أزمة إنتاج في تونس: شح التمويل يضرب منظومة الغذاء

03 سبتمبر 2022
يفقد المستهلكون الكثير من السلع (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

لا تبدو منظومة الغذاء في تونس في مأمن عن الأزمة الاقتصادية. شظايا أزمة الموازنة تطاول الإنتاج، حيث تختفي سلع من الأسواق، وقائمة المواد المفقودة في اتساع، أما الأسعار فتتصاعد مدفوعة بالندرة وجموح التضخم. وتواجه غالبية قطاع الإنتاج الغذائي في البلاد صعوبات تمويل كبيرة، بعد تأخر الحكومة في دفع مستحقات مصنعي المواد الأساسية، منها السكر والحليب والزيت، وسط مخاوف من تفاقم الأزمة مع بداية العودة المدرسية في منتصف سبتمبر/ أيلول الحالي.

ويعاني التونسيون منذ أسابيع من نقص كبير في المواد التموينية الأساسية، تقول السلطة إن سببها عدم التزام المزودين الخارجيين بتسليم الشحنات في مواعيدها، واعدة بتجاوز النقص الحاصل خلال الأسابيع المقبلة.

في الأثناء تواجه صناعات الغذاء المدعومة مشكلات واسعة، منها عدم حصول المصنعين والمنتجين على مستحقات الدعم (الفارق بين كلفة الإنتاج وسعر البيع)، ما أثر سلباً على سلاسل الإنتاج ومستويات التزويد للسوق. وبالإضافة إلى النقص الدائم بزيت الطهي النباتي والاختفاء المستمر للأرز والسكر، توسعت قائمة المواد المختفية من السوق أخيراً لتشمل الماء المعدني والمشروبات الغازية والحلويات الصناعية، إلى جانب الألبان ومشتقاتها والدواجن.

يقول مدير وحدة الإنتاج الحيواني في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، منور الصغيري، إن منظومات الغذاء في تونس تشكو من هشاشة كبرى، ما يجعلها في مهب الأزمات، مشيراً إلى أن خروج صغار المنتجين من حلقة الإنتاج يسبب نقصاً كبيراً في السلع. ويؤكد الصغيري في تصريح لـ "العربي الجديد" أن توسّع قائمة المواد الغذائية المختفية من الأسواق وارتفاع أسعار ما تبقى ناتج عن نقص كبير في الإنتاج بسبب عدم قدرة صغار المزارعين ومربي الماشية على مقاومة الأزمة ونقص التمويل.

ويضيف أن مواصلة وضع الدولة يدها على منظومات الإنتاج وغياب الحوكمة، وتركّز القرار لدى السلطة، أدت إلى ترنّح منظومات إنتاج الغذاء التي لم تعرف استقراراً على مدى السنوات السابقة. ويشرح الصغيري أن نقص التمويل وارتفاع مستحقات مركزيات الإنتاج لدى الدولة أدخل منظومات الإنتاج في دائرة الصعوبات وهو ما يتسبب في إقصاء الحلقة الأضعف وهي صغار المنتجين ممن فقدوا القدرة على الصمود، معتبراً أن الدعم الحكومي مهم جداً لضمان استقرار هذه المنظومات ومنع انهيارها.

ويضيف أن أكثر من 80 في المائة من منتجي الغذاء في تونس هم من صغار المزارعين ومربي المواشي، ويعانون من هشاشة مالية كبيرة، مشيراً إلى أن هذه الهشاشة تصاعدت نتيجة تأخر حصولهم على مستحقات دعم الإنتاج ورفض السلطة تعديل أسعار الإنتاج في بعض المواد على غرار الألبان.

ويقدّر المتحدث قيمة مستحقات منتجي الحليب غير المستخلصة من الدولة بنحو 300 مليون دينار، أي قرابة 100 مليون دولار، منبهاً من تأثيرات الديون على تشغيل القطاع والأمن الغذائي للبلاد. هذه الصعوبات هي انعكاس لأزمة مالية حادة تتخبّط فيها تونس، ما تسبب في عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بتعهداتها إزاء المزودين، حيث تؤكد مصادر متقاطعة لـ "العربي الجديد" أن بواخر محملة بمواد أساسية، ومنها الزيت والسكر والمحروقات، تظل راسية في الموانئ لأسابيع في انتظار سداد كلفة الشحنات، حيث يفرض المزودون الدفع المسبق قبل تفريغ الحمولة.

ولكن السلطات التونسية تبرر أزمة نقص الغذاء بتصاعد الاحتكار وإتلاف السلع من قبل المضاربين، مهددة بتسليط عقوبات قاسية عليهم. وخلال أسبوع واحد، دعا رئيس الدولة وزيرة التجارة فضيلة الرابحي إلى الاجتماع في مناسبتين، وطالبها بضرورة مواجهة المحتكرين بوجه عام ومواجهة من يهددون بإتلاف عدد من المواد للترفيع في الأسعار.

ومنذ مسك جميع السلطات بيديه تحدث الرئيس قيس سعيد فيما لا يقل عن سبع مناسبات مع مسؤولين في حكومته عن أزمة التزويد والاحتكار، حيث غالباً ما يوجه الخطاب الرسمي التهم للمضاربين والخصوم السياسيين، من دون الحديث عن الأزمة المالية. وينبه وزير التجارة السابق محسن حسن إلى تأثير أزمة التمويل على منظومات الإنتاج وقدرة مؤسسات الدولة على مواصلة توريد المواد الأساسية ومنها الغذاء والطاقة والدواء.

ويقول حسن في تصريح لـ "العربي الجديد" إن العجز المالي في البلاد يلقي بظلاله على توفر السلع في الأسواق وسط أزمة عالمية وتصاعد التضخم، ما يسبب هشاشة كبيرة لمنظومات الإنتاج المحلية التي تحاول الصمود. ويرجّح حسن تواتر الأزمات في غياب حلول التمويل وعدم قدرة الاقتصاد المحلي على استعادة عافيته وخلق الثروة مجدداً.

ويؤيد التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي الصادر أخيراً آراء خبراء الاقتصاد بشأن عدم قدرة الاقتصاد التونسي على تدارك الأزمات. وقال التقرير إن ذلك يعود إلى ضعف هيكلي وهو ما من شأنه أن يسبب تراكم الصعوبات لعدّة سنوات وأن يجعل من التعافي أكثر صعوبة، وأعلى كلفة أيضاً. واعتبر أن تواصل المستوى المرتفع من عجز الموازنة يظل مثيراً للقلق بالنظر إلى حجم النفقات غير القابلة للتقليص، وفتور النمو.

المساهمون