في الفيلم الكوميدي "عايز حقي" يبحث السائق صابر الطيب (الفنان هاني رمزي)، الحاصل على بكالوريوس تجارة وبلا عمل، عن حقه في المال العام وثروات بلده، وذلك عقب مطالعة مواد الدستور التي يكتشف أنها تنص على أن القطاع العام ملك لجميع المصريين، وأن أصول الدولة ليست ملكا للحكومة بل ملكاً للمواطن، وأن للملكية العامة حرمة، لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقًا للقانون.
وهنا يقرر صابر إقامة دعوى قضائية للمطالبة بحقه في المال العام الذي بدأت الحكومة بيعه بالفعل عن طريق تطبيق برنامج الخصخصة وطرح شركات قطاع الأعمال العام للبيع على المستثمرين سواء مصريين أو أجانب، وكان هدف صابر في النهاية هو الحصول على أموال من عملية البيع تمكنه من شراء شقة للزواج فيها.
وتتوالى أحداث الفيلم الذي تم إنتاجه في عام 2003 في عصر حكومة عاطف عبيد، المعروفة باسم حكومة الخصخصة، إلى أن يقرر السائق صابر التوقف عن المطالبة ببيع المال العام رغم جمعه ملايين التوكيلات، وذلك بعد أن قابل رجلاً عجوزاً (عبد المنعم مدبولي) حكى له عن عوّاد الذي باع أرضه، وفقدها إلى الأبد، وقبلها قابل سماسرة أجانب كانت خطتهم هي الاستيلاء على أصول الدولة المصرية لصالح جهات خارجية تكنّ لمصر العداء.
وعلى غرار فيلم "عايز حقي"، يبحث الموطن المصري الآن عن حقه في العاصمة الإدارية الجديدة الجاري إقامتها شرق القاهرة، على مساحة 168 ألف فدان، أي ما يعادل مساحة سنغافورة، فالعاصمة تتم إقامتها على أراض مملوكة للدولة، تقدّر قيمتها السوقية بنحو 800 مليار جنيه (ما يعادل 46.5 مليار دولار).
وبدلاً من أن تؤول قيمة الأراضي إلى الموازنة العامة آلت ملكيتها إلى شركة خاصة تتولى عملية تخطيط وإنشاء وتنمية العاصمة الجديدة وتجمع محمد بن زايد العمراني، وبيع وحدات العاصمة السكنية والإدارية وأراضيها بأسعار السوق.
وفوجئ المصريون، أصحاب أراضي العاصمة الإدارية الجديدة الأصليين، بأن قرارا رسميا صدر في شهر فبراير/شباط 2016، ينص على اعتبار أراضي العاصمة من مناطق المجتمعات العمرانية، وتأسيس شركة مساهمة بمشاركة بين هيئة المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، مع تخصيص قيمة بيع الأراضي إلى المؤسسة الأخيرة، ما يعني أن عوائد البيع أو الاستثمارات في العاصمة الإدارية لن تؤول إلى الخزانة العامة للدولة.
وحسب ما هو معلن، فإن الشركة تستهدف إيرادات من بند واحد هو بيع أراضي الأسبقية الأولى بمشروع العاصمة قيمتها 50 مليار جنيه.
ولنا أن نتخيل إضافة 800 مليار جنيه إلى إيرادات موازنة الدولة، هي قيمة الأراضي التي آلت إلى شركة العاصمة الإدارية الجديدة، فهذا المبلغ كاف لحل الجزء الأكبر من أزمة مصر المالية، كاف مثلاً لسداد فوائد وأقساط الدين العام الداخلي والخارجي لمدة عام والبالغ قيمتها 814 مليار جنيه.
واسترداد قيمة هذه الأرضي يكفي لسداد رواتب موظفي الجهاز الإداري بالدولة (ما يزيد عن 5 ملايين موظف) لأكثر من 3 سنوات كاملة، وكذا تغطية مخصصات دعم الوقود والسلع الرئيسية لمدة تزيد عن 5 سنوات، وتغطية مخصصات دعم بطاقات التموين وبرنامج تكافل وكرامة لمدة تقترب من 10 سنوات، حيث أن هذه المخصصات تبلغ 83 مليار جنيه .
ليس هذا هو الأمر الوحيد المتعلق بالعاصمة الإدارية الجديدة، فهناك أمور أخرى، منها ما تردد عن أن الموازنة العامة للدولة لن تتحمل أي تكاليف متعلقة بتمويل العاصمة البالغ كلفة المرحلة الأولى 300 مليار جنيه كما قال اللواء أحمد زكى عابدين رئيس شركة العاصمة الادارية الجديدة في أكتوبر الماضي منها نحو 35 مليار جنيه تكلفة الحي الحكومي، وهذا غير صحيح. ولنا عودة للحديث عن هذا الأمر.