على الرغم من أنّه لا تبدو حتى الآن مخاطر كبرى على الإمدادات النفطية لأسواق الطاقة العالمية من احتمال تحول التوتر العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية إلى غزو، من ناحية أسس العرض والطلب بالخامات العالمية، إلا أن أسعار النفط قفزت فوق 94 دولاراً لخام برنت، وتتجه بسرعة نحو مائة دولار، بعد التحذير الأميركي من اندلاع وشيك للحرب بين روسيا وأوكرانيا. وهنالك توقعات تشير إلى وصول سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل.
وعادة ما ترفع الحروب أسعار الخامات النفطية، حتى في حال توفر المعروض النفطي، بسبب مخاوف المستثمرين من تداعياتها غير المحسوبة على الإمدادات المتاحة، مثل الأخطاء العسكرية التي ربما تعرقل مرور الحاويات الناقلة للخامات في البحار والمضائق والممرات المائية، أو تعرض الحاويات نفسها لضربات غير مقصودة أثناء الحروب. كما تقود الحروب كذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين على الشحنات النفطية والناقلات البحرية نفسها.
ويقول خبير الطاقة في شركة "بي في أم"، في تعليق لقناة "سي أن بي سي" الأميركية، إنّ ارتفاع الأسعار يعود، إلى جانب أزمة أوكرانيا، إلى أنّ "ارتفاع أسعار النفط يعود إلى أن أوبك ليست لديها طاقة فائضة كافية مثل ما هو الحال في الحروب السابقة التي شهدها العالم وأثرت على المعروض النفطي".
وإلى جانب ذلك، فإن هناك مجموعة من مناطق إنتاج النفط التي تعيش حالاً من الاضطراب، مثل ليبيا ونيجيريا وبعض الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية خلال الأشهر الماضية.
ويرى محللون أن أسواق النفط ستعاني من اندلاع الحرب في أوكرانيا لعدة عوامل، من بينها ارتفاع أسعار التأمين على السفن واحتمال تعليق روسيا بعض صادراتها النفطية لأوروبا كرد فعل على العقوبات الغربية المحتملة، وكذلك النقص الكبير في الطاقة الفائضة المتاحة لدى منظمة "أوبك" لتغطية أي نقص طارئ.
وحسب نشرة "مورنينغ ستار" الأميركية، فإن أزمة أوكرانيا، وحتى قبل اندلاع الحرب، رفعت مخاطر التأمين على الحاويات النفطية من متوسطها لدى 8.0% بين أعوام "2008 و2021" إلى 35% منذ الثاني من فبراير/ شباط الماضي. وبالتالي، يلاحظ أن هذا العامل ترجم في الارتفاع السريع في أسعار الخامات العالمية.
وتصدر روسيا نحو مليوني برميل عبر ميناء نوفوروسيسك الواقع على البحر الأسود بالقرب من أوكرانيا، وبالتالي، ليس ببعيد تطاير شظايا القذائف الأوكرانية في حال اندلاع الحرب.
وإلى جانب القفزة في أسعار التأمين على السفن، ترى العديد من المصارف الاستثمارية أنّ أسعار النفط ربما ستقفز فوق 125 دولاراً في حال غزو روسيا أوكرانيا بسبب عوامل أخرى، من بينها احتمال تطبيق حظر اقتصادي ومالي قاسٍ على روسيا يطاول الصناعة النفطية الروسية، أو حرمانها من بعض التقنيات الغربية التي تساهم حالياً في إنتاج حقول الشمال الروسي المتجمد.
وحذر مصرف "جي بي مورغان تشيس"، أمس الاثنين، من أنّ زيادة سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل سوف توقف النمو العالمي تقريباً، وتدفع التضخم إلى حوالي 7%، وهو مستوى أكثر من ثلاثة أضعاف المستهدف من قبل معظم صانعي السياسة النقدية في الدول الصناعية الكبرى.
كما أنّ تطبيق عقوبات تحرم روسيا من استخدام نظام التحويلات العالمي "سويفت" سيقود تلقائياً إلى عرقلة تسوية دفعيات النفط الروسي بالدولار، كما هو الحال بالنسبة للنفط الإيراني. وبالتالي، ربما يقود مثل هذا الحظر إلى رد فعل من موسكو يفضي إلى تعليق صادراتها النفطية للأسواق الأوروبية. وتصدر روسيا نحو 5 ملايين برميل يومياً.
ومعروف أنّ حظر "سويفت" على روسيا موضوع ضمن قائمة العقوبات الغربية المتوقعة على موسكو. إلى جانب ذلك، يرى محللون أنّ روسيا تصدر نحو مليوني برميل من النفط عبر ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود، وهذه الصادرات ربما تعلق في حال اندلاع الحرب بسبب قربها من أوكرانيا.
ومن بين المخاوف الأخرى من غزو روسيا أوكرانيا وتطبيق الولايات المتحدة عقوبات قاسية، أن تقوم موسكو بتحويل صادراتها النفطية إلى الصين، وبالتالي، ترفع من أسعار النفط وترفع التضخم المرتفع أصلاً، وعليه، تساهم بشكل مباشر في تدمير الدورة الاقتصادية الضعيفة في أوروبا وأميركا.
وبلغ معدل التضخم في أميركا نحو 7.5% بسبب ارتفاع أسعار الجازولين ومشاكل سلاسل الإمداد العالمية. وتنتج روسيا نحو 11.2 مليون برميل يومياً، أي نحو 10% من الإنتاج العالمي.
على صعيد معادلة العرض والطلب العالمي على النفط، تقول وكالة الطاقة الدولية إنّ الفجوة بين إنتاج تحالف "أوبك +" الحقيقي وبين المستهدف تقدر بنحو 900 ألف برميل يومياً، لكنّ مصرف "جي بي مورغان" الاستثماري الأميركي يقدرالفجوة بنحو 1.2 مليون برميل يومياً.
وقال المصرف، في مذكرة للمستثمرين بهذا الشأن، إن "أسعار النفط ربما تقفز إلى 125 دولاراً للبرميل بسبب النقص في الطاقات الفائضة".
وتقدر شركة "كيبلر" الأميركية الطاقة الفائضة لدى أوبك بنحو 2.5 مليون برميل يومياً، ولكن نشرة "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس" تقدر الطاقة الفائضة لدى أوبك بنحو مليوني برميل.
وتنبع أهمية الطاقة الفائضة من أهميتها في تغطية الصدمات الكبرى التي تؤثر على إمدادات النفط في الأسواق العالمية، إذ إنّها شبه جاهزة ويمكن توصليها إلى الأسواق العالمية بسرعة لسد النقص. وبالتالي، يراقب المستثمرون في تجارة النفط حجم الطاقة الفائضة للتأكد من عدم حدوث أزمات في المعروض.