بالأتربة والملوثات، لإزالة" مربع الحرية" الذي حرك ثورة 25 يناير وسكت صوته بعد اقتحام الشرطة لأول مرة نقابة الصحافيين عقب احتجاجات شعبية رافضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير والتعاون مع إسرائيل. يسعى الصحافيون إلى ربان ومجلس يساعده في إنقاذ سفينة من الغرق، يدافع عن المهنة لتظل نقابة قوية حرة مستقلة.