لا يزال البيان الأول لـ"جماعة بغداد للفن الحديث"، التي تأسّست عام 1951، يشكّل مرجعية أولى لتطوُّر فن الخط العربي، في بلدان المشرق خاصة، بل يمكن القول إنه، ومنذ تلك اللحظة، انتقل الحرف من استخداماته التقليدية في التاريخ العربي ليصبح مكوّناً أساسياً في اللوحة المعاصرة.
بدا خطاب الجماعة، والذي عبّر عنه جواد سليم وشاكر حسن آل سعيد ومحمود صبري وآخرون، بمثابة إعلان عن توطين الحداثة في الفن، بموازاة التحوّلات الكبرى التي عاشتها القصيدة العربية خلال الأربعينيات. ويمكن القول إن تنظيراتها حول الخط العربي وممارساتها الفنية استمرّت لعدّة عقود قادمة، خصوصاً في العراق والشام والخليج، قبل أن تظهر اتجاهات جديدة لاحقاً. أعمال سبعة عشر فناناً من هذه البلدان تجتمع في معرض "حوار الحروف"، الذي يحتضنه "غاليري رؤى 32 للفنون" في عمّان، منذ نهاية الشهر الماضي وحتى السادس من يونيو/حزيران المقبل.
في حديثها إلى "العربي الجديد"، تشير الفنانة سعاد العيساوي، مديرة الغاليري، إلى أن "رؤية المعرض تقوم على إبراز تجارب تنتمي إلى ثلاثة أجيال من فنّاني الأردن وسورية والعراق والسعودية، بهدف إبراز استخدام الخط العربي في التصاميم الفنية المعاصرة، وتأطير فنونه في سياق حديث، لتعزيز جاذبيته للمجتمعات".
تضيف: "تُقدّم الأعمال المعروضة الحروف العربية بأساليب رسم وتشكيلات مختلفة عبر التاريخ، مع إضافة روح الفن المعاصر إليها، لا سيما من خلال الألوان التي تضيف إلى جمالية الخط بعداً آخر ومميزاً في الشكل والتركيب"، موضحة أنه "على الرغم من اعتماد فن الخط العربي على قواعد محدّدة، إلا أنه يتميّز في تقديم رؤية الفنان للنص، وتصويره معاني النصوص القرآنية أو الأدبية عبر الإطارات الحروفية التي يبتكرها الفنان".
تحضر، كذلك، لوحات الفنان السوري محمد غنوم (1949) الذي بدأ مشواره منذ السبعينيات، متأثّراً بما قدّمه الراحل فاتح المدرس في هذا السياق، في ارتكازه على اللون كعنصر أساسي مولّد لدلالات جديدة، إضافة إلى محاولاته في التجريب ضمن قواعد الحرف الكلاسيكية التي تعتمد أبعاداً ومعايير هندسية.
ويشارك أيضاً مواطنه أكسم طلاع (1963) الذي يُظهر التزاماً بالبنية الهندسية لخط الثلث الذي يستخدمه بشكل أساسي، بأسلوب يقترب من أعمال الحفر والطباعة الغرافيكية، مع إزاحة في التوظيف يما يمنحه إحالات رمزية متعدّدة.
أما الفنان العراقي جاسم محمد (1970)، فيبرع في إخفاء البعد الخطي للوحته، لتظل لوحة فحسب، من خلال المقاييس المعتمدة والتقنيات اللونية والأشكال المرسومة، وهو ما يُظهر محاولته للتحرّر من قالب الحروفية، ضمن رؤى حداثية تتجاوز التوظيف إلى تقديم مقولات جمالية خالصة.
أمّا في أعمال الفنان الأردني الفلسطيني الراحل محمود طه (1942 - 2017)، فتبرز محاولة حثيثة لإدخال الحروفيات إلى الصلصال ضمن أسلوب مبتكر على مستوى التقنيات والتنفيذ، وكذلك في اختزاله موضوعه الذي قاربه بتنويعات مختلفة طوال أكثر من أربعين عاماً، وهو الذاكرة العربية والإسلامية للإنسان الفلسطيني، المقدسي على وجه الخصوص.
تحضر في المعرض، أيضاً، أعمال كلّ من تركي عبد الأمير، وجاسم محمد، وحارث الحديثي، وعباس البغدادي، وعلي العبادي، وعماد الظاهر من العراق، وحازم الزعبي، وحسين الأزعط، ورسمي الجراح، وعدنان يحيى، وفاروق لمبز، ومحمد أبو عزيز، ومحمد بلبيسي من الأردن، وزمان جاسم من السعودية.
يستخدم الفنانون المشاركون مختلف الأساليب والتقنيات في لوحاتهم، من خلال آيات قرآنية وعبارات من الموروث العربي أو كلمات إنسانية وحياتية، أو من خلال الحروف المجرّدة، في إطار الرسم بالألوان الزيتية والمائية والمواد المختلفة.