كورونا.. العنصرية لم تأت من العدم

22 مارس 2020
(ووهان، الصين، 22 كانون الثاني/ يناير الماضي)
+ الخط -

نشرت جامعة كاليفورنيا الأميركية "باركلي" مؤخراً على حسابها في "أنستغرام" أن من ردود الفعل الطبيعية مع انتشار فيروس كورونا "القلق والشعور بالعجز و... والزينوفوبيا: خوف من الغرباء خاصة تجاه الأشخاص من آسيا...". وفي الحقيقة، فإن الخوف من الآسيويين انتشر ليس فقط في أميركا أو أوروبا، بل إن حالات من العنف تجاههم والتنمّر عليهم سجلت في لبنان والأردن، وسجلت حالات العنصرية أيضاً داخل الصين ضد سكّان ووهان من الصينيين أنفسهم.

لكن هذا لا يمنع من القول إن العنصرية تأخذ شكلاً راسخاً وقوياً في الثقافة الغربية والأميركية على وجه الخصوص، كأنها جزء أصيل ولا يتجزأ من التفكير بالآخر في هذه المجتمعات. ورهاب الأجانب والقوالب النمطية العنصرية القائلة بأن الشعوب الأخرى تسبّبت في الفيروس بسبب طبيعة أكلها أو قلّة نظافتها، خطاب قديم في هذه الثقافة.

لكن أخبار الفيروس تضخم شكلاً محدّداً من أشكال التعصّب، يسمى بـ "رهاب الصين"، وهو عداء ضدّ الصينيين أو الناس من أصل صيني أو الثقافة الصينية، والرئيس الأميركي بنفسه يستخدم في تصريحاته تعبير "الفيروس الصيني"، ولا يخفى الاستخدام السياسي لهذا الرهاب بالطبع.

تحاول إدارة ترامب تحويل الصين إلى كبش فداء، مما أبعدَ الخطاب العام عن كيفية فشل الإدارة في إعداد البلاد بشكل كاف لهذا الوباء وتأخّرها في مواجهته. وفي تصريحات معادية للأجانب مليئة بالأخطاء الواقعية والتضليل، دافع السناتور الجمهوري جون كورنين عن استخدام ترامب لعبارة "فيروس صيني"، وقال "الصين هي المسؤولة عن الثقافة حيث يأكل الناس الخفافيش والثعابين والكلاب وأشياء من هذا القبيل".

لا يشير الجمهوريون إلى "فيروس صيني" لمجرّد تسليط الضوء على الأصول الجغرافية للفيروس بل لإلقاء اللوم على مجموعة معينة، ولهذا اللوم عواقب سلبية في الولايات المتحدة حيث بدأ الآسيويون والآسيويون الأميركيون يواجهون التمييز والهجمات اللفظية في الأماكن العامة.

في أمريكا، يمكن لمس العنصرية ضدّ الصينيين في تاريخ البلاد السياسي، فعلى سبيل المثال، وقّع الرئيس تشيستر ألان آرثر (رئيس أميركا ما بين (1881-1885) ما يعرف بـ "قانون الاستبعاد الصيني" لعام 1882، الذي حظر هجرة العمال الصينيين إلى الولايات المتحدة مدّة عشرة سنوات. كان الغرض من القانون استرضاء مطالب العمال الأميركيين، وتهدئة المخاوف السائدة بشأن الحفاظ على" نقاء العنصر الأبيض"؛ وهذا ليس بعيداً عن التقييد الذي صنعه دونالد ترامب على هجرة الطلاب والعلماء الصينيين منذ عام 2018.

غير أن رهاب الأجانب متشابك مع خطاب الصحة العامة لفترة طويلة جداً في أميركا وأوروبا أيضاً، فقد تساوى الخطاب العلمي العارف مع الشعبي الجاهل في ربط الأمراض المعدية بالمجموعات السكانية التي ينظر إليها بأنها "الغرباء"، ونذكر مثالاً ما جرى في أوائل القرن العشرين من تقييد الهجرة في مدينة نيويورك بسبب الاعتقاد بأن الآخرين يحملون الجراثيم، وساهمت تلك الروابط المتخيلّة بين الجراثيم والأميركيين من أصول مكسيكية وصينية وأفريقية في حالة من الفصل العنصري.

وفي السنوات الأولى لانتشار "فيروس نقص المناعة المكتسبة"، أشارت الأصابع إلى المهاجرين الهايتيين، مثلاً في جمهورية الدومينيكان، وأنفقت المؤسسات الكثير من الأموال والطاقة في سبيل حظر الهايتيين وإغلاق الحدود عندما كان هناك تفشّي الدفتيريا من 2014-2017؛ أموال كان يمكنها أن تُصرف على اللقاحات بدلاً من العنصرية.

اليوم انقلبت العنصرية على الإيطاليين، فأصبحوا هم "غرباء" أوروبا، قوطعت مطاعمهم وأنديتهم في لندن وباريس لتذكّرنا بالمقولة الأميركية العنصرية ضدّ المهاجرين منهم "ومتى كان الإيطاليون بيضاً"، وهؤلاء أنفسهم حين بدأ انتشار كورونا قاموا بمقاطعة المطاعم الصينية في روما وميلانو وتسبّبوا في إغلاق الكثير منها.

بالعودة إلى تغريدة "باركلي" التي ذكرناها أول المقال، وهي واحدة من أبرز جامعات العالم اليوم، فإن ما تقوله الجامعة أن لا بأس من العنصرية اليوم، وإنها "طبيعية" لأنها تظهر نتيجة الخوف من الفيروس. لكن هذا غير صحيح، لأن رهاب الأجانب لا يخلق من العدم، بل يكشف ما خبزته الثقافة الغربية وأطعمته لأفرادها من زمن طويل.

المساهمون