مع إعادة افتتاح المتاحف وصالات العرض في إسبانيا، بداية الشهر الجاري، بالتزامن مع تخفيف الإجراءات الاحترازية المتّبعة بعد انتشار فيروس "كوفيد-19"، تنطلق العديد من المعارض التي جرى تأجيلها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ضمن تباعد اجتماعي يعيد تحديد علاقتنا مع كلّ ما يحيط بنا وطريقة تفاعلنا معه. المسافة المفروضة بيننا وبين الآخرين، وبين الأعمال الفنية المشاهَدة، تقترب بشكل أو بآخر من مفهوم معرض "بلا حدود.. تفكيك الحدود من خلال الفن"، الذي افتتح الإثنين الماضي في "البيت العربي" بمدريد، ويتواصل حتى السادس من سبتمبر/أيلول المقبل، بالتعاون مع "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة".
يجتمع ستّة عشر فناناً وفنانة من الأردن حول مفهوم فلسفي مركّب وعابر للحقول المعرفية بمقاربته كظاهرة قد تظهر وتختفي ثم تعاود الظهور، نظراً لطابعه الانتقالي مع التغيّر المستمر في الآثار والدلالات السياسية والتاريخية والأخلاقية والنفسية المتعلّقة به، وربما يكون الفن الأكثر حيوية في تصوّرنا لـ"الحد" وانعكاسه على حياتنا.
المعرض الذي كان يُفتَرض انطلاقه في آذار/مارس الماضي، يستند إلى مفارقة أساسية، فـ"بينما يتحرّك العالم بشكل عام نحو إزالة الحدود، نواصل رجالاً ونساء رسمها"، بحسب بيان المنظّمين الذي يوضّح كيف أن هذه الحدود مفهوم متعدّد الحدود، تضعنا في شرط "الآخر" وأنفسنا، مع السياسة والدين والجنسية والاقتصاد والروابط الأسرية واللغة ونوعنا وصحتنا وهويتنا.
كما يلفت إلى مسألة تعدّد هذه الفواصل التي تتجسّد ذهنياً قبل أن تأخذ شكلها المحسوس أو المؤثر في حياتنا، في إحالة إلى "وهم" وجودها وارتباطها بما نجهله هناك؛ أي وراءها، وهي رؤية مثالية أو خيالية يقترحها الفن في إطار تفكيكه لها، قد تكون أكثر وقعاً وتأثيراً في النفس، وإن لم تصمد في الواقع الذي يقف عنده البيان بإشارته إلى "محو الصور النمطية" بوصفه "تقدًماً في مجال الثقافة لا يكاد يلحظه أحد".
تتوزّع الأعمال على وسائط مختلفة منها الطباعة الرقمية بعملين، أحدهما لآلاء يونس بعنوان "مخطط بغداد الكبرى" (2015)، والذي يبحث في التاريخ غير المتّصل لمشروع قاعة ألعاب رياضية في العاصمة العراقية صمّمها لوكوربوزييه وحملت اسم صدام حسين، والآخر لأحمد الخالدي الذي يستكشف مفاهيم تتّصل بالهوية والانتماء في تجربته.
إنشاءات فراغية تعكس الحدود الحقيقية والخيالية التي ابتكرها البشر، تقدّمها آسيا شيشاني بعمل "بين ذوات" (2018) الذي تتناول فيه ثنائية التحدّث والاستماع والجدل بينهما، و"سابع نومة" (2017) لأحمد سلامة الذي يدعو المشاهد فيه إلى تجربة استحالة أو إمكانية مشاركة فعل النوم، و"معلّقات" (2019) لرائد إبراهيم الذي يقارب القصائد العربية الشهيرة بوصفها الحدّ الفاصل بين الدعوة الإسلامية وما بعدها، إضافة إلى جمان النمري التي تتنوّع تجربتها بين الرسم والنحت والتصوير.
وتعرض ديما شاهين وفراس شحادة وريما شتات أعمالاَ تنتمي إلى فن الفيديو، ودينا حدادين تركيباً إنشائياً بعنوان "كيف تختفي الجزيرة 861" بدأت تنفيذه عام 2013 واستغرق ستّ سنوات، حيث يضيء على حي سكني في عمّان يتمثّل فيه التطهير الرمزي لمكان مهمّش في المدينة هو "حي القيسية" بوادي عبدون.
ويلجأ خلدون حجازين إلى الرسم، كما يشترك مع ليندا الخوري ومحمد الحواري ومؤمن الملكاوي بأعمال فوتوغرافية أيضاً، إلى جانب أداء فنّي تقدّمه دانا قاوقجي، وكتابات يدوية بالحبر تعرضها ميس العزب، في تنويعات تلتقي في أن الغرائبية في الفن العربي، والتي أرادت الرؤى الاستعمارية اكتشافها، غير موجودة اليوم؛ المقولة الرئيسية التي يحاول المعرض إيصالها.