"شل" النفطية تغادر تونس: شكوك حول القدرة على مواصلة الاستغلال

27 اغسطس 2022
خلال ازدحام سابق أمام محطة "شل" في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

أنهت شركة "شل" النفطية رسمياً نشاطها في تونس، بالتخلي عن استغلال واحد من أكبر الحقول النفطية في البلاد الذي تمت إحالة رخصة استغلاله إلى الدولة التونسية. تأتي هذه الخطوة وسط مخاوف من تأثير مغادرة كبار شركات الطاقة واحداً من أهم القطاعات الاستثمارية، وانعكاس ذلك على قدرة تونس في مواصلة استغلال الحقول الباقية وتطويرها.

وأعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، الثلاثاء الماضي، منح امتياز حقل "مسكار" إلى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية الحكومية بنسبة كاملة وذلك لمدة 26 سنة، وذلك بعد استغلاله لمدة 30 سنة من طرف شركة "شل" البريطانية-الهولندية. وقالت الوزارة إن ذلك جاء على أثر إعلان "شل" في يونيو/ حزيران 2021، اعتزامها عدم مواصلة استغلال امتياز مسكار ما بعد 8 يونيو 2022 وإرجاعه إلى الدولة التونسية مع توجهها نحو الاستثمار في الطاقات المتجددة.

بذلك، انضمت "شل" إلى قائمة كبار مستثمري الطاقة الذين غادروا تونس في السنوات الأخيرة، ومن بينهم "إيني" و"بتروفاك"، بينما تسجل البلاد عجزا طاقياً قياسياً يتزامن مع تراجع مساهمة الإنتاج المحلي في تغطية حاجيات البلاد من النفط والغاز.

وشكك الخبير الطاقي حامد الماطري في قدرة شركة الأنشطة البترولية المحلية على مواصلة تسيير حقل "مسكار". وقال الماطري في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه بخروج الشركات المختصّة، لا سيما تلك القوية والحائزة على الثقل المالي والتجربة والتقنية، تتراجع فرص تونس في دفع عجلة الاستكشاف أو التطوير".

وأضاف أن المؤسسات الطاقية الكبرى ساهمت على مدى عقود من نشاطها في تونس في تطوير الحقول المهمة وتوفير إيرادات ضريبية كبيرة، إلى جانب نقل خبراتها إلى كفاءات تونسية. غير أن الخبير الطاقي قال إن قطاع الطاقة في تونس يشكو من ضعف تشريعي هيكلي أدى إلى مغادرة كبار المؤسسات، معتبرا أن التأخر في إصلاح القطاع سيؤدي إلى مغادرة ما تبقى من الشركات المستثمرة.

وأكد الماطري أن العديد من الحقول أشرفت عقودها على النهاية، وأن قائمة الشركات المغادرة ستتوسع خلال عامي 2022 و2023. وأشار في سياق متصل إلى أن شركة شل بدأت منذ عام 2020 في اتخاذ خطوات تؤكّد عزمها الخروج من البلاد، حيث تدخّلت مصالح الإدارة التونسية بشتّى الطرق، التفاوضية والدبلوماسية لحثّها على البقاء، ولكن باءت هذه الجهود بالفشل.

ويعتبر حقل "مسكار" من أهم حقول إنتاج الغاز في تونس، حيث يمثل إنتاجه 25 في المائة من الإنتاج الوطني للغاز و40 في المائة من الاستهلاك المحلي. ويقدر مجموع الاحتياطي المؤكد في حقل مسكار بـ1.5 تريليون متر مكعب، ويقدر إنتاجه اليومي بـ200 مليون متر مكعب. وسجلت تونس تراجعا في مساهمة الإنتاج الوطني في حاجيات البلاد من الغاز الطبيعي من 43 إلى 40 في المائة بين شهر مايو/ أيار 2021 والشهر ذاته من عام 2022، فيما ارتفعت نسبة الحاجة إلى الغاز الجزائري من 39 إلى 45 في المائة خلال الفترة ذاتها، وفق وزارة الصناعة والطّاقة والمناجم.

واعتبر الخبير الاقتصادي خالد النوري أن تداعيات مغادرة "شل" لتونس وتخليها عن حقوق استغلال واحد من أهم الحقول النفطية في البلاد تؤثر مباشرة على مناخ الاستثمار وقدرة تونس على جلب مستثمرين جدد مستقبلاً. وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الاستثمارات النفطية في تونس لم تعد جاذبة لشركات الطاقة العالمية التي توالى انسحابها من الحقول التونسية.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن أسبابا محلية وأخرى إقليمية تجعل تونس أقل جذبا لشركات الطاقة الكبرى، التي غيرت استراتيجياتها الاستثمارية والتجارية بتوجيه استكشافاتها نحو الحقول الأكثر مردودية. وتواجه تونس منذ أسابيع أزمة تزود بالمواد البترولية، حيث تشكو محطات الخدمات من تذبذب التزويد بالتزامن مع ارتفاع الاستهلاك.

وأقر الكاتب العام لجامعة النفط والمواد الكيميائية سلوان السميري، بوجود نقص واضطرابات في توزيع المحروقات في تونس.

وتوقع السميري في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يستمر نقص التزويد بالمحروقات لدى محطات الخدمات بسبب تشدد المزودين ورفضهم تفريغ الحملات بالموانئ قبل الحصول على مستحقاتهم المالية. ويؤثر القطاع الطاقي مباشرة على محفظة الاستثمارات الخارجية التونسية كونه استأثر بأكثر من 36 في المائة من مجموع الاستثمارات التي سجلتها تونس خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.

وقدّرت الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى حدود مايو/ أيار الماضي بقيمة 837،7 مليون دينار من بينها 243 مليون دينار استثمارات طاقية. وارتفعت الاستثمارات الأجنبية في تونس، في الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2022، بنسبة 37،7 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2021 لتصل إلى قيمة 841،2 مليون دينار، وفق بيانات نشرتها وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي.

وبرز في التوزيع القطاعي لهذه الاستثمارات، استقطاب قطاع الصناعات المعملية لـ48،8 في المائة من مجموع الاستثمارات مقابل 36،4 في المائة لقطاع الطاقة.

المساهمون