للأسبوع الرابع على التوالي تتواصل في مناطق شمال وشرق العراق الهجمات التي تستهدف أبراج نقل الكهرباء، مخلفة خسائر مادية كبيرة وانقطاعات استغرق بعضها عدة أيام قبل تمكن فرق فنية من إعادة نصب الأبراج ومد الأسلاك مجدداً، بينما تحولت هذه الهجمات إلى أزمة جديدة تواجه حكومة مصطفى الكاظمي، الذي تعهد ببذل جهود كبيرة لتأمين القدر المناسب من الكهرباء خلال موسم الصيف الذي بدأت درجات الحرارة تصل فيه إلى الخمسين درجة مئوية.
وعادة ما تستهدف الهجمات أبراج الضغط العالي، وهي التي توزع حمولات الطاقة المستوردة من إيران عبر محافظة ديالى الحدودية مع إيران (شرق العراق)، إلى مدن وسط البلاد والعاصمة بغداد، إضافة إلى أبراج في كركوك وصلاح الدين، شمال البلاد.
وتؤكد السلطات العراقية وقوف تنظيم "داعش" وراء تلك الهجمات، التي لم يخف التنظيم تبنيه لها عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفقا لمصادر في وزارتي الكهرباء والداخلية، فإن الهجمات التي شهدتها منظومة الطاقة في الأسابيع الأربعة الماضية، بلغت أكثر من 30 هجوماً، استهدفت أبراج نقل الكهرباء ومحطات تحويل طاقة صغيرة تسببت بخسائر مالية وهدر كبير في الطاقة إضافة إلى قطع الكهرباء عن مدن كاملة وتتطلب إعادتها من يوم إلى ثلاثة أيام.
وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "الهجمات الجديدة للتنظيم تبدو متناسقة مع حملات تخريب ينفذها في مناطق عدة، منها حرق حقول زراعية وتدمير مكائن وقتل مواش ضمن أعمال انتقامية وتخريبية ولإرباك المشهد الأمني وكحرب استنزاف أيضا".
وعادة ما تتم عمليات التخريب من خلال عبوات ناسفة أو صواريخ موجهة، وفي عدد قليل منها من خلال تفكيك الأبراج وإسقاطها، خاصة في المناطق الصحراوية، وهو ما يحتم زيادة قوات الأمن وتخصيص دوريات لحماية الأبراج، وفقا للمصادر، مشيرة إلى "تزايد الهجمات على أبراج الطاقة خلال مايو/ أيار الماضي بنسبة 20%، ما يعني أن منشآت الطاقة في المدن المحررة مهددة بالاستهداف، ولا بد من تعزيز الوجود الأمني".
وقال الخبير بالشأن الأمني العراقي أحمد النعيمي إن هجمات التنظيم على قطاع الكهرباء تهدف لتأزيم موقف الحكومة وإثارة الشارع إضافة إلى إرباك المشهد الأمني في تلك المناطق، مضيفا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك أيضا هجمات تنفذ على قطاع الكهرباء في غرب البلاد قد ترجع إلى صراع متنفذين على عقود تأهيل وحماية، وتقف خلفها عمليات تخريب ومافيا، لكن بالنسبة لهجمات ديالى وصلاح الدين وكركوك فتبدو بصمات تنظيم داعش واضحة فيها".
وفي محافظة كركوك، لفت مدير دائرة توزيع الكهرباء ليث طلعت إلى أن "داعش زاد هجماته على أبراج الطاقة الناقلة للتيار الكهربائي بين المحافظات، إذ تم استهداف ثلاثة خطوط خلال أقل من أسبوع، وطاول الأول خط سامراء ـ حمرين ـ كركوك، المار بمنطقة العوادية، ضمن الحدود الإدارية لمحافظة صلاح الدين، وتعمل فرق مشتركة الآن على إصلاحه".
وأضاف طلعت، في تصريحٍ صحافي أخيراً، أن "الخط الثاني اسُتهدف في منطقة ناحية الرياض، جنوبي كركوك، قبل أيام، وهو يربط بين كركوك والقيارة باتجاه نينوى، وقد أتمت فرق كهرباء الشمال إصلاحه وتعمل على ربطه ضم الشبكة الوطنية". وأشار إلى أن "الخط الثالث تعرض للتفجير في أطراف قضاء الدبس، شمال غربي كركوك، وهو يربط المحافظة بنينوى أيضاً، وتعمل فرق الصيانة الآن على إصلاح الأبراج التي زرعت أسفلها عبوات ناسفة وفجرت عن بعد".
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى إن "تنظيم داعش يسعى إلى تخريب ما يمكن تخريبه من خطوط الكهرباء في بعض المناطق النائية، لا سيما بعد فشله في مواجهة القوات الأمنية"، لافتا إلى أن الهجمات "استهدفت خطوط نقل الطاقة والمحطات التحويلية في مناطق ديالى وكركوك وجرف الصخر والقائم".
وأضاف أن "الهجمات جاءت بعدما توصلت الوزارة إلى خطط لحل أزمة الكهرباء في البلاد، باعتمادات مالية تصل إلى 101 مليون دولار، لذلك فإن الإرهاب يسعى إلى حربٍ اقتصادية على العراق".
وتابع موسى أن "بعض عمليات التخريب أدت إلى تضرر المنظومة الكهربائية، مثل استهداف أبراج خط ميرساد ـ ديالى (الكهرباء المستوردة من إيران)، التي أدت إلى التأثير ليس فقط على التجهيز الكهربائي في ديالى، بل في بغداد أيضاً، وتسببت في خروج أجزاء كبيرة من خطوط ومحطات نقل وتوزيع الطاقة في محافظتي نينوى وكركوك، فضلاً عن أجزاء أكبر في محافظتي ديالى وصلاح الدين، وحدوث إطفاء تام في منطقتي قرة تبه وجلولاء (في ديالى)".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي مهدي عبيد الخفاجي، لـ"العربي الجديد": "يبدو أن تنظيم داعش بات يضرب على وتر حساس بالنسبة للسلطات العراقية، وهو وتر الخدمات والحرب الاقتصادية على العراقيين، ولذلك فإن معظم الهجمات على خطوط الطاقة أدت إلى التأثير على ساعات التجهيز في بغداد وبقية المحافظات الشمالية والغربية، كما أن استهداف الأبراج سيؤثر على البنى التحتية لمنظومة الطاقة".