"منحة الأسر" في ليبيا... صرف مرهون بالصراع

13 مارس 2022
سوق في شارع الرشيد وسط طرابلس (فرانس برس)
+ الخط -

تعود "منحة أرباب الأسر" في ليبيا إلى الواجهة، إذ يُنتظر أن تبدأ الوزارات المعنية في حكومة الوحدة الوطنية صرفها عن الشهور الثلاث الأولى من عام 2022، خلال الأسبوع الجاري، في وقت انقسمت فيه الآراء حيال جدوى هذا المشروع، الذي أُطلق قبل سنوات بهدف تحسين مستوى دخل المواطن، بينما يراه البعض بمثابة "رشوة سياسية"، إذ بات صرفها خاضعاً للصراعات، بحيث تُمنح وتُقطع لتحقيق أغراض سياسية.

وبحسب قانون هذا المشروع، الذي صدر عن المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) عام 2013، تصرف الحكومة للزوجة غير العاملة منحة شهرية بقيمة 150 ديناراً (الدولار يعادل 4.65 دنانير رسمياً)، والأبناء الذكور دون الـ18، والبنات قبل الزواج منحة 100 دينار غير خاضعة للاستقطاعات المالية.

يقول فتحي مسعود، مواطن ليبي، لـ"العربي الجديد": "في المرة الماضية شعرت بالإحراج أمام ابنتي عندما عَلِمتْ من زميلاتها بصرف المنحة، وطلبت مني إنفاقها في بعض حاجياتها. لقد تصرفت في المنحة لصالح الأسرة، وكان الإحراج بالغ الأثر".

يضيف أن "عدم صرف هذه المنحة بشكل منظم زمنياً جعلها لا تبدو كمنحة حقيقية، هم يؤجلونها حتى ندخل في ضائقة مالية وتضطر لحرمان الأبناء منها، مع أنها موجهة لهم في الأساس. وقد انقطعت في ما سبق لسنوات دون مبرر، ولم نتلقَ أي تعويض".

يتابع: "لقد بات صرفها خاضعاً للصراعات السياسية، فهي تُمنح وتُقطع لتحقيق أغراض سياسية، ولهذا هي ليست منتظمة ولا موثوقة". من زاوية ثانية، يرى المواطن، همام ع. عيباً آخر في المنحة، حسب رأيه، ويقول لـ "العربي الجديد": "خلال السنة الماضية سلَم لي والدي ولأول مرة منحة ثلاثة أشهر.

في البداية فرحت بها جداً، ولكن عندما أنْفِقت سريعاً بسبب غلاء الأسعار، استحيت من طلب المزيد، وبقيت بلا مصروف لمدة طويلة دون أن أبلغ أهلي، ومنحة الشهور اللاحقة تأخرت".

ويضيف همام: "أتمنى حقاً ألا تنقطع المنحة مرة أخرى، ولكنها في الأساس لا تكفي". عندما أُقِرت المنحة سنة 2013 كانت قيمة المائة دينار ليبي تزيد عن 75 دولاراً، واليوم لا تتعدى العشرين دولاراً، حيث تلاشى الفرق مع تراجع سعر الدينار الليبي في السوقين الرسمية والموازية.

يُبدي الخبير الاقتصادي، محسن دريجة، رأيه قائلاً لـ"العربي الجديد": "المِنَح لا تُصرف بهذه الطريقة، ومن غير المنطقي أن تعطي الدولة منحا حتى لأبناء وزوجات الأغنياء وميسوري الحال، وبنفس قيمة ما يُصرف للفقراء، خاصة مع المستوى الطبقي الذي زاد تبايناً بين الليبيين في السنين الأخيرة. يجب وضع هذا الأمر في الاعتبار".

ومن وجهة نظر دريجة فالطبقة الفقيرة مظلومة جداً في القوانين الليبية، مشيرا الى أن وزارة المالية "وفقاً لبيانات رسمية" أنفقت خلال العام الماضي نحو 9.97 مليارات دينار على دعم المحروقات (البنزين والديزل وزيت السيارات) وبواقع 47.9% من إجمالي الدعم الحكومي.

ويقول إن "هذا الدعم لا يعود بأي فائدة على الفقراء الذين لا يملكون سيارات خاصة، في دولة تفتقر للمواصلات العامة، بل يذهب جزء كبير منه لعصابات تهريب الوقود لدول الجوار".

من جهة أخرى، بلغ الإنفاق على منحة الزوجة والأبناء في ذات العام حوالي 4.41 مليارات دينار، بنسبة 21.2% من إجمالي الدعم الحكومي.

وتساهم مثل هذه السياسات في تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، الأمر الذي يضعف النمو الاقتصادي. وهذا ما يدفع الطبقة الفقيرة إلى المناداة منذ سنين بتحويل الدعم السلعي إلى نقدي، وهذا لم يتحقق حتى الآن.

ويرى دريجة أن الحل يبدأ من وزارة الشؤون الاجتماعية، وذلك بإنشاء قاعدة بيانات خاصة بمحدودي الدخل يتم تحديثها دورياً، ثم تتولى الجهات التشريعية إعادة صياغة قانون منحة الزوجة والأبناء بحيث تصرف لمحدودي الدخل فقط، مع تحويل ما كان يصرف إلى الميسورين لصالحهم، بما يكفل رفع قيمة المنحة لمائتي دينار على الأقل تصرف "دون تقطع أو استغلال سياسي لمعاناة الفقراء".

المساهمون