"يا راجل قول كلام غير كدة"

21 سبتمبر 2015
حلف اليمين لرئيس الوزراء المصري الجديد أمام السيسي(العربي الجديد)
+ الخط -


كنت أظن، وبعض الظن إثم، أن رئيس الحكومة المصرية الجديدة، شريف إسماعيل، سيستهل تصريحاته بالحديث عن كيفية تعامل حكومته مع المطالب المعيشية اليومية للمواطن، وحل المشاكل الحياتية الطارئة التي يعاني منها رجل الشارع، مثل رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز والمرور، خاصة مع قرب انطلاق الموسم الدراسي، والنظافة.

وكنت أظن أن التصريح الأول للرجل هو عن كيفية التعامل بجدية مع أزمة الوقود ونقص البنزين والسولار التي امتدت للمحافظات، وكنت أتوقع أنه سيتفادى جريمة التصريحات النارية والمبالغ فيها التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة إبراهيم محلب المستقيلة.

ولكن خاب ظني، إذ وجدنا أن الحكومة الجديدة تفتح "برجل" التصريحات على الآخر، وتستهل نشاطها في التصريحات "الفنكوشية اللولبية" بالحديث عن مشروع استصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان، وهو المشروع الذي يحتاج مئات المليارات من الجنيهات لإنجازه، منها 12 مليار جنيه تكلفة حفر آبار المشروع فقط، وإعطائه توجيهات بسرعة تأسيس الشركة المكلفة بإنجاز مشروع استصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان.

الغريب أن رئيس الوزراء يطلق مثل هذه التصريحات النارية ويدرك حقيقتين، الأولى هي الحالة المأساوية التي وصل إليها عجز الموازنة العامة للدولة، ولجوء الحكومة المستمر للاقتراض من البنوك، لتمويل هذه العجز وسداد رواتب موظفي الدولة البالغة قيمتها نحو 17 مليار جنيه شهرياً، والثانية هي النقص الحاد في مياه النيل مع إتمام مشروع سد النهضة.

وإذا استمر الرجل على هذا المنوال، فإن التصريحات القادمة ستكون عن البدء في إقامة العاصمة الإدارية الجديدة البالغة تكلفتها الاستثمارية 90 مليار دولار، منها 45 ملياراً للمرحلة الأولى رغم انسحاب شركة إعمار الإماراتية منه، وإطلاق مشروع المليون وحدة سكنية البالغة تكلفته 280 مليار جنيه، رغم تلكؤ شركة أرابتك الإماراتية في تنفيذه، وغيرها من

المشروعات الكبرى التي أعلنت عنها الحكومات منذ شهر يوليو/تموز 2013 ولم ترَ النور بعد.

اقرأ أيضاً: تغيير بعض وزراء المجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية الجديدة

شريف إسماعيل كن واقعياً، ركز مجهودك على حل المشاكل اليومية التي يعاني منها المواطن، ليس المطلوب منك اليوم وطوال فترة عمر حكومتك القصيرة أن تتحدث عن حل مشكلات عجزت الحكومات المتلاحقة على مدى أكثر من 60 عاما في حلها، مثل توفير فرص عمل لملايين العاطلين في البلاد، أو مواجهة بيروقراطية الدولة العميقة، أو الحد من فساد كبار رجال الأعمال، خاصة المتهربين من سداد مستحقات الدولة، ومنها متأخرات ضريبية بقيمة 100 مليار جنيه.

ليس المطلوب منك أن "تخبط" تصريحاً نارياً حول مشروع سد النهضة بعد أن أنجز الإثيوبيون نحو 50% منه، أو تحدد سياسة مصر المقبلة للتعامل مع ملف سرقة الكيان الصهيوني الغاز المصري الموجود في المياه الإقليمية بشرق البحر المتوسط.

النوايا الحسنة لا تكفي، فلا توجد موارد مالية تساعدك في تنفيذ المشروعات القومية التي هي في حاجة إلى سنوات طويلة ومليارات الجنيهات لتنفيذها، وموازنة الدولة لا تتحمل، فيكفيها عجزٌ تجاوز 250 مليار جنيه، والأهم من ذلك أنك لن تجد مواطناً لديه الاستعداد لتصديق وعود حكومية باهتة، أو أن الحكومة الحالية تعمل لصالحه.

خلاص "بح"، الشعب فاهم كل حاجة، والدليل حجم الفتور الشديد الذي قابل به المصريون تشكيل حكومتك.


اقرأ أيضاً: الفساد والفشل الاقتصادي عنوانا حكومة مصر

المساهمون